الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعامل مع الأخ الذي لا يلتزم بطاعة الله تعالى

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فمشكلتي تختص بأحد إخواني، وأرجو العون والتوجيه.

لي أخ يبلغ من العمر 28 عاماً، وحالته الاجتماعية أعزب، وهو عاطل عن العمل، وقد تعلم حتى الصف السابع - الأول متوسط -، وخرج من التعليم، وأصبح يردد عبارات: بأنه سوف يعمل، ومرت السنون، وللأسف الشديد أن والدتي هداها الله تؤيده كثيراً، وتدافع عنه كونه أصغر أولادها، وحينما حدثناها عن وضعه من حيث عدم العمل والأكل والنوم فقط، صاحت بنا وزجرتنا وطردتنا من المنزل، فقررت متابعته لعلي أعرف عنه شيئاً جديداً، فبحثت وراءه واكتشفت نظامه كاملاً، وهو كالتالي: يستيقظ عند الساعة 12 أو الواحدة ظهراً، ثم يغتسل ويجلس ليدخن، ثم يأتون بالغداء فيتغدى معهم، ثم يقوم فيخرج من المنزل ويذهب إلى سوق القات، ويقوم بتخزين القات ويبقى على هذا الحال بلا صلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا خير حتى الساعة العاشرة ليلاً، حيث يذهب بسيارته بعيداً ويتناول القات ولا يتحرك أبداً، وإنما يجلس بورقته وقلمه ليحسب المشاريع والخيالات والأوهام، ثم يعود إلى المنزل ويتعشى، ثم يعود إلى التخزين حتى الساعة السادسة صباحاً، ثم ينام ليستيقظ ليعود إلى حالته.

ووجدته مصاحباً لكثير من رفاق السوء، وللأسف يرتكبون موبقات كثيرة، نسأل الله السلامة والعافية.

وأما حالته المادية؛ فهي حسب معرفتي ضعيفة صفرية لا قيمة لها، ولا أدري من أين يوفر المبلغ الذي يقوم بشراء القات به وتعبئة وقود السيارة، حيث يتطلب هذا المبلغ يومياً ما يعادل 20 ريالاً سعودياً، ومن المعلوم أننا هنا في اليمن يكون هذا المبلغ راتباً لموظف لدى الدولة مدرساً أو مهندساً، فكيف يحصل على المال بالرغم من عدم عمله، ومحدودية وقت فراغه؟! والكثير من الغموض يكتنفه.

والمشكلة أن والدتي لا زالت تسميه يتيماً، فتقول لنا: أحسنوا إلى هذا اليتيم! لماذا لا تعطونه المال؟ ولماذا لا تدعمونه؟ مع أننا نحن لا نستطيع إلا بالكاد توفير طعامنا وأولادنا، فكيف بأخينا الذي يبلغ من العمر 28 عاماً وهو عاطل عن العمل، وليس لمحدودية فرص العمل إلا 30% فقط من الموانع، وأما الموانع الأخرى فهي الكبرياء الفارغ الأجوف، والكسل الشديد والميل إلى الراحة، وقديماً قيل: إن النعيم لا يدرك بالنعيم.

لا أدري ماذا أفعل؟! احترت وزادني كمداً أن شقيقتي قامت ببيع أرض لها، ثم قامت بإعطائه المبلغ لشراء السيارة على أساس أن يعمل عليها ويكد، ووافقنا فرحاً بأن يتخلص من العطالة ويعمل ليتزوج ويبني مستقبله، إلا أننا صدمنا في النهاية بأنه حولها إلى سيارة وزير، تغدوا به وتذهب إلى حيث يشتري النبتة اللعينة، ثم يجلس في مكان يتعبدها لا يتحرك من مكانه إلا بعد مضي ثمان أو عشر ساعات.

مع العلم أننا جميعاً نقطن في بيت واحد 4 عائلات، وتأتي فواتير الماء والكهرباء مهلكة، ونحن ندفع ثمنها، ونظل في حيرة من نفاد الراتب، وهو لا يدفع شيئاً، والوالدة تدافع عنه أنه يتيم.

فإن طلبنا منه أن يدفع فهو لا يعمل، وإن لم نطلب فلن نصبر عليه أكثر مما يجب، وقد قررنا طرده، وأنا هنا أتحدث عن حالة مستعصية حرجة، وليست في بدايتها، فقد تعبنا لعشر سنوات.

فماذا نفعل؟! وما هو دور الأم في تدمير ابنها؟!

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذا الشقيق يحتاج للتوجه إلى الله أولاً، فإن الهداية بيده سبحانه، ثم الاتفاق على أسلوب موحد للمعالجة، فإن الجهود الفردية المتباينة والتصرفات غير المدروسة تعطيه مساحات كبيرة للتمرد، ومواصلة السير في طريق الغفلات.

وأرجو أن تقتربوا من الوالدة أكثر، وتزيدوا في البر بها، وتحاولوا إقناعها، ولفت نظرها لخطورة ما يحصل منه من الناحية الشرعية، وخطورة ذلك على مستقبله وسمعة الأسرة، ولا تجعلوه ينفرد بالوالدة ويكذب عليها، مع ضرورة شغله بالمفيد، وإظهار حاجة المنزل إليه، وإشعاره بأهميته والحب له، مع إظهار كراهيتكم لعمله وتجاوزاته الشرعية، وذلك لأن شعوره برفضكم له يدفعه لمزيد من الارتماء في أحضان الأشرار، ويدفعه لإظهار أهميته من خلال مخالفته للمقبول والمعقول.

والدعوة إلى الخير تحتاج إلى رفق وحكمة، ولذلك قال الله سبحانه على لسان نبيه لوط عليه السلام: (( قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ))[الشعراء:168].

ونلاحظ أنه أعلن كراهيته لعملهم القبيح وليس لأشخاصهم، وهكذا يكون الداعية الناجح، فهو مثل الطبيب الناجح الذي يحب مريضه، ويرفق به، ويتدرج في علاج أمراضه حسب خطورتها، ولو لم يكن في تخزينه للقات إلا تضيعه للصلاة لكان كافياً لتحريمه، فكيف إذا اجتمعت معه مجالسة أهل الفواحش، وتضييعه للأموال، والتبطل والتعطل عن العمل، وعدم المبالاة بظروف الأسرة، بالإضافة لتعطيله لجوهرة العقل التي تعتبر من أكبر نعم الله للإنسان.

وأرجو أن تكثروا له من الدعاء، وتجتهدوا في معرفة المداخل المناسبة لنفسه، ولا تشعروه بأنه فاشل أو تقللوا من قيمته؛ لأن ذلك يدفعه للارتماء في أحضان من يثني عليه، وحاولوا عزله عن رفاق السوء، واعرضوا عليه فكرة تشغيل السيارة للاستفادة من عائدها.

وهذه وصيتي للجميع بتقوى الله والصبر، وكثرة اللجوء إلى من بيده قلوب العباد.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً