الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنتابني أفكار دينية قهرية تسبب لي القلق والاكتئاب، فكيف أوقفها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ أن كنت في السابعة أصابني وسواس بصور ومشاهد مخيفة (مثل جثث، أو أيادٍ مقطوعة)، وفي التاسعة ظهرت عندي وساوسُ نظافةٍ قهرية (غسل اليدين والأواني حتى تشقق الجلد)، وعولِجت بمساعدة الأسرة، في عمر الحادي عشر ظهر وسواسٌ ديني ثم انقضى، ثم في الثالث عشر بدأت أفكارٌ دينية قهرية أثّرت على دراستي وتسببت لي بالاكتئاب والتراجع الدراسي، واستمرت وتحوّلت الآن إلى وساوسٍ فكرية دينية شديدة -أفكار لا أستطيع ذكرها لخجلها وشدتها-، هناك من يقول إن الله يحاسب على الأفكار، حين لا يأتي الوسواس لي أتذكره فورًا وأقول في دماغي: "غريب لم أفكر في وسواس اليوم"، ثم يعود الوسواس بسرعة البرق!

هذا يؤدّي إلى قلق واكتئاب، وأحيانًا أؤذي وجهي ويدي قهرًا لأتوقف عن التفكير دون أن أدرك، لا أستطيع التمييز بين الفكرة العادية، والوسواس العادي، والوساوس القهرية، وأخشى المساءلة الدينية رغم أني أكره هذا الأفكار.

سؤالي: هل تعتبرون هذه حالة مرضية تستدعي علاجًا نفسيًا، أم تكفي الرُّقى والتوجيه الديني؟ وما نصائحكم العملية الآن لوقف هذه الأفكار؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

قطعًا هذه وساوس ولا شك في ذلك، وقد تطورت الوساوس لديكِ، فقد بدأت منذ سن السابعة، ثم ظهرت في سن التاسعة وسن الحادية عشرة، وكما تلاحظين فإن محتوى الوساوس يتغير في كل مرحلة عمرية، وهذا أمر معروف، فالوساوس هي منظومة واحدة، لكن محتواها قد يتغير، وأكثر الوساوس شيوعًا في مجتمعنا هي الوساوس الدينية، ثم الوساوس الجنسية، ثم الوساوس العُنفية.

أيتها الفاضلة الكريمة، من الناحية الشرعية: صاحب الوساوس من أصحاب الأعذار ولا شك في ذلك، ما دمت تكرهين هذه الوساوس وتنكرينها بقلبك، هكذا أفادنا علماؤنا ومشايخنا الكرام، فلا تشغلي نفسكِ أبدًا من حيث الناحية الشرعية، وهذه قطعًا وساوس ولا شك في ذلك.

وأنتِ دقيقة جدًّا حين ذكرتِ أنكِ لا تستطيعين التمييز بين الفكرة العادية والوسواس العادي والوسواس القهري، وهذه حقيقة، لكن ما دام الوسواس القهري هو الطاغي، فأنتِ من أصحاب الأعذار، ويجب أن يتم العلاج.

أنتِ محتاجة لعلاج دوائي في المقام الأول، نعم، الوساوس تترك أثرًا كيميائيًا في الدماغ، أو هي ناتجة من نوع من التغيير في كيمياء الدماغ، لذا: الأدوية مهمة جدًّا وفاعلة جدًّا، وبفضلٍ من الله ورحمته لدينا الآن مجموعة من الأدوية الممتازة والسليمة والفاعلة وغير الإدمانية، والتي لا تؤثر على الهرمونات، ولا تؤدي إلى زيادة في الوزن.

طبعًا الأفضل أن تذهبي إلى طبيب نفسي، وأنا متأكد أنه سوف يصف لكِ الدواء المناسب، لكن إن كان أمر الذهاب إلى الطبيب النفسي صعبًا بالنسبة لكِ، فأنا أرشح أن تتناولي العقار الذي يسمى "فلوكستين"، هو دواء مشهور جدًّا وفاعل وسليم جدًّا، واسمه التجاري المشهور هو "بروزاك"، لكن ربما تجدينه تحت مسمى تجاري آخر.

الجرعة هي أن تبدئي بـ (20 ملغم) يوميًا لمدة عشرة أيام، يتم تناول الحبة نهارًا، ثم بعد عشرة أيام اجعليها كبسولتين (أي 40 ملغم) يوميًا لمدة شهر، ثم اجعليها ثلاث كبسولات يوميًا (أي 60 ملغم)، وهذه هي الجرعة المناسبة لعلاج هذا النوع من الوساوس، علمًا بأن الجرعة الكلية القصوى هي (80 ملغم - أي أربع كبسولات في اليوم)، لكن لا أعتقد أنكِ في حاجة لهذه الجرعة.

بعد أن تصلي إلى جرعة ثلاث كبسولات، استمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى كبسولتين يوميًا لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة؛ لأن وساوسك من النوع المطبق نسبيًا، وقد بدأت معكِ منذ سن السابعة، فلا بد أن يتم اجتثاثها وبترها تمامًا من خلال العلاج الدوائي السليم وللمدة المطلوبة.

بعد انقضاء ستة أشهر، اجعلي الجرعة كبسولة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أمَّا بالنسبة لموضوع الرقية الشرعية، فهي لا شك مفيدة، والعلاجات السلوكية العلمية تقوم على ثلاثة مبادئ:

المبدأ الأول: التحقير والتجاهل للوسواس.
المبدأ الثاني: صرف الانتباه.
المبدأ الثالث: التنفير.

يمكنكِ أن تجلسي داخل الغرفة واعتبري هذه جلسة علاجية في مكان هادئ، تستغرق من 20 دقيقة إلى 30 دقيقة، واكتبي هذه الوساوس في ورقة، وابدئي بأضعفها، وقسّميها مثلًا إلى ثلاث أو أربع مجموعات، وبعد ذلك ابدئي بالمجموعة الأولى وطبّقي عليها التمارين الثلاثة.

التمرين الأول: التحقير والتجاهل: تخاطبين من خلاله الفكرة الوسواسية قائلة: "أنتِ فكرة حقيرة، أنتِ فكرة حقيرة، أنا لن أهتم بكِ أبدًا"، وتكررين هذا لمدة دقيقة إلى دقيقتين.

التمرين الثاني: صرف الانتباه: وفي هذا التمرين تستجلبين فكرة جميلة، فكرة عظيمة، فكرة محببة، تقوم بإزاحة الفكرة الوسواسية، أي شيء جميل في حياتك، أي أُمنية، ضعيها مكان التفكير الوسواسي، وقطعًا سوف تزيحها.

التمرين الثالث: التنفير: ومن خلاله تقومين بالربط بين الفكرة الوسواسية وتفاعل أو شيء لا تفضله النفس ولا تستسيغه، بل تنفر منه، مثلًا: قومي بالضرب على يدكِ بقوة وشدة على سطح الطاولة حتى تشعري بالألم، واربطي هذا الألم مباشرة مع الفكرة الوسواسية.

كرري هذا التمرين 20 مرة متتالية، أو يمكنكِ مثلًا أن تتصوري منظراً لحادث بشع أو طائرة تحترق أمام ناظريكِ، وفي نفس الوقت تستحضرين الفكرة الوسواسية دون تحليل لها، أو مثلًا: تشمين رائحة كريهة وتربطين هذا مع الفكرة الوسواسية.

إذًا: بعد أن تطبقي التمارين الثلاثة على المجموعة الأولى من الأفكار، انتقلي إلى المجموعة الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة.

هذه تمارين نعتبرها في الطب النفسي علاجات سلوكية مفيدة جدًّا، وبجانب هذه العلاجات هناك خطوات وإجراءات عامَّة لا بد من اتباعها، ومن أهمها:
• حسن إدارة الوقت.
• تجنب السهر.
• ممارسة تمارين الاسترخاء، ولممارسة هذه التمارين يمكنكِ أن تجدي عدة برامج على اليوتيوب، أرجو الاستفادة منها.

هذا هو الذي أود أن أنصحكِ به، وهذه وساوس ويجب أن تُعالج بصورة علمية سليمة.

ولمزيد من الفائدة راجعي هذه الروابط: (2175627 - 283543 - 2399646 - 2406674 - 2399775).

بارك الله فيكِ، وجزاكِ الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد، ونسأل الله لكِ العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً