الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي منعني من العمل عبر الإنترنت رغم أنه مباح!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة قد أنهيتُ تعليمي الجامعي، ووالدي ينفق عليَّ بالمعروف، كنتُ قد بدأتُ العمل في تدريس اللغة العربية عبر الإنترنت، وهو عمل مباح لا يتضمن اختلاطًا، وقد وجدته يشغل وقتي ويحقق لي دخلًا خاصًا، لكن والدي منعني من الاستمرار في هذا العمل دون أن يذكر سببًا شرعيًّا لهذا المنع.

سؤالي هو: هل يجب عليَّ طاعته في هذا المنع رغم أن العمل مباح؟ وما حكم تصرفه في منعي من هذه الفرصة، أو في رفضه أن يكون لي مال خاص، علمًا بأن هذا القرار يصعب عليَّ نفسيًّا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لكِ تواصلك بالموقع، ونبارك لكِ إنهاءك تعليمك الجامعي، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن ينفعك بما تعلمتِ وينفع بكِ.

ونحن نؤكد أيضًا شكرنا لكِ -ابنتنا الكريمة- على حرصك أن يكون العمل الذي تعملين فيه مباحًا، بعيدًا عن أسباب الفتنة كالاختلاط بالرجال أو غير ذلك، ونحن على ثقة تامّة أن تورُّعك وتقواك لله -سبحانه وتعالى- لن يجلبا لكِ إلَّا الخير، فإن الله -جل شأنه- قد قال في كتابه الكريم: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].

فكوني على ثقة تامَّة أن ابتعادك عن الحرام وعن أسباب الفتنة سبب جالب لكل رزق، واحذري أن يُيئسك الشيطان من رحمة الله تعالى ومن فضله، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكفيك بحلاله عن حرامه، ويُغنيك بفضله عمّن سواه.

أمَّا موقف والدك من هذا العمل الذي تعملينه، ومنعه لكِ من الاستمرار فيه؛ فنحن ننصحك بأن تحاولي بهدوء وتودد أن تناقشي والدك في الأسباب التي دفعته إلى هذا القرار، وإذا كان لا يريد أن يتحاور معكِ مباشرة، فيمكن أن تستعيني بأي شخص له قَبول لدى والدك، إذا كان لكِ إخوة أو أعمام أو أخوال، أو نحو ذلك من الأقارب، الذين يمكنك أن تطلبي منهم أن يحاولوا اكتشاف سبب منع الوالد لكِ من ممارسة هذا العمل.

ونحن نظن -أيتها البنت الكريمة- أن السبب الباعث وراء هذا إنما هو خوفه عليكِ، وحذره من أن يكون هذا العمل سببًا لجرّك إلى أشياء محذورة ممَّا يخافه عليكِ، وهذا أمر مشاهد معلوم لدى الناس، أن التواصل عبر أدوات التواصل الحديثة كثيرًا ما تقع بسببه مخالفات شرعية، وكثيرًا ما يستغله الشيطان لاستدراج الإنسان إلى ما لا تُحمد عاقبته، فربما كان والدك اتخذ ذلك القرار خوفًا من هذا المحذور، فأراد أن يَسُدَّ الباب، وأن يقطع كل طريق قد تُؤدِّي إلى ما يضرك.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فإنه يجب عليكِ أن تطيعي أمره، ولكن يمكنك أن تُزيلي مخاوفه هذه بالتحاور بهدوء، والاتفاق على الأساليب التي يمكن أن يضمن بها سلامتك ويأمن بها عليكِ من الوقوع في أي محذور، وذلك كأن تكون ساعات الدرس وهذا النوع من التواصل في حضور آخرين، كأُمِّك أو أخواتك، أو بحضور والدك نفسه، أو نحو ذلك، وأن تُتيحي له ولأُمِّك مراقبة هذه الوسائل التي تتواصلين بها، وأن تحاولي إطلاعهم عليها، وتطمئنيهم بأن يعرفوا المحتوى وما يدور في هذه الدروس، ونحو ذلك من أساليب الطمأنة التي تُزيح عن كاهله أي تخوف؛ وبهذا تجمعين بين برّ الوالد وتحصيل هذه المنفعة.

أمَّا إذا لم يكن الأمر لهذا السبب، وكان مجرد منع لكِ من أن يكون لكِ مال خاص؛ فهذا ليس من الأشياء التي يجب عليكِ أن تطيعي فيها الأمر؛ لأنه لا مضرة عليه في ذلك، وليس شيئًا يشق عليه، ومِن ثَمَّ لا يجب عليكِ أن تطيعيه؛ ومع هذا نحن ننصحك بأن تحاولي تجنّب غضب والدك ما استطعتِ إلى ذلك سبيلًا، فإذا أردتِ أن تُدرِّسي على هذا الاحتمال، فينبغي أن يكون ذلك مع إخفاء ذلك عن والدك حتى لا يغضب.

نرجو بهذا أن يكون الأمر قد اتضح لديكِ، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك، وأن يصرف عنكِ كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً