الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أدري إن كانت صديقتي تتجاهلني عن قصد أم لا!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود استشارتكم في أمر يخص علاقة صداقة تجمعني بإحدى الفتيات؛ وذلك لأتمكن من معرفة ما إذا كان لي أن أستمر فيها أم لا:

وأنا وصديقتي نتابع نفس الشيوخ، وتجمعنا نفس الاهتمامات والهموم، ولم نكن مقربتين سابقًا، لكن خلال الأشهر الماضية لاحظت أنها تحاول التقرب مني، وسعدت بذلك كثيرًا، أصبحنا نراجع القرآن معًا، وبدأنا مشروعًا بحثيًّا علميًّا سويًا (نحن طالبات في كلية الطب).

لكن هناك أمر يزعجني منها بشكل كبير، وهو أنها كثيرًا ما تنسى المواعيد التي نتفق عليها، مثلًا: تخبرني أنها تنوي الخروج معي وستقوم بضبط جدولها وتعلمني، ثم لا ترسل أي شيء، وعندما أذكّرها تعتذر، وتقول: إنها نسيت...، هذا الموقف تكرر منها نحو ثلاث مرات، وفي كل مرة تعتذر وتخبرني أنها لو كانت في مكاني لتضايقت أيضًا، وأن من حقي أن أشعر بالضيق، لكنها تقول: "لا تزعلي، أنا فعلًا أنسى وأسهو، وليس تجاهلًا نحوك."

بصراحة، تكرار هذا الأمر يؤذيني نفسيًّا ويشعرني بالتجاهل، وللأسف تأتيني أحيانًا وساوس وسوء ظن تجاهها، وأحاول أن أدفعها وألا ألتفت لها. مثلًا: عندما تعتذر، يخطر لي أنها تفعل ذلك من باب الشفقة وليس التقدير الحقيقي.

وقد مررت بفترة شعرت فيها أنني متعلقة بها، لكن بحمد الله استطعت تجاوز هذه المرحلة، ولم تعد تصيبني مشاعر التعلق كما في السابق، حتى إذا نسيت موعدًا بيننا لم أعد أغضب كما كنت.

وسؤالي هنا:
هل هذه العلاقة تُعد مؤذية، ويُستحسن أن أبتعد عنها؟
وهل أوقف مراجعة القرآن معها حتى لا أشعر أننا ما زلنا على صداقة؟
أم أن ما ينتابني من شكوك ووساوس هو من كيد الشيطان، ليوقع بيني وبين من أحسبها على خير؟

أنا حائرة فعلاً في أمري، وأود الإشارة إلى أنني أعتقد أنها بالفعل تعاني من مشكلة في النسيان، وقد ذكرت لي أنها تضع أيام عملها متتالية حتى لا تنسى المواعيد.

ومرة اتفقنا على لقاء يوم الأحد، لكنها انتظرت مني رسالة يوم السبت لتؤكد الموعد، ولم تبادر!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في إسلام ويب، ونشكرك على ثقتك، ونبشّرك بأن وضوحك في عرض مشكلتك، وحرصك على الخير، وسعيك لتصفية قلبك؛ دليل نضج راقٍ، ورغبة صادقة في إصلاح العلاقة، لا قطعها.

وسأجيبك بإذن الله إجابة مرتبة تعينك على اتخاذ القرار بهدوء ورضا:

أولًا: العلاقة ليست مؤذية، لكنها تحتاج إلى تعديل:

ما وصفته لا يدخل في باب الصداقة المؤذية، بل في باب الصداقة الحسنة التي فيها خلل في السلوك الإداري والتنظيمي؛ فصديقتك تقرّ بتقصيرها، تعتذر بوضوح، لا تُظهر استخفافًا بك، ويبدو عليها صدق النيّة والحرص على الخير.

لكنها – في المقابل – تُخل بمواعيد تتفقان عليها؛ مما يسبب لك ضيقًا نفسيًّا، وهذا من حقك أن تشعري به؛ فالعلاقات لا تبنى على النوايا الطيبة فقط، بل على حسن الالتزام أيضًا، لكن العاقل من يفرق بين المرض والادعاء، وهذه الأخت في الحقيقة تنسى.

ثانيًا: ما تشعرين به من أفكار سلبية، هو من كيد الشيطان.

حين تُبادر صديقتك إلى الاعتذار، وتُظهر الطيب والنية الحسنة، ويأتيك خاطر (هي تفعل ذلك شفقةً، لا محبةً)، فاعلمي أن هذا من الشيطان لا من صفاء القلب، وقد قال النبي ﷺ:«إنّ الشيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، فالشيطان يُفسد أجمل العلاقات بالتشويش الخفي، ويُحوّل الغفلة إلى خصومة، والزلّة إلى قطيعة.

ثالثًا: التعلق الذي مررت به أمر طبيعي، وقد أحسنتِ معالجته:

شعورك السابق بالتعلق بهذه الصديقة ليس ذنبًا، بل هو تعبير عن حاجتك النفسية للقرب الروحي والإنساني، وقد وُفّقتِ حين أدركتِ ذلك، ثم بدأتِ تتعاملين معه بحكمة.

وكونك الآن "لا تغضبين منها كما في السابق"؛ هذا تطور إيجابي، لا برود أو قسوة، بل دليل على أنك صرت أكثر اتزانًا.

رابعًا: لا تتخلّي عن مراجعة القرآن معها، مراجعة القرآن علاقة ربانية، ليست مجرد علاقة شخصية، وإذا كانت هذه الصديقة: تُعينك على حفظه، وتشاركك النية الصالحة، ولم تُظهر في هذا الباب تكاسلًا أو عبثًا؛ فاستمري معها، وليكن بينكما اتفاق واضح على تنظيم المواعيد؛ حتى لا تقعي في نفس الدائرة مرة أخرى.

خامسًا: خطوات عملية لتقليل الإحراج والمشاعر السلبية:

* اجعلي التواصل بينكما حول المواعيد دقيقًا وواضحًا: قولي لها بلطف: "دعينا نثبت المواعيد كتابيًّا، وأنا سأُرسل لك تذكيرًا في اليوم السابق".

* اختاري أنواع اللقاءات التي لا تتأثر كثيرًا بنسيانها، مثل لقاءات المراجعة الصوتية، أو جلسات متكررة بتوقيت محدد كل أسبوع.

* قلّلي من التوقعات، وأكثري من النية الصالحة، ولا تنتظري منها أكثر من وسعها، وانظري لعلاقتكما كوسيلة لطلب الله، لا لإشباع القرب العاطفي.

اجعلي علاقتكما في دائرة "الأخوة في الله" لا "التعلق الشخصي"، وحافظي على الودّ، لكن اتركي هامشًا آمنًا لمشاعرك.

نسأل الله أن يحفظكم بحفظه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً