الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع تسلط والدي واستغلاله مالي في غير الضروريات؟

السؤال

أنا أكبر إخوتي، ووالدتي متوفاة، والدي يأخذ راتبي كاملًا وراتب أخي المتوفى، ولا يعطينا شيئًا نحن البنات، كما أخذ ذهب والدتي وذهبنا بحجة شراء أرض، ثم باعها ولم نرَ المال.

قام بتزويج أخي من مال أخي المتوفى دون علمنا، وأدخل ابنه وزوجته إلى بيتنا، وأصبحت أتحمل مصاريفهما ومصاريف البيت وحدي، بل حتى عملية زوجة أخي دفعتها من مالي.

والدي يرفض إرجاع أموالي من الجمعيات، أو من الباص الذي ساهمت في شرائه، ويفضل بعض إخوتي عليّ، ويهينني إذا طالبت بحقي.

مؤخرًا أصيب بجلطة، وصُرف له تبرع كبير، لكنه أنفقه كله في أقل من شهر، إضافة إلى ذلك، لم يقم بتربية أبنائه، فشقيقتي تتصرف كما يحلو لها، لدرجة أنها تتواصل مع رجال وهي مخطوبة، ولم يعر الموضوع أي اهتمام، تعبت جدًا، وقد منعتها من الدراسة واستخدام الجوال، لكن الأمر تكرر عدة مرات، وكانت ترسل صورها!

كذلك، أخي يعمل في الباص الذي اشتريته أنا من مالي ومال أخي المتوفى، ومع ذلك لا يطلب منه والدي أن يصرف على البيت، رغم أنه متزوج ولديه طفل، وأنا تحملت مصاريف ولادة زوجته من عملية وغيرها، ولم يتم إرجاع مالي، وإذا طالبت والدي، يصرخ في وجهي ويسبني، ويقول لي: "لا أريد أن أرى وجهك" إذا نصحت أبناءه أو ابنته بشأن تصرفاتهم.

علمًا بأنه يعطي ابنه المال، وإذا احتاج منه يرجع له فلوسه، أما أنا فيرفض، ولا يستشيرني في أي موضوع، إذا كان معه مال لا يكلمني، وإذا لم يكن معه يذكرني لأتحمل مصاريف البيت وحدي، وبالإجبار، كما أنه أدخل أخي الصغير إلى جامعة خاصة بمبلغ كبير للدراسة، ولم يكلمني، والآن لا يدفع شيئًا.

كيف أتصرف؟ لقد تعبت جدًا، علمًا بأن الجميع ينصحني بأن أحتفظ بمبلغ لي دون معرفته؛ لأني أتعرض للاستغلال.

سؤالي: كيف أتعامل معه؟ وهل يجوز أن أضع حدودًا أو أبتعد عنه، لأحافظ على نفسي ومستقبلي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Saina حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بكِ أختنا الكريمة في إسلام ويب، وردًّا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

مشكلتك تكمن في تسلّط والدكِ على أموالكِ، فهو يستغلكِ كونكِ موظفةً وتتسلّمين راتبًا، ويفضّل أبناءه الذكور، ويسيء تربية بعض الأبناء كأختكِ المذكورة في الاستشارة، ويعبث بالمال، ويأخذ حقوقكم الشرعية، كأخذه للذهب الذي خلّفته والدتكم.

ومما لا شك فيه أن المصاريف تجب على الأبناء الذكور العاملين والقادرين على العمل، وكذلك البنات، ولكن كل ذلك بالمعروف، فلا يصح أن يأخذ جميع راتبكِ، مع أن بعض الأبناء يعملون، وعليه، فإنه ينبغي عليكِ أن تخصّصي له مبلغًا شهريًا، كمساهمة في مصاريف البيت، خاصةً وأنكم جميعًا في بيت واحد.

ادّخري ما يتبقى من المبلغ في حساب خاص لدى إحدى المصارف الإسلامية، لمواجهة ما تحتاجينه، ولا تُظهري ذلك لأي أحد، بحيث لا تحتاجين لطلب شيء من والدكِ أو إخوانكِ.

لستِ ملزمةً شرعًا بالإنفاق على البيت، في الوقت الذي يدّخر فيه إخوتك العاملون أموالهم لأنفسهم، بل الأصل أن كل شخص متزوج يجب عليه أن ينفق على أسرته، ولا شك أن المصاريف في حال اجتماعكم جميعًا في سكن واحد، ستكون خفيفةً على الجميع.

ومن الظلم الذي وقع فيه والدكِ أنه أخذ ذهب والدتكم دون أن يستأذن منكم، حتى لو كان ذلك لشراء أرض، فالواجب شرعًا الاستئذان، أو إعطاء كل ذي حق حقه، وكذلك أخذه ذهبكِ وذهب أختكِ، بحجة شراء أرض دون مشاركة من الآخرين، يُعد نوعًا من الظلم، خاصةً إذا سجّل وثيقة الشراء باسمه؛ فإنه إن مات فستذهب الأرض لجميع الورثة بدون وجه حق، وكان الواجب عليه أن يُثبت حقوقكن، إمّا في وثيقة الشراء، أو بكتابة سند بمقدار جرامات الذهب وعياره؛ كي يحفظ حقكن مستقبلًا.

أما مال أخيكِ المتوفى، فهو له شرعًا لأنه الوارث الوحيد، ولا كلام على هذه المسألة، ولم تُخبرينا كيف تم شراء الباص لأخيكِ من مالكِ وماله، وهل كان ذلك بموافقة والدكِ أم لا؟

وإذا كان والدكِ كما ذكرتِ مهملاً في تربية أولاده، وأختكِ المخطوبة تتواصل مع رجال آخرين وترسل صورها، فإن قيامكِ بنصحها وتوجيهها ومنعها من استخدام الهاتف واجب عليكِ؛ فالدين النصيحة، والواجب دوام متابعتها، مع حثها على الاستقامة، والمحافظة على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهكذا وجهيها إلى تلاوة القرآن الكريم، وألحقيها بحلقة للتحفيظ، فلعلها تجد صديقات صالحات يُعنّها على الاستقامة.

ومن الظلم كذلك إعطاء الذكور دون الإناث وتفضيلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم» فلو استطعتِ أنتِ وأختكِ تذكيره بالله تعالى، وتخويفه من عقابه، بسبب هذه التصرفات الظالمة، في بعض الأوقات التي ترين أنه قد يتقبّل فيها النصح، فافعلا ذلك، وإن أمكن أن تطلبن ممن يعرف تصرفاته أن ينصحه من دون أن يشعر أنكن وراء ذلك، فهذا حسن، خاصةً إذا كان ممن يستمع لنصحهم والدكِ.

أما إذا رأيتِ أنه لا يقبل النصح، فالذي نراه ألّا تطالبي بالأموال التي أخذها، واحتسبي الأجر عند الله سبحانه، ولكن عليكِ أن تحتاطي لنفسكِ من الآن فصاعدًا، واقتربي من والدكِ، وأظهري برّه وصِلته وخدمته، ولا تُبدي له أي تَسخّط من أفعاله الماضية، فحسابه على الله تعالى، وبرّه وصِلته والإحسان إليه من أسباب البركة في العمر وسعة الرزق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه». أمّا بقاؤكِ متضجرة متسخطة فقد يعرّضكِ لتصرفاته الهوجاء؛ لأنه يبدو من عوام الناس، الذين لا يرفعون للمرأة رأسًا ويهضمونها حقوقها، فالله المستعان.

نوصيكِ بالاستقامة على دين الله تعالى، بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، مع الإكثار من النوافل، وتلاوة القرآن واستماعه، وصيام ما تيسر من الأيام الفاضلة، والتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى في أوقات الاستجابة، وسلي الله أن يُلهم والدكِ الصواب، ويبصّره بعيوبه، ويرزقه التوبة من هذا الظلم، واسألي لنفسكِ من خيري الدنيا والآخرة.

نسأل الله تعالى أن يكتب لكِ الأجر والمثوبة، وأن يبارك لكِ في رزقكِ، ويعطيكِ من الخير ما تتمنين، ويصرف عنكِ كل مكروه، ونسعد بتواصلكِ في حال استجدّ أي جديد.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً