الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أن أعصابي تتلف من كثرة الوساوس في الطهارة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أكتب هذه الرسالة على أمل أن أحصل على أي معلومة أو نصيحة تشعرني بوجود أمل بإذن الله.

تعبت من الوساوس، وتعب أهلي مني، خصوصًا أمي، لم أكن أرغب أن يُكشف أمري، لكن الوسواس القهري انتقل من الجانب الفكري إلى الجانب العملي.

البداية كانت وساوس عقيدة، وأفكاراً سيئة جدًا، ووساوس شرك وغيرها، ثم أصبحت الوساوس تتعلق بالطهارة، الوضوء، والصلاة.

هذا الموضوع أتعبني جدًا؛ لأن الصلاة عماد الدين، وصرْتُ أشعر أن يومي بطوله وعرضه يتمحور حول الصلاة، ولم أعد أستطيع الانتباه تقريبًا لأي شيء آخر في حياتي.

مشكلتي الرئيسية مع الغُسل عند انتهاء الدورة الشهرية، إذ لم أفهم متى تعتبر المرأة طاهرة بالضبط، ومتى تعتبر الصفرة نجاسة عادية أو غير ذلك! وجدت أقوالًا كثيرة لكنها لم تفدني، وسألت معلمتي لكن دون جدوى.

أتساءل: هل عليّ أن أغتسل أربع مرات أو أكثر كل مرة؟ وهل أعيد الصلاة لأكثر من خمسة أيام؟ أكيد لا، لكنني لا أعلم ما هو الحل الصحيح.

أنا خائفة على أمي، وصرت أخاف منها أيضًا، فهي تقلق عليّ كثيرًا، وكلما كررت الغسل أو ما شابه، تتدهور حالتها كثيرًا.

إضافةً إلى ذلك، أعاني من مشكلة غازات غريبة ظهرت مؤخرًا، ووسواس نجاسة يجعلني أظن أن النجاسة انتقلت، فيضطرني لتغيير ثيابي باستمرار.

لا أعلم كيف أكمل كتابة الرسالة، فأشعر أن أعصابي تتلف من كثرة التفكير والبكاء!

أحاول العلاج بنظام غذائي ونوم منتظم، وربما أضيف بعض الفيتامينات، لكني لا أرغب في تناول الدواء؛ لأن أمي ستقلق أكثر، فهي بحالة طلاق حديثة، ولا أريد أن تتعب أو تيأس.

أتمنى حقًا أن يتم الرد على رسالتي، فقد بدأت أتصرف بجنون، أهز رأسي، أو أضرب نفسي، أو أقوم بحركات غريبة، وأفكر بتشاؤم وتراودني أفكار سيئة.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بكِ في موقعكِ إسلام ويب، ونسأل الله أن يعافيكِ ويشفيكِ، وبعد:

نرجو أن تطمئني تمامًا، فما يحدث معك أمر متفهم لدينا، وقد مرّت به آلاف النساء قبلك ثم تجاوزنه بحمد الله، وصار من الماضي؛ لذا اقرئي ما يلي بهدوء وثقة:

أولًا: التعريف بالوسواس القهري:
الوسواس القهري هو اضطراب نفسي يقوم على وجود أفكار ملحّة وقهرية تتسلط على عقل المبتلى، وتشعر أنها دخيلة، ثم تليها سلوكيات متكررة لتخفيف التوتر الناتج عن هذه الأفكار، وهو من أعظم مكايد الشيطان، إذ يلقي في القلب خواطر في العقيدة أو العبادة أو الطهارة ليُحزن المؤمن ويثقله. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

ثانيًا: خصائص الوسواس:
• إلحاح مستمر: الفكرة تتكرر رغم كراهية المبتلى لها.
• توتر وقلق: إذا لم تُعد المرأة الفعل (كإعادة الوضوء أو الغسل) يزداد توترها.
• راحة مؤقتة: عند إعادة الفعل يهدأ القلق لحظات، لكن تعود الفكرة أقوى.
• تفاقم مستمر: كثرة التكرار تعطي الوسواس قوة أكبر، حتى يُعجز المصابة عن عبادتها.
• مبالغة خارجة عن الاعتدال: تعيد الوضوء مرات حتى يفوت وقت الصلاة، أو تكرر القراءة حتى يسبقها الإمام، أو تترك العمل كليًا عجزًا.

ثالثًا: الأسباب المحتملة:
• الشيطان: غرضه إفساد العبادة وسلب لذتها. وفي حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ" فقال ﷺ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ ‌يُقَالُ ‌لَهُ ‌خِنْزَِبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا» (رواه مسلم).
• عوامل نفسية أو تربوية: كبيئة شديدة الصرامة أو تجارب صادمة.
• عوامل بيولوجية: خلل في كيمياء الدماغ (زيادة نشاط بعض النواقل العصبية).

رابعًا: الطريقة الشرعية في التعامل مع الوسواس:
• قاعدة اليقين: "اليقين لا يزول بالشك"، فالوضوء أو الصلاة أو الغسل إذا أُدِّي يقينًا فلا يبطل بالوساوس.
• الطهارة من الحيض: تتحقق بالقصة البيضاء أو الجفاف التام، ويكفي غسل واحد صحيح، ولا عبرة بالصفرة والكدرة بعد الطهر.
• النجاسة: لا يلتفت إلى الأوهام فيها، ومن غلب عليه الوسواس يكفيه نضح الموضع بالماء.
• الوضوء: يكفي مرة واحدة بمقدار محدود من الماء (كما كان النبي ﷺ يتوضأ بالمدّ).
• الصلاة: لا تُعاد مع الشك، بل يتم فيها، وإذا جاء الوسواس في القراءة أو الأذكار فلتواصلي ولا تتوقفي.

خامسًا: أساليب عملية لمواجهة الوسواس:
• التجاهل المتعمد: أعظم علاج أن لا يُعاد الفعل أبدًا مهما ألحّ الوسواس.
• التدريب السلوكي:
- في الوضوء: تتوضئين بكمية محدودة ثم تكفين.
- في الطهارة: ترشين المحل بالماء ثم تُعرضين عن البلل.
- في الصلاة: تتابعين ولا تكرري آية أو تكبيرة.
• الانشغال بالذكر والعمل: ملء الوقت بما ينفع يقطع دوائر الفراغ.
• الاستعاذة عند الوسوسة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" مع النفث يسارًا ثلاثًا.
• الاستغفار وكثرة الذكر: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
• مقاومة الوسواس جهاد: وصاحبه مؤمن، قال ﷺ: «ذاك صريح الإيمان».

سادسًا: خطوات عملية مختصرة
1. استحقار الوسواس: لا تسترسلي معه ولا تفكري فيه.
2. رد الشك لليقين: لا تعملي بالظن أبدًا.
3. الانشغال النافع: علم، عمل، صلة رحم، رياضة، صحبة صالحة.
4. ورد ثابت من القرآن والذكر: ولو قليلًا، لكن بانتظام.
5. ذكر الله صباحًا ومساءً؛ فهي حصون تحفظ من الشيطان.

استمري على هذه الوصايا فترة، ومع الصبر والمجاهدة سترين الفرج بإذن الله، واعلمي أن الله أرحم بكِ من نفسك، ولن يضيع جهادك مع الوسواس، بل يرفعك به درجات.

نسأل الله أن يحفظكِ، ويعافيكِ، ويبدل وساوسكِ طمأنينة، وخوفكِ أمنًا، وأن يشرح صدركِ ويقوي قلبكِ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً