الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالة الهلع والخوف التي أعيشها، هل هي حالة ذهان؟

السؤال

عمري 23 عامًا، بدأت أعاني من الخوف منذ ثلاثة أشهر، وهو لا يفارقني، بدأ هذا الخوف بنوبة هلع أرعبتني، وظننت أنني سأموت أو سأُصاب بسكتة قلبية، بعدها ذهبت إلى الطبيب لفحص القلب، وكان كل شيء سليمًا، أخبرتني الطبيبة أن السبب نفسي؛ نتيجة الخوف والقلق والقولون العصبي.

في الأسبوع الأول، كنت أتعرض لنوبات هلع متكررة، حتى أثناء النوم، حيث كان جسمي ينتفض، ولم أكن أنام سوى ثلاث ساعات في اليوم، لاحقًا، تحسّن نومي وأصبح أفضل، كنت أظن أنني مصابة بجرثومة المعدة أو بسرطان القولون، وكل هذه المخاوف كانت بسبب تأثر شهيتي بشكل كبير، لكن بعد فترة، تحسّن أكلي وعدت إلى طبيعتي.

بعدها بدأت أخاف من الأمراض النفسية، وأفكر: هل أعاني من القلق؟ أو الاكتئاب؟ أو اختلال الأنّية؟ وبدأت أقرأ عن أعراضها وأقارنها بما أشعر به، كنت أقول لنفسي: إذا كنت مصابة بالاكتئاب، فسأُجن، وسأضطر لأخذ أدوية نفسية، وكنت أبكي كثيرًا، وأرفض أفكاري وفكرة المرض النفسي.

قررت أن أذهب مع والدتي إلى عملها لتغيير حالتي النفسية، وتحسّنت نسبيًا، خفّت مشاعر الاكتئاب واختلال الأنّية، ثم قابلت ابنة صديقة أمي، وهي ممرضة، وسألتها عن مستشفى الأمراض العقلية، ومنذ ذلك الحين، بدأ الخوف من الفصام والذهان يسيطر عليّ، وأصبح التفكير فيهما محور حياتي، كل تفصيل، كل صوت، وكل شيء أراه، أبدأ بتحليله: هل هذا طبيعي؟! هل هذا حقيقي؟!

كنت أسمع الأصوات البعيدة، وأتذكر أصوات صديقاتي أو أهلي في ذهني، وهذا كان يخيفني، رغم أنني متأكدة أنني كنت هكذا من قبل، لكن لم أكن أشعر بالخوف، أي فكرة في رأسي تأتيني بصوتي، أو أسمع نصيحة من أحد بصوته، أو أتذكر ردود فعل من صديقاتي وأهلي، فأسمعها في ذهني، وأخاف أن أصدق أنها أصوات خارجية فأصبح مثلهم!

كنت أعاني أثناء النوم، حيث أسمع صوت أفكاري بوضوح، وأخاف أن تكون هلوسات سمعية، فأصبحت أنام على صوت القرآن حتى لا أسمع أفكاري وأخاف منها، بعد فترة، خفّت هذه الأفكار، وبدأت أراها طبيعية.

ثم بدأت ألاحظ هلوسات بصرية: أدقق في كل شيء أنظر إليه، مثلًا، وأنا في السيارة، أرى كيسًا في الشارع من بعيد، فأقول: "هل هذه قطة؟" ثم أدرك أنه كيس، أو أرى عمود كهرباء من بعيد، وأظن أن هناك شخصًا، ثم أقترب ولا أجد أحدًا، وأنا مدركة أنه لا يوجد شيء؛ كل هذا بسبب الخوف.

أحيانًا أرى أشياء عشوائية في الظلام أو الضوء الخافت، مثلًا: وأنا أنظر إلى هاتفي، أرى صورة ما بجانبه لثانية ثم تختفي، أعلم أن هذا طبيعي، لكن عقلي يخيفني منها، ثم جاءتني فكرة أن مرضى الفصام يظنون أن هناك من يسيطر عليهم، وخفت منها كفكرة. أنا خائفة جدًا أن يكون هذا هو الذهان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sararoud حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الفاضلة: شكرًا جزيلًا على سؤالك واستشارتك التفصيلية والطويلة، والتي تتحدث عن أعراض في مجملها تصب في ما يُسمى باضطرابات القلق، والتي تشمل أيضًا اضطرابات الخوف، وتشمل أيضًا ما ذكرتِ من الأعراض الجسمانية التي كانت في البداية، مثل القولون العصبي، وكذلك اضطرابات النوم.

وكل هذه الأحاسيس المختلفة التي ذكرتِها؛ كلها تأتي في نهاية حديثك بموضوع الخوف: الخوف من هذا، والخوف من الظلام، والخوف من أشكال في الشوارع، وتظنين أن هذه هلاوس، الخوف من أن يكون هذا مرضًا نفسيًا، والخوف من أن يكون هذا مرضًا عضويًا، حتى الهلع نفسه كنوبات يأتي بسبب الخوف من الإصابة بالسكتة القلبية، أو الموت؛ كل هذه تأتي تحت أنواع اضطرابات القلق المختلفة.

أنتِ تتحدثين عن فترة ثلاثة أشهر، قبلها كانت حياتكِ -كما ذكرتِ- عادية، ورغم أن بعض المخاوف كانت تأتيكِ، لكنها لم تكن تُشعركِ بمثل هذه الأعراض والأفكار والهلوسات التي تأتي من وقت لآخر ثم تختفي.

من الواضح جدًّا أن الأفكار السلبية في حياتكِ جعلت هذه المخاوف تزيد إلى درجة أنها تُحدث أعراضًا نفسية وأعراضًا جسمانية، أصبحت بدرجة من الحدة تحتاج إلى شكل من أشكال التدخلات التي يمكن أن تساعد على التخلص منها تمامًا، والعودة إلى حياتكِ العادية من غير أي من هذه المخاوف، أو الاضطرابات، أو الأفكار السلبية.

ولكن البداية دائمًا قد تكون صعبة، وهي خوفكِ من الذهاب إلى الطبيب النفسي:
أولًا دعيني أقول لك وأطمئنك: أن اضطرابات القلق من الاضطرابات الشائعة جدًّا، وهي أنواع مختلفة، وتحدث عند نسبة عالية من الناس، وهي لا تختلف عن أي إصابة بأي مرض عضوي آخر، وحتى إذا احتاجت إلى أي أنواع من الأدوية، فهناك الكثير من الأدوية التي يستخدمها الناس لأمراض كثيرة مختلفة، قد تكون أصعب من أنواع الأدوية التي تُستخدم لعلاج أمراض الاضطرابات النفسية، خاصة اضطراب القلق.

ما ذكرتِ في رسالتكِ -رغم طولها وذكركِ لأشياء كثيرة-، من خوفكِ من الهلاوس السمعية والبصرية وخلافه، لا يبدو أنه هلاوس سمعية أو بصرية، بل هو خوف منها، ولكن ذلك يحتاج إلى تقييم طبي صحيح؛ لأنكِ لستِ طبيبة حتى تُقرِّري ما إذا كانت هذه هلاوس أو خلافه.

وبالتالي البداية المهمة هي عرض نفسكِ على طبيب؛ ليقوم أولًا بطمأنتكِ على حالتكِ الصحية، ومن ثم عمل التقييم النفسي الصحيح، حتى يتم التشخيص المناسب، وإعداد الخطة العلاجية التي يمكن أن تساعدكِ على التخلص من هذه الأفكار السلبية والاضطراب والخوف، الذي سيؤدي في النهاية -إذا استمر بهذا الشكل، وبدون أي تدخلات علاجية- إلى اضطراب قلق نفسي مزمن، يؤثر على حياتكِ بشكل كبير؛ ولذلك التدخل في هذه الفترة بسرعة مهم جدًّا؛ حتى يمكن التخلص منه والعودة بحياتكِ إلى طبيعتها.

هذه التدخلات ليست بالضرورة أن تكون كلها تدخلات علاجية بواسطة الأدوية، وهناك الكثير من التدخلات النفسية والسلوكية والاجتماعية التي يمكن أن تُساعد كثيرًا في التخلص من هذه الاضطرابات، بالذات اضطراب القلق.

ولكن التقييم الأولي مهم جدًّا، بأن يتم بواسطة طبيب أخصائي نفسي، ومن ثم مناقشة أي نوع من المخاوف فيما يختص بالخطة العلاجية مع الطبيب المعالج نفسه.

هنالك تدخلات نفسية مثل تدخل الـ (CBT)، أو (العلاج الفكري السلوكي)، وهو يقوم بمعالجة الأفكار السلبية، وتحويلها إلى أفكار إيجابية، وبالتالي ينعكس ذلك على الإحساس بالقلق والإحساس بالخوف، وينعكس أيضًا على الأعراض الجسمانية التي ذكرتِها، وخاصة نوبات الهلع.

لذا: نصيحتي لكِ أولًا بزيارة الطبيب، وعدم الخوف من هذه الزيارة الأولى، واختيارك للطبيب المناسب والمكان المناسب، واختياركِ لخطة علاجية، هو أساس العلاج في المستقبل.

عمومًا: أنتِ في بداية الأمر، وإذا كانت هناك صعوبة فهناك كثير من التمارين الرياضية والتمارين الفكرية التي يمكن أن تُساهم أيضًا في تخفيف حدة الخوف والقلق، والآن أقول لكِ: إن هناك الكثير من الروحانيات التي يمكن أن تُساهم أيضًا في تخفيف حدة القلق وبث الاطمئنان في النفس، فعليكِ بها حتى تُساعدكِ على الاستنارة في مستقبل أيامكِ.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكون في ذلك الشفاء لكِ، ووفّقكِ الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً