الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعيش متألمة بسبب تعرضي للسحر وتأخر زواجي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنعم الله عليّ بنعم كثيرة -والحمد لله-، لكني رغم ذلك أتألم! عمري الآن 44 عامًا ولم أتزوج، رغم أن كثيرين قد تقدموا لي في السابق، قبل 15 عامًا اكتشفنا أني تعرضت للسحر، وأتذكر حينها أنني شربت قهوة كانت رائحتها سيئة، لكني شربتها مجاملة لأحدهم دون أن أعلم أنها قد تحتوي على سحر، وقد جاء بعض الناس وحذرونا من أن فلانة رشت ماءً عند باب بيتنا.

طوال هذه السنوات، وأنا أتلقى العلاج من السحر، وكان هناك شاب يعمل معي في نفس المكان يرغب في الزواج بي، لكن لم يتم الأمر، ثم تزوج وطلق، ثم عاد مرة أخرى يريدني، ومع ذلك لم يتم شيء، كنت أظن أنني شُفيت، لكن السحر لم يُفك تمامًا، وهو الآن يعيش حياته، وقد تزوج مرة أخرى، وأنا ما زلت أتألم!

ذهبت لاحقًا إلى عمتي التي أظن -والله أعلم- أنها هي من تسببت في هذا السحر، وقلت لها: "لقد كبرت ولم أعد أرغب في الزواج، فقط أريد أن أرتاح"، خاصة بعدما شعرت أنها ندمت في فترة ما على ما فعلته، لكنها لم تبطل السحر، استعنت براقٍ شرعي وقرأ عليّ، ووقتها شعرت أنها ربما قد أزالت السحر من مكانه، خاصة أني رأيت ذلك في المنام.

عندما كان عمري 42 سنة، رشحتني صديقة خالتي لرجل أرمل عمره 49 عامًا، كان يبحث عن فتاة بمواصفاتي، لكن خالتي لم تبلغني به، بل أخفت الأمر؛ بسبب خلاف بينها وبين والدتي، وقالت للناس إنني أرفض الزواج، رغم أنني لم أُسأل أصلًا، ولم أعلم بالأمر إلا بعد أن تزوج الرجل، ومع أني شعرت بأنها تعمدت حرماني من فرصة مناسبة في هذا العمر، لم أواجهها، وتركت أمري لله.

حتى صديقة أخرى خذلتني؛ فقد سأل عني شاب مناسب، لكنها -رغم أنها متزوجة- بسبب ميلها العاطفي تجاهه أبعدته عني، ومع كل ما مررت به من خذلان وألم، لا تزال والدتي تردد أمامي أن فلانة تعرّفت على شاب وتزوجته؛ لأنها "شاطرة"، وقد نبهتها أكثر من مرة أن الزواج رزق من عند الله.

فكيف أستعيد قوتي بعد كل هذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Haya حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بكِ -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

من أصيب بالسحر فعلم الموضع الذي وُضع فيه، سواء عن طريق الشخص الذي صنعه، أو بإعطائه شيئًا من المال ليدل على موضعه، أو عن طريق غيره، فإن حل السحر يكون باستخراج تلك الطلاسم، ومن ثم تنقع لمدة ثلاث أيام في ماء مرقي قُرئ عليه آيات وأدعية إبطال السحر، والمعوذات، والإخلاص وغيرها، ثم يُرمى الماء وما تحلل فيه في مكان بعيد، وتمزق الأوراق، وهذه أقرب طريقة وأنفعها -بإذن الله- لإزالة السحر.

لا يجوز حل السحر بسحر آخر، فالشر لا يزال بالشر، والكفر لا يزال بالكفر، فالسحر عبادة للشياطين، والساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين، وبعد خدمته للشياطين، وتقربه إليهم بما يريدون، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر، ولكن يزال الشر بالخير، ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن النُّشرة، قال: (هي من عمل الشيطان)، والنشرة المذكورة في الحديث: هي حل السحر عن المسحور بالسحر.

إذ لم تستطيعي التعرف على موضع السحر عن طريق من صنعه أو غيره، فإبطال السحر في هذه الحال يكون بالقرآن الكريم، والأدوية المباحة، والرقية الشرعية، كما يعالج أي مريض من مرضه من جهة الأطباء، وليس من اللازم أن يُشفى؛ لأنه ما كل مريض يُشفى، بل ذلك في تقدير الله تعالى، فمن كان قد قدر له الشفاء فسوف يُشفى، ومن لم يُقدر له فلن يُشفى ابتلاءً واختبارًا، وقد يكون لأسباب أخرى لا يعلمها إلا الله سبحانه، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ -بإذن الله عز وجل-).

يذكر بعض أهل العلم أن من العلاج النافع لفك السحر أن يأخذ المسحور سبع ورقات من السدر الأخضر، ويدقها، ويجعلها في ماء، ويقرأ فيه آية الكرسي، وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة طه، ومعها سورة الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوذتين ثلاثًا ثلاثًا، ويدعو بالشفاء والعافية، ولا سيما بالدعاء الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)، ومن ذلك ما رقى به جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك)، ويكرر هذه الرقية ثلاثًا، ثم يشرب من الماء، ويغتسل، فذلك نافع -بإذن الله جل وعلا-.

كوني على يقين أن كل ما يجري في هذا الكون إنما يجري وفق قضاء الله تعالى وقدره، لا يخرج شيء من ذلك، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: "اكتب"، قال: "وما اكتب؟"، قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر، حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.

أقدار الله كلها خير للإنسان، وإن ظن أن فيها شراً، لكن هذا وفق تقديره القاصر.

الزواج رزق من الله تعالى، لا يأتي بشدة الحرص، ولا يفوت بالترك، ولا يكون إلا وفق ما قدره الله تعالى بالشخص والوقت الذين كتبهما سبحانه للعبد.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي ذلك تفريج للهموم كما ورد في الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له: "أجعل لك صلاتي كلها؟"، قال: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي ربك وأنت موقنة بالإجابة، خاصة وأنك في حال اضطرار، يقول سبحانه: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۚ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)، ويقول تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ)، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

تحصني من الحسد ومن كل شر بالمحافظة على أذكار اليوم والليلة من خلال كتيب حصن المسلم أو غيره.

ادعي ربك وأنت ساجدة؛ فذلك من أفضل أوقات الإجابة، يقول عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء، فإنه قمن -حري- أن يستجاب لكم).

أُقدر مشاعرك ورغبتك في إشباع عواطفك، فهذا أمر فطري فطر الله الناس عليه، ولكن أنصحك ألا تفكري كثيرًا في هذا الأمر؛ لأنه لو استولى على قلبك فسوف تتعبين كثيرًا، فأشغلي نفسك بكل عمل مفيد، وشاركي في الأعمال الخيرية والاجتماعية مع بنات جنسك.

نسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجدين، إنه على كل شيء قدير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً