الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أواجه عراقيل مفاجئة كلما تحدثت عن مشروع أنوي فعله!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أكتب إليكم مستفسرةً ومتحيّرةً من أمر بات يُثقل قلبي، ويشتّت يقيني، وأسأل الله أن أجد عندكم ما يطمئن النفس، ويردّ الحيرة.

لقد لاحظت في حياتي أمرًا متكررًا بشكل ملفت: كلما تحدّثت عن مشروع، أو خطوة أنوي القيام بها، سواءً في سياق عملي، أو حتى أحاديث عابرة مع أهل بيتي، لا يتم الأمر كما خُطّط له، بل غالبًا ما يُواجه بعراقيل مفاجئة، أو يتعطّل كليًا، رغم أنني لا أتكلم بنية التفاخر، أو الرياء، بل حديثًا طبيعيًا في سياق العمل، أو مشاركة بسيطة مع من حولي.

بل أحيانًا، أقول ممازحةً لأختي مثلًا: "سأذهب غدًا لأشتري كذا" على سبيل الضحك، أو التخطيط العادي، فلا يتم الأمر، وإن تم، يكون بعد مشقة، أو تعقيد غير مبرّر، أو أن أذكر بسياق حديث أن أخي قام بكذا وكذا ضمن إعطاء أفكار للآخرين، أو دعمًا لفكرة، فيحدث مباشرةً سوء لأخي في الموضوع الذي ذكرته، وأنا أكثر إنسانة تحبّ إخوانها، الأمر متعب جدًّا.

تكرر هذه الحالات بدأ يُشعرني بأنني ربما أحسد، أو أنني محسودة أو منحوسة -كما يُقال-، حتى خِفت من الكلام عن أي شيء أنوي فعله، أو عن عملي، أو عن أهلي، أو حتى مع الناس، مخافة أن أكون أنا من يعوق الأمر دون قصد، أو أن يصيبني أثر من نفسي، أو من أقرب الناس، رغم أنني لا أحمل في قلبي حسدًا لأحد، بل أُحب الخير للناس، وأحرص على الإخلاص في عملي.

فهل يمكن للإنسان أن يُصاب بالعين من نفسه، أو أن يكون حديثه العفوي سببًا في تعثّر أموره، أو أمور غيره؟ وما السبيل في هذه الحال؟ وهل يُستحب الكتمان في كل شيء، وذلك لا يمكن فأنت تتحدث عن مجريات حياة بحديث عادي ومطلوب، أم أن ذلك من الوساوس؟

أرجو منكم التوجيه والنصح والدعاء. جزاكم الله خير الجزاء، ونفع بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية التي هي منكم وإليكم، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

-المؤمن يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره، وأن كل ما يحدث في هذا الكون هو وفق ذلك، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)؛ والكيس الفطنة.

- يقول شَدَّاد بن أَوْس -رضي الله عنه-: (يَا أَيهَا النَّاس لَا تتهموا الله فِي قَضَائِهِ؛ فَإِن الله لَا يَبْغِي على مُؤمن، فَإِذا نزل بأحدكم شَيْء مِمَّا يحب فليحمد الله، وَإِذا نزل بِهِ شَيْء يكره فليصبر، وليحتسب، فَإِن الله عِنْده حسن الثَّوَاب).

- المؤمن يتقلب بين الحمد، والشكر، والصبر كما أخبرنا بذلك نبينا -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).

- اعلمي أن ما ينزل بالمؤمن من بلاء، أو مرض، أو ضيق في الرزق، أو غير ذلك إلا كان ذلك تكفيرًا لذنوبه؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

- يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فحفظ المنطق، وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد، ومما أثر من القول: (إن البلاء موكل بالمنطق)؛ فآمل ألا يصدر منك إلا الكلام الطيب، ولا تتوقعين من الله إلا خيرًا.

- دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجلٍ يعُودُه، فقال: (لا بأس، طَهورٌ -إن شاء الله-")، فقال: "كلا، بل حُمَّى تفور، على شيخٍ كبيرٍ، كيما تُزِيرَه القبورَ"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "(فنعم إذًا)، ولو أنه أمَّنَ على دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له لكان خيرًا له، وأبلغ إلى حاجته، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ المُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي).

- ننصحك بألا تكثري الكلام حول أمورك الخاصة، وألا تتدخلي في أمور من حولك، واستعيني على قضاء حوائجك بالكتمان؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: كل ذي نعمة محسود)، ولا داع لإظهار ما عندك، ولا ما تنوين القيام به.

- العين حق، كما قال -عليه لصلاة والسلام-، والحسد حق، كما قال تعالى: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، وهذا قد يقع ممن يسمع كلام الإنسان، وينطق ببعض الكلام الذي يظهر فيه حسده، أو من مجرد رؤيته بالعين، ولكن قلبه يغلي حقدًا وحسدًا؛ فالعين تقع ممن يشاهد، والحسد يقع ممن يشاهد ويسمع، وممن يسمع ولا يشاهد، بل إن العين قد تقع من الشخص نفسه على نفسه، وهذا معروف في الواقع، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: (إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق)، ويقول -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة من أهلٍ ومالٍ وولدٍ فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى آفة دون الموت)، وقال العلامة ابن كثير: قال بعض السلف: "من أعجبه شيء من ماله، أو ولده، فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله".

- العين والحسد قد لا تظهر للشخص أنه يعين الناس ويحسدهم، أو أنه يصيب نفسه بالعين، ولذلك قبل أن يتكلم الإنسان، أو حين يسمع، فمن محبة الآخرين، وتمني الخير لهم أن يقول: "ما شاء الله، اللهم بارك"، ونحو هذا الكلام يقول الله تعالى: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه)؛ فما أمر الله بأن يقول الرجل ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلا لما للعين من تأثير، فيؤثر على الزرع، والثمر، فكيف على البشر!

- لا يوجد شيء اسمه نحس، بل قضاء الله وقدره، والعبد هو من يتسبب في ذلك؛ لذلك حصني نفسك بأذكار اليوم والليلة؛ فهي حصن حصين من العين، والحسد، والسحر، وهي بركة، ونماء للمال، والحياة.

- عليك أن تعملي بالأسباب الصحيحة التي توصلك لقضاء حوائجك؛ فإنك إن أخطأت السبب حصل لك عرقلة في الحصول على المراد، وهي نتائج حتمية؛ فالسبب الصحيح يوصل إلى المراد، مع الإيمان بالقضاء والقدر؛ فمثلاً لو أراد شخص أن يخطب فتاةً وكان غريبًا، فعليه أن يتوسل بشخص مقرب من والد تلك الفتاة، يقبل كلامه، ويحترمه، فلو أتى هو بنفسه، أو توسل بشخص ليس بينه وبين والد الفتاة مودةً لما قبل.

- عليك بكثرة الدعاء، والتضرع بين يدي الله تعالى، وسليه من خيري الدنيا والآخرة، وتحيني أوقات الإجابة.

نسأل الله تعالى أن يسمعنا عنك، وعمن حولك خيرًا، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً