الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت علاقتي بعمتي بعد فشل خطبتي لابنتها، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤال حول قطيعة الرحم.

أنا متعلّق بعمّتي وأُكنّ لها محبة منذ صغري، وقد نشأت بيننا علاقة قوية جدًّا، وبسبب هذه العلاقة تقدّمتُ لخطبة ابنتها، لكن لم يُكتب بيننا نصيب، وبعد مدة لا بأس بها من إنهاء الأمر بشكل جذري، بقيت النفوس طيبة، بل أصبحت العلاقة أقوى مما كانت عليه سابقًا.

لكنني لاحظت تغيّرًا مفاجئًا في سلوكها دون سبب ظاهر؛ إذ أصبحت تتعمّد التهرب مني وتُقابل تواصلي بالصدّ، فلا ترد على اتصالاتي ولا على رسائلي، خلافًا لما كان بيننا سابقًا، وحاولت معرفة السبب لكن دون جدوى.

فآثرتُ كرامتي، وقررت التوقف عن التواصل معها استجابةً لتصرفاتها، ولم أعد أتواصل إلَّا في المناسبات العظيمة كالعيدين ورمضان، أو في حال وجود أمر اضطراري جدًّا.

وسؤالي:
- ما تقييم تصرّفي هذا من الناحية الشرعية، ثم العُرفية؟ وما الأفضل؟
- وما الحد الأدنى لصلة الرحم عمومًا، خاصة فيما يتعلّق بالاتصال أو الزيارة؟
- وكيف يمكنني تجاوز هذا الموقف نفسيًّا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كلامي لك ردًّا على رسالتك، يكون على النحو الآتي:

أولًا: أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بزوجة صالحة تُعينك على الخير، فاجتهد في ذلك، فإن العمر يمضي سريعًا.

ثانيًا: في الحقيقة، ما ذكرته في رسالتك من تغيّر عمتك تجاهك، رغم العلاقة الوطيدة بينكما طوال سنوات العمر، لا بد أن تعذرها فيه؛ فالولد والبنت غاليان على والديهما، وبالذات على الأم، فسعادتها من سعادة ابنتها.

وتغيّر معاملة عمتك لك بسبب عدم إتمام الزواج من ابنتها، أو عدم التوفيق فيه، يذكّرنا بما ذهب إليه بعض العلماء من الشافعية والحنابلة من كراهية زواج الأقارب.
ورغم أن المسألة خلافية بين العلماء، فإن هؤلاء نظروا إلى ما قد تؤول إليه الأمور عند عدم إتمام الزواج أو وقوع الطلاق، من تباعد وفرقة وعداوة بين الأقارب والأرحام، وهذا أمر واقع وملموس في حياتنا.

ثالثًا: رغم تهرّب عمتك منك كما ذكرت، وتغيّرها في عدم الرد على تواصلك معها، فلا تقطعها مهما كان الأمر، فهي عمتك، وأكبر منك سنًّا، بل هي في مقام أمك، فلا تردّ الإساءة بالإساءة، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصّلت: 34-35].

واسمع -أبا عبد الله- إلى قصة ذلك الرجل الذي سأل رسول الله ﷺ عن قرابته، فقال: «يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ ويَقْطَعُونَنِي، وأُحْسِنُ إلَيْهِم ويُسِيئُونَ إلَيَّ، وأَحْلُمُ عَنْهُمْ ويَجْهَلُونَ عَلَيَّ»، فَقالَ ﷺ: «لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ ما دُمْتَ علَى ذلكَ» (رواه مسلم).

رابعًا: أمَّا سؤالك عن تقييم تصرّفك شرعًا، فكما ذكرتُ لك: لا تردّ الإساءة بالإساءة، وتعامل مع الله سبحانه وتعالى، فلن يضيعك الله.

وتغافل عن زلّات الأقارب، وخاصة عمّتك، وأكملَ لسؤالك، فالأفضل والأكمل أن تصل عمتك، وأن تسأل عنها، فلعلّها تعود إلى رشدها، وتُدرك أن الزواج من أقدار الله، وأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته سبحانه، وأن على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره.

أمَّا الحد الأدنى لصلة الرحم عمومًا، فالجواب: أن يترك الإنسان القطيعة والهجران، ويحرص على التواصل مع الأرحام ولو بالسلام والسؤال والاطمئنان، سواء بزيارتهم أو الاتصال عليهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وعدم الإساءة إليهم، فهذا هو الحد الأدنى الواجب في صلة الرحم.

وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الأقارب والأرحام، وأن يُبعد عنهم الشقاق والخلاف، وأن يوفقك للخير والبر، وأن يرزقك الزوجة الصالحة، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً