الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عائق الخجل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني أود طرح مشكلة جعلت من حياتي كابوساً حقيقيا.

أنا شاب متعلم وحاصل على دبلوم جامعي، تعبت كثيراً حتى حصلت على شغل في إحدى الإدارات الحكومية، سني 28 سنة، لكن المشكلة التي أواجهها أني إنسان طيب وخجول، وطبعي يميل نوعاً ما إلى الانعزال، كل الزملاء لا يعيروني اهتماما، من حيث أني أجد مشاكل في تلقي المعلومة، وأنتم تعرفون أن الخبرة والمعلومة في الإدارة مهمة جداً من حيث اكتساب المعارف ولكن أجد صعوبة في الحصول على هذا الشيء، حيث أنني وبالرغم من أني حاصل على منصب يؤهلني أن أكون من بين الأساسيين في الإدارة لكني مهمش، وكثيرة هي المشاكل التي تواجهني مع رؤساء المكاتب والمدير، بحكم أنني لا أعرف التحكم الجيد في أدوات العمل، حتى أن بعض الزملاء ممن يعملون معي وهم أقل مني مستوى بشكل كبير، غير أنهم يسيرون الأمور ولا يتركون لي إلا الأشياء البسيطة التي لا تمكنني من أخذ دور مهم في اللعبة، لأنهم يخافون على زوال منصبهم لو استطعت أن أفهم كل شيء، وبحكم طبعي الخجول أترك الأمور على ما هي عليه، ولكن إلى متى وأنا في هذا الحال؟

الصراحة أنني أحياناً أقرر الاستقالة لأنني سئمت من الاستفزازات المستمرة وألا شعور بالراحة في مكان عملي، لكنني في نفس الوقت لا أقدر على ممارسة الأعمال الحرة.

أرجو من إخواني جزاكم الله كل خير النصح لي وكذا الدعاء لي.

تحياتي القلبية لكل المشرفين وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ياسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإن تقدير الذات يتطلب أن يكون الإنسان واضحاً ومتجرداً مع نفسه، فمن الواضح أنك تقدر ذاتك بصورة سلبية جدّاً، وهذا هو الذي جعلك تقلل من قيمة إنجازاتك ومقدراتك.

هذه أفكار في رأيي مشوهة، هي أفكار آلية وأوتوماتيكية جدّاً تسلطت عليك واقتحمت كيانك وجعلتك تسير على هذا النمط من التفكير.

أنت الحمد لله تملك الدبلوم الجامعي، وأنت تحصلت على عمل، وهذا في رأيي في حد ذاته أمر مهم جدّاً، لأنك إذا لم تكن أهلاً لهذا الموقع لما تحصلت عليه، هذا منطق بسيط جدّاً.

والأمر الآخر: ربما يكون الخجل والرهبة الاجتماعية البسيطة التي تعاني منها هي التي أعاقت طريقة تفكيرك وجعلك دائماً تنظر إلى الأمور هذه النظرة التشاؤمية.

أخي الكريم: احكم على نفسك بأعمالك وليس بمشاعرك، وهذا مهم جدّاً، فحين تحضر إلى العمل لابد أن تعرف واجباتك وتحدد هذه الواجبات وتحدد الأسبقيات وبعد ذلك تركز عليها خطوة خطوة، وفي نفس الوقت تحاسب نفسك في نهاية اليوم العملي: ما الذي أنجزته؟ ما الذي قصّرتُ فيه؟ .. ولكن حكمك وتقييمك لنفسك لابد أن يكون حكماً مُنصفاً، هذا مهم جدّاً.

الأمر الآخر: أنا أنصحك حقيقة بالانضمام إلى بعض ورش العمل التدريبية، هذه الأشياء الآن متوفرة جدّاً، فهنالك ورش لتطوير العمل الإداري، هنالك ورش عمل لكيفية تطوير الذات، هذه كلها متوفرة، والمهم حتى إن حضرت هذه الورش هو أن تطبق، وأول خطوات التطبيق – أرجع وأكررها لك – هي تقييم الذات، فيجب أن تقيم ذاتك بصورة صحيحة ويجب أن تقبل ذاتك على ما هي عليه ثم بعد ذلك تسعى لتطويرها، وهذا هو المهم جدّاً.

أنا حريص جدّاً أن أنبهك لضرورة تطوير مهاراتك على النطاق الاجتماعي خارج نطاق العمل: كن متواصلاً، قم بزيارات، إذا كان هنالك أي فرصة للانضمام إلى عمل تطوعي أو خيري هذا سوف يكون مفيداً جدّاً لك، هذا كله سوف ينعكس على شخصيتك إيجابياً، مما يزيد من قناعاتك أن مهاراتك في العمل هي مهارات جيدة، وليس كما كنت تعتقد.

لا أنصحك مطلقاً أن تترك مكان عملك، ما الذي يجعلك تترك العمل؟ هذه وظيفة قد وهبها الله لك، وأنت أيضاً من الضروري جدّاً أن تنتظر نهاية التقييم السنوي، فكل عمل الآن يقوم على أدوات تقييمية ولك الحق أن تناقش رئيسيك في النقاط التي سجلتها ما هو لك وما هو عليك، ومن ثم تحاول أن تصحح مسارك إذا كان هنالك فعلاً أخطاء وإشكال من جانبك، نحن نقوم بتقييم الناس في العمل وكذلك يقوم الآخرون بتقييمنا، وهذه أحد الضوابط الجيدة جدّاً، فلا تحكم على نفسك هذه الأحكام القاسية في نظري.

يبقى بعد ذلك إذا كنت تحس فعلاً بأن مستوى الخجل والشعور بالكدر وعدم الارتياح يسيطر عليك للدرجة التي أدخلتك في حالة شبه قلقية واكتئابية، ففي هذه الحالة أنا أنصح لك بتناول أحد الأدوية التي تساعد على إزالة القلق والخجل والتوتر وإن شاء الله تكون سبباً في الراحة النفسية الداخلية مما يحسن من دافعيتك وتقييمك للأمور بصورة أكثر إيجابية.

الدواء الذي نفضله في مثل هذه الحالة هو عقار يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine)، أنت محتاج له في جرعة صغيرة، وهو دواء سليم جدّاً.

ابدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) يومياً لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى حبة كاملة ليلاً واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم إلى نصف حبة يوم بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

إن شاء الله حين يتحسن مزاجك، حين تقل هذه الشكوك حول مقدراتك الذاتية بفضل هذا الدواء بإذن الله تعالى، أعتقد أنك تستطيع أن تطبق ما ذكرته لك من إرشاد حول كيفية الحكم على الذات وتقدير الذات، ومن ثم العمل على تطوير الذات.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق والسداد.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً