الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسعى لتغيير وجهة نظر المجتمع الدراسي حول النقاب.. أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد رسالتي السابقة، أردت أن أشارككم فرحتي، فقد تم قبولي لدراسة التمريض بفضل الله تعالى.

واجهت في البداية بعض الصعوبات من إدارة المدرسة بسبب ارتدائي للنقاب، وطلبي بالسماح لي بأداء صلاة العصر في وقتها داخل المدرسة، وهذا يعود إلى النظرة السلبية في بلدي تجاه كل من يمارس دينه، حيث يُنظر إلى النقاب على أنه تشدد، وتُعتبر الصلاة أمرًا يُؤدى خارج المؤسسات العمومية، إذ يفصلون الدين عن مختلف مجالات الحياة، لكن -والحمد لله- تم السماح لي بذلك لاحقًا -بفضل الله-.

الآن، بعد ما حدث، أصبحت أرغب بشدة في التفوق في هذا المجال، لأُبيّن لهم أن النقاب ليس تشددًا، وأن المرأة المسلمة قادرة -بإذن الله- على التفوق في المجالات الدنيوية، وأن الاستقامة على الدين لا تتعارض مع ممارسة الأنشطة الدنيوية، بل تُعززها، أريد أن أغيّر نظرتهم للدين، ولمن يسعى للالتزام به، وأن يُقبلوا هؤلاء الأشخاص، ويكفّوا عن النظر إليهم باستصغار أو ازدراء، فهل نيّتي هنا طيبة أم يشوبها شيء من الرياء؟ وبماذا تنصحونني لأُغيّر فكرتهم؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهنئك من أعماق قلبي على قبولك في دراسة التمريض، وأسأل الله أن يبارك لك في هذا الطريق ويجعله وسيلة لخدمة الناس ونيل رضاه، إن ما مررتِ به من تحديات وصبرك عليها هو دليل على قوة إيمانك وعزيمتك، فالحمد لله الذي وفقك وأعانك.

دعينا نناقش بعض المفاهيم:
أولاً: إن نيتك، كما وصفتِها، هي نية طيبة ومباركة بإذن الله، فأنتِ تسعين لإظهار أن الالتزام بالدين لا يتعارض مع التفوق في المجالات الدنيوية، بل يعززها ويجعلها أكثر بركة، هذا السعي هو جزء من الدعوة إلى الله بالحال والعمل، وهو أمر محمود في الإسلام، قال الله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، (سورة فصلت: 33).

أما عن الرياء، فهو أن يقوم الإنسان بعمل صالح ليُظهره للناس طلبًا لمدحهم أو إعجابهم، وليس ابتغاء وجه الله، ولكن إذا كانت نيتك الأساسية هي إرضاء الله، وإظهار جمال الإسلام من خلال عملك، فلا حرج في أن يكون هناك أثر إيجابي على الناس، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، [الملك:2]، قال: "أخلصه وأصوبه". وقال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا"، وقال:" والخالص إذا كان لله عزّ وجلّ، والصواب إذا كان على السنة". أهـ، وقد دل على هذا قول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، [الكهف: 110]، فلا بد أن يسلم العمل من الرياء المنافي للإخلاص، ومن البدعة المضادة للسنة.

ثانيًا: بخصوص تغيير نظرة المجتمع للدين، وللمرأة المسلمة الملتزمة، يمكنك اتباع الخطوات التالية:

1. اجعلي نيتك دائمًا خالصة لله تعالى، وذكّري نفسك بأنك تعملين لإرضاء الله أولاً وأخيرًا، قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، (رواه البخاري ومسلم).

2. اجتهدي في دراستك، واعملي على التفوق في مجال التمريض، فالتفوق هو أفضل وسيلة لإثبات أن الالتزام بالدين لا يعيق النجاح، بل يدعمه، قال النبي ﷺ: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" (رواه الطبراني).

3. كوني قدوة حسنة في أخلاقك وتعاملاتك مع زملائك وأساتذتك، قال الله تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة فصلت: 34)، التعامل بالحسنى يترك أثرًا طيبًا في نفوس الآخرين.

4. إذا سنحت الفرصة، تحدثي مع زميلاتك وأساتذتك عن الإسلام بطريقة لطيفة وغير مباشرة، اشرحي لهم أن النقاب والصلاة هما جزء من هويتك الدينية، وأنهما لا يتعارضان مع العمل أو الدراسة.

5. شاركي في أنشطة تطوعية، أو مجتمعية تعكس روح الإسلام في خدمة الآخرين، هذا سيظهر لهم الجانب العملي والإنساني للإسلام.

6. قد تواجهين بعض الانتقادات أو التحديات، لكن تذكري أن الصبر هو مفتاح النجاح، قال الله تعالى: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ" (سورة النحل: 127).

7. من الناحية النفسية، فإن ما تقومين به هو نوع من "التغيير الإيجابي" الذي يبدأ من الذات، عندما تثبتين نجاحك، ستتغير نظرة الآخرين تدريجيًا، تذكري أن التغيير يحتاج إلى وقت وصبر، وأنك لست مسؤولة عن تغيير الجميع، بل عن تقديم أفضل ما لديك.

أسأل الله أن يوفقك في دراستك، وأن يجعل عملك خالصًا لوجهه الكريم، وأن يفتح لك أبواب الخير والبركة، ولا تنسي الدعاء دائمًا بأن يثبتك الله على الحق، ويعينك على تحقيق أهدافك، قال النبي ﷺ: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد" (رواه النسائي).

وفقك الله وسدد خطاك، وجعل منكِ قدوة حسنة للمرأة المسلمة الملتزمة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً