الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أعزز يقيني لأرد على الشبهات والوساوس.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولًا: جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع الطيّب، وما يقدمه من فتاوى واستشارات وغيرها من الأمور النافعة.

رسالتي: أحتاج مساعدتكم بخصوص حالتي، باختصار، بدأت التزامي قبل حوالي أربع سنوات، وكنت أعاني وقتها من الوسواس القهري بأشكال كثيرة، لاحقًا -وبفضل الله- تمكنت إلى حد كبير من التخلص من الوساوس، وإن كان ما زال بعضها موجودًا، خاصة فيما يتعلق بالخواطر، أما العبادات فالغالب أني لا أواجه وسوسة فيها.

أنا حاليًا مهتم بتعزيز اليقين بالإسلام، ودراسة براهين الإسلام والعلوم الشرعية، لكن أحيانًا تأتي إليّ تساؤلات، أو مشاعر، لا أدري إن كانت بسبب الوسواس، أم هي شبهة حقيقية، وهذا يسبب لي القلق.

أرجو منكم تقديم المساعدة والإرشاد في هذا الخصوص.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويزيدك ثباتًا ويقينًا، وبعد:

فما ذكرته يشبه حال كثير من الملتزمين الجادّين، يبدؤون بالحرص على الطاعة، ثم يبتلون بالوساوس والخواطر، ثم يختلط عليهم الأمر بين الشبهة الحقيقية والوسواس العابر، لذا سأضع لك الجواب على شكل محاور.

أولًا: الفرق بين الوسواس والشبهة:
• الوسواس: خواطر ملحّة متكرّرة، تقتحم قلب المرء دون اختيار منه، ويشعر معها بالضيق والحرج، بل يتمنى أن تزول، وهذا ليس من اختيارك، ولا يحاسبك الله عليه، قال ﷺ لما شكا الصحابة مثل ذلك: «ذاك صريح الإيمان» (رواه مسلم)، أي أن كراهتك لهذه الخواطر دليل على صدق إيمانك.

• الشبهة: سؤال أو إشكال يُطرح بعقل بارد، يبحث عن جواب ويستقر إذا وُجد الدليل، الشبهة لا تأتي بإلحاح مرضي ولا تسبب نفورًا داخليًا، بل هي مسألة علمية تبحث عن البيان.

ثانيًا: موقف الشرع من الوسواس:
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾، وقال النبي ﷺ: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته» [متفق عليه]، فالواجب مع الوسواس: الاستعاذة بالله، وقطع الاسترسال، والانشغال بغيره.

ثالثًا: كيف تتعامل مع حالتك:
• إذا جاءك الخاطر مع نفور وحرج: فهذا وسواس، دعه ولا تلتفت إليه، وقل: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، وغيّر مجرى تفكيرك.

• إذا جاءك السؤال بعقل هادئ فهذه شبهة علمية، فاطلب جوابها من مصادر موثوقة في العقيدة والعلوم الشرعية، فطلب العلم يزيدك يقينًا، لكن لا تحمّل نفسك فوق طاقتها، فالعلم بالتدرج ومع شيخ أو مصدر موثوق هو الأمان لك، كما أن الانشغال بالعمل النافع طريق النجاة؛ فالوساوس تقوى مع الفراغ النفسي والفكري، فإذا ملأت وقتك بالقراءة المنتظمة، والعبادة، ومهام الدنيا، ضعفت الوساوس.

رابعًا: براهين الإسلام ويقين القلب:
اليقين يتقوى بثلاثة أمور:
1. العلم: دراسة العقيدة الصحيحة وأدلتها.
2. العمل: المداومة على الطاعة، فإن الإيمان قول وعمل.
3. التجربة الإيمانية: الدعاء، المناجاة، التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾.

لذا ننصحك بقراءة بعض الكتب أو الاستماع إلى شرحها:
• في العقيدة: العقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي العز الحنفي، وهو شرح متوسط وواضح يجمع أصول العقيدة ويعرضها بلغة سهلة.
• أو كتاب الأصول الثلاثة وأدلتها مع شرح الشيخ ابن عثيمين، كتاب قصير ومبسط يرسّخ أساس الدين.
• في الحديث: الأربعون النووية مع شرح ابن عثيمين، مختصر جامع يعين على الفهم والعمل.
• في الرد على الشبهات: شبهات حول الإسلام للشيخ محمد قطب، يتناول أشهر الشبهات ويرد عليها بلغة واضحة وميسرة.

وختامًا: أنت في خير عظيم، لأنك لا تجد وسوسة في العبادات تقريبًا، وهذا فضل من الله، وما تجده من خواطر مزعجة ليس دليل ضعف إيمانك، بل العكس: هو دليل وجود الإيمان الحي الذي يقاومها.

نسأل الله أن يبارك فيك، ويحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات