الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الحديث أمام الناس والصلاة بهم

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كنت أعاني من الخجل الشديد منذ طفولتي، لدرجة أنني إذا مشيت أمام مجموعة من الناس شعرت وكأنهم يراقبونني، فتكاد رجلاي ترتجفا وأسقط، وعندما كبرت ودخلت المدرسة كان مدرس التربية الإسلامية يطلب مني أن أقرأ القرآن في طابور الصباح، فكنت أقرأ إلا أن صوتي يرتعش عند البسملة حتى أجاوزها.

وبعد أن توظفت صرت أقرأ في جميع الاحتفالات التي تقيمها الإدارة وعلى مستويات وظيفية عليا، نظراً لمعرفتي بأحكام التلاوة وصوتي الحسن، وكنت أشعر برهبة عادية، وكنت أصلي بالناس وأخطب الجمعة حتى بلغ عمري 45 عاماً، وعندها بدأت المشكلة الكبرى، وهي التعرق الشديد المخجل في الوجه والرأس فقط، وأخذ ذلك يصاحبني في إمامة الناس أو الاجتماعات أو مجالس العزاء ونحو ذلك.

وكنت أحس برعشة شديدة في صوتي، وكأني أرتعد مع ثبات بدني، فصرت أتأخر عن الصلاة حتى تقام لكي لا يُطلب مني الإمامة، وصرت أبتعد عن كل عمل يظهرني، فأصابني القلق من هذا الوضع فعرضت نفسي على مشفى للأمراض النفسية فأعطاني الطبيب حبوب (سيروكسات) وحبوباً أخرى نوعها وردي لا أعرف اسمها.

وكانت الجرعة هي حبة يومياً من السيروكسات والأخرى حبة يومياً، ثم عدل السيروكسات إلى سبرام بنفس المقدار، فتحسنت بنسبة 1%، واستمررت على العلاج لمدة سنة ونصف، مع تقليل العلاج إلى نصف حبة من السبرام، إلا أنني كنت أشعر بالنوم الشديد إذا دخلت مكاناً بارداً، وقد زاد وزني فتركت العلاج لتزداد حالتي سوءاً فتركت الإمامة.

وأمتلك الإصرار والقدرة على العطاء، وليس لدي خوف من أي شخص، لكنني لا أعرف السبب، مع أنني اجتماعي أمرح وأمزح مع أسرتي ورفقتي في العمل وفي أي مكان، ولدي حب المشاركة إلا أنني أتحاشا أن يطلب مني الحديث أمام الناس، فما الحل؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن التجارب السلبية منذ الطفولة تمثلت في أنك كنت تعاني من القلق وكنت تعاني من المخاوف، ويعرف أن خمسة وثلاثين إلى أربعين بالمائة من الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي كانوا في الأصل يعانون من نوع من الخوف أو من الرهبة في أثناء الدراسة والطفولة.

وقد وصلت العمر الذي ربما يكون حدث لك نوع من الاكتئاب الداخلي، وهو ما يسمى بـ(الاكتئاب المقنع)، والاكتئاب قد يضعف النفس البشرية، فأنت تمزح وتمرح مع إخوانك وأسرتك ولا تشعر بالاكتئاب، ولكن هذا الضعف النفسي في هذه المرحلة العمرية يعرف أنه من أكثر الحلقات التي تكون فيها القابلية لحدوث الاكتئاب النفسي، ونعرف أن هناك صلة ما بين الاكتئاب النفسي وما بين القلق النفسي، والقلق النفسي يولد ويؤدي إلى ظهور هذه المخاوف والرهاب الاجتماعي.

ومع وجود هذا الاكتئاب لديك المهارات ولديك القدرات، فإن كثيراً من الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي يفتقدون المهارات أصلاً، وفقدان المهارات يزيد من علتهم، ولكن أنت رجل قد حباك الله بعلوم القرآن وتلاوة القرآن والصلاة بالناس ولله الحمد، فعليك أن تتذكر دائماً وتعي هذا الأمر، فإن تذكر هذا الأمر في حد ذاته يعتبر حافزاً أساسياً وضرورياً بالنسبة لك.

وأرجو أن تصحح مفاهيمك؛ لأنني على ثقة تامة أن ما تشعر به من خوف وتلعثم وخوف من الآخرين أنهم يلاحظونك أو الخوف من أنك تفشل أمامهم أو تسقط أمام الناس فإنه شعور مبالغ فيه، وذلك حسب التجارب والدراسات العلمية التي أجريت على مرضى الرهاب الاجتماعي، فتصحيح المفاهيم سوف يساعدك وهذا في رأيي ضروري.

ويمكن أن تجري أو تحاول بعض العلاج السلوكي في الخيال، فتخيل وأنت جالس في المنزل في مكان هادئ أنك تصلي بالناس أو أنك تخطب الجمعة أو أنه قد طلب منك إلقاء محاضرة أو أنه لديك مناسبة كبيرة في المنزل ولابد أن تستقبل الضيوف وتحييهم وتسلم عليهم وتصافحهم وهكذا، فهذه التخيلات أو ما يسمى بالتعرض السلوكي في الخيال يعتبر علاجاً فاعلاً وقويّاً إذا طبقه الإنسان بجدية، ولابد أن تكون مرحلة التأمل لربع ساعة على الأقل.

أنت عليك أن تطبق وأول ما تبدأ به هو المسجد، وأن تكون على الأقل في الصف الأول، وليس من الضروري في هذه المرحلة أن تصلي بالناس، ولكن الأمر سوف يأتي إن شاء الله بالتدرج، وحين تقف وتصلي بالناس اجعل انتباهك في الصلاة، وانظر إلى موضع السجود وتخيل تخيلاً بسيطاً أنه لا يوجد أحد خلفك.

وتذكر دائماً أنه لديك الخصائص المعرفية ولديك العلم بالقرآن وهذا أمر عظيم يجب أن تستفيد منه، فلا أرى مشكلتك مستعصية، فأنت لجأت إلى أسلوب التجنب، والتجنب هو أخطر أمر سلوكي يدعم ويقوي من الرهاب الاجتماعي، فالمفروض والمطلوب هو المواجهة والاقتحام، وحين تواجه سوف تحس ببعض القلق ولكن استمرارك في المواجهة سوف يضعف هذا القلق.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، حيث توجد عدة أدوية جيدة ومتميزة، وأعتقد أن الدواء الذي سوف يكون جيداً في حالتك هو العقار الذي تجارياً باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراماً (حبة واحدة) ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً وتستمر عليها لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى مائة وخمسين مليجراماً (ثلاث حبات) في اليوم، تناول حبة واحدة في الصباح وحبتين ليلاً، واستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، وهذا هو الوقت المطلوب في مثل حالتك، وبعد ذلك ابدأ في تخفيض الدواء بمعدل حبة واحد كل ثلاثة أشهر، فهذا الدواء من الأدوية الممتازة والسليمة لعلاج الخوف والرهاب الاجتماعي خاصة من هذا النوع.

ويفضل أيضاً أن تتناول حبة واحدة من عقار يعرف تجارياً باسم (إندرال Iinderal) ويعرف علمياً باسم (بروبرانلول Propranlol)، وهو عقار بسيط جدّاً يساعد في التحكم في التعرق وفي ضربات القلب وفي الرعشة، فتناوله بجرعة عشرة مليجرامات صباحاً وعشرة مليجرامات مساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى عشرة مليجرامات يومياً لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

فالمطلوب هو أن تتبع هذه الإرشادات والحمد لله أنت على استبصار ووعي كامل لمشكلتك، وكذلك بكيفية التعاطي معها، ونصيحتي لك هو أن تتناول الدواء بالصورة المطلوبة، والأدوية التي تناولتها في السابق هي أدوية جيدة، ولكني أعتقد أن الزولفت سيكون هو الأفضل بالنسبة لحالتك.

ويمكنك الاستزادة بالاطلاع على العلاج السلوكي للرهاب في الاستشارات التالية: (259576-261344-263699-264538)، والعلاج السلوكي لقلة الثقة: (265851-259418-269678-254892).

نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع الشبكة الإسلامية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً