الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العادة السرية تسلب وقتي وقوتي..فكيف الخلاص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 18 سنة، أعاني من "العادة السيئة"، وأمارسها بشكل يومي منذ سنتين تقريبًا، في بداية الأمر، كنت أظن أنها شيء عادي، حتى مرت السنة الأولى، ثم علمت أنها شيء سيئ ومُضِرّ، أحاول أن أتخلص منها منذ ما يقارب 8 أشهر وإلى الآن، ولم أستطع، إنها تسلب وقتي وقوتي، وأنا الآن في سنة دراسية مصيرية، هذه العادة تؤثر عليَّ بشكل كبير في دراستي وتحصيلي العلمي، وقد بدأت تظهر عليَّ آثار ألم أسفل الظهر والبطن، مع احتقان وضعف في البدن، وأدخل في فترات اكتئاب وقلق.

أرجو منكم المساعدة، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نورالدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -يا بني-، وأسأل الله أن يتقبل توبتك، ويشرح صدرك، ويعينك على التخلص من هذه العادة السيئة، وأن ييسر لك النجاح والتوفيق في دراستك المصيرية.

أتفهم تمامًا ثقل هذا الحمل الذي تشعر به، والمعاناة النفسية والجسدية التي تخوضها، خصوصاً وأنت في هذه المرحلة العمرية الهامة والمصيرية من حياتك ودراستك. إن شعورك بالذنب وتأنيب الضمير، ورغبتك الصادقة في التغيير والتخلص من هذه العادة، هو بحد ذاته أول وأهم خطوة في طريق التعافي والتوبة، وهو دليل على يقظة قلبك وقوة إيمانك التي تدفعك نحو الخير.

كونك قررت طلب المساعدة؛ فهذا يدل على شجاعة كبيرة وإصرار على تجاوز هذه المحنة، فبارك الله في همتك.

يا بني، إن ما تفعله عادة سيئة يجب الابتعاد عنها؛ لما لها من أضرار روحية ونفسية وجسدية، ولأنها قد تفتح الباب لذنوب أخرى، لكن في المقابل، يجب أن تتيقن من أمرين عظيمين:

1. أن باب التوبة مفتوح لا يُغلق؛ فالله سبحانه وتعالى كريم رحيم، يفرح بتوبة عبده، فلا تجعل الشيطان ييئسك من رحمة الله، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

2. أن المجاهدة طريق الهداية؛ فصراعك الداخلي هذا هو جهاد في سبيل الله، وهو دليل على صدق إرادتك. قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، إذن: عليك أن تستمر في المحاولة، ولا تيأس من كثرة السقوط، فالعبرة في الثبات والقيام بعد السقوط.

للتغلب على هذه العادة وآثارها السلبية على دراستك وصحتك، عليك اتباع ما يلي:

• الاستغفار والتوبة كلما وقعت في الذنب، بادر بالاستغفار والندم بسرعة، وتجديد العهد مع الله، لا تؤجل التوبة، تذكر حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
• حافظ على صلاتك في أوقاتها بخشوع، وحاول الصلاة في المسجد إن أمكن؛ فإن الصلاة "تنهى عن الفحشاء والمنكر".
• اجعل لسانك رطباً بذكر الله (لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله)، وبـالحوقلة (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه) فإنها كنز من كنوز الجنة ومعينة على مواجهة الصعاب.
• اجعل لك ورداً يومياً ثابتاً؛ فإن القرآن شفاء لما في الصدور ونور وهداية.
•إذا استطعت، فاجعل الصوم سلاحك؛ فقد أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- الشباب قائلاً: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
• املأ وقتك بالدراسة والنشاطات المفيدة؛ فالإجهاد الجسدي والدراسي المفيد يقلل من الطاقة الموجهة نحو هذه العادة.
• لا تخلد للفراش إلا عند الشعور بالنعاس الشديد، تجنب البقاء وحيداً في غرفة مغلقة لفترات طويلة دون حاجة.
• حاول تغيير المكان الذي تمارس فيه هذه العادة عادةً، مثلاً: إذا كانت في غرفة معينة انتقل لغرفة أخرى أو للصالة.

• تعرف على الأسباب التي تدفعك للممارسة (الملل، القلق، رؤية شيء مثير)، وحاول تجنبها أو استبدالها بنشاط آخر فوري مثل (الوضوء، قراءة كتاب، أو الاتصال بصديق).
• ممارسة الرياضة بشكل يومي أو شبه يومي تساعد على تفريغ الطاقة السلبية، وتحسين المزاج، وتخفيف آلام الظهر والبطن التي تشكو منها، بالإضافة إلى تحسين الدورة الدموية.
• تجنب الإفراط في المنبهات كالقهوة والشاي والأطعمة الدسمة، وركز على الخضروات والفواكه، وتناول كمية كافية من الماء.
• تذكر أن نجاحك في دراستك هو عبادة وخطوة نحو تحقيق هدف شريف في الحياة.
• اجعل لنفسك أهدافاً دراسية يومية صغيرة ومحددة، وحققها، الشعور بالإنجاز يعزز ثقتك بنفسك ويقلل من الشعور باليأس والاكتئاب.
• اجعل حولك أصدقاء صالحين يعينونك على الخير ويثبطونك عن الشر، فالمؤمن مرآة أخيه.
• عندما تراودك فكرة سيئة، استبدلها بـ "أنا قادر على التوقف -بإذن الله-"، أو ذكر نفسك بحديث نبوي شريف، أو آية من القرآن.
• شارك في أنشطة اجتماعية أو تطوعية مفيدة؛ خدمة الآخرين تشعرك بقيمتك وأهميتك.

أما بخصوص الأعراض الجسدية (آلام الظهر والبطن، الاحتقان، الضعف) والآثار النفسية (الاكتئاب والقلق) التي ذكرتها، هي نتائج طبيعية لهذا السلوك، لكنها في الوقت نفسه قد تتطلب تدخلاً متخصصاً؛ لذا أنصحك بمراجعة طبيب المسالك البولية لاستبعاد أي مشكلة عضوية قد تكون ناتجة عن هذا السلوك أو متزامنة معه، لا سيما مسألة الاحتقان، وبما أنك تمر بفترات اكتئاب وقلق، وتجد صعوبة في التوقف رغم المحاولات المتكررة (8 أشهر)، فإن استشارة معالج نفسي أو مستشار أسري متخصص يمزج في علاجه بين المنهج العلمي والمنظور الإسلامي سيكون له أثر عظيم، لا تتردد في طلب المساعدة الاحترافية؛ فهي دليل قوة لا ضعف.

تذكر جيداً أننا هنا في استشارات إسلام ويب لسنا بديلاً عن التشخيص أو العلاج الطبي السريري، إنما مجرد مرشدين.

ثق دائماً أن الله معك، وأن الفرج قادم لا محالة، وأن التحديات الكبرى تسبق التحولات العظيمة، ثق برحمة الله، واستعن به.

أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يطهر قلبك، ويحصن فرجك، ويوفقك في دراستك، وأن يجعلك من عباده الصالحين المجاهدين الذين يوفون بالعهد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً