الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوم بنصح والديّ وأخواتي ولكنهم لا يستجيبون، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

إذا صدرت المعصية من والديّ وأختيّ، فماذا أفعل إذا كانوا لا يستجيبون للنصيحة؟ أنا أعبس في وجوههم أثناء المعصية وبعدها لوقت قليل، ليعرفوا أني أنكر عليهم معصيتهم، فأنا الملتزم الوحيد، وأنا مكتئب طوال الوقت، ولا أستطيع الانبساط أمامهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ snd حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا نشكر لك غيرتك على دينك وغضبك لانتهاك محارم الله، وهذا دليل على إيمانك -إن شاء الله-، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- لك الهدى والسداد والتوفيق.

ولا شك -أيها الحبيب- أن خير ما تقدمه لوالديك هو النصح ومحاولة تجنيبهما الوقوع في سخط الله -تعالى-، فهذا من أعظم أنواع البر بالوالدين، فوصيتنا لك: أن لا تستكين ولا تيأس من إصلاح والديك، وكذلك إخوانك وأخواتك، ولكن الذي ينبغي أن تعلمه أن حق الوالدين عليك عظيم، وقد قرن الله -عز وجل- حقهما بحقه -سبحانه وتعالى- في أكثر من موضع من كتابه العزيز.

وقد قرر علماء الإسلام أن الولد ينبغي له أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر مع والديه لكن بلين ورفق كي لا يغضبهما، يذكرهما بوعيد الله -تعالى- وينهاهما عن المنكر ما لم يغضبا، فإذا غضبا يسكت عنهما ويدعهما وشأنهما، ولا يجوز له مع هذا إساءة معاملتهما أو التقصير في حقوقهما، فإن الله -عز وجل- أمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف مع كونهما كافرين يجاهدان الولد ليكفر بالله -تعالى- كما أخبر سبحانه وتعالى في سورة لقمان: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}، فأمر بمصاحبتهما بالمعروف -مع أنهما يجاهدان الولد ليكفر بالله تعالى-.

فمهما بلغت ذنوب الوالدين فإن هذا لا يبرر تقصير الولد في حقهما وترك برهما، فأحسن إليهما بالمعروف وبالغ في الإحسان إليهما، ولعل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل في هذا سبباً لهدايتهما وصلاحهما، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وقد قيل: وطالما استعبد الإنسان إحسان.

أما الأختان: فينبغي المبالغة في نصيحتهما، ولكن إذا رأيت بأن هجرهما أحياناً وترك السلام عليهما قد يكون سبباً في صلاحهما فهذا مشروع، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يتركوا السلام على ثلاثة من الصحابة لما تخلفوا في غزوة تبوك من غير عذر، وهجرهم المسلمون خمسين ليلة، فهذا يدل على جواز هجر الإنسان لأخيه المسلم إذا فعل معصية، ما دام أن هذا الهجر سيفيد ويزجر عن هذه المعصية.

وأما إذا كان هذا الهجر لا يفيد أو يزيد الأمر سوءاً فإنه غير مشروع بهذه الحالة، فالأصل هو صلة المسلم لأخيه المسلم وعدم هجره، فنحن نصيحتنا لك: بأن توازن بين الأمور في معاملتك لأختيك إذا كان الهجر وترك السلام قد يكون سبباً في ردهم عن المعصية، فإذا لم يكن كذلك فداوم على صلتك لهما ولا حرج عليك، ولا جناح في أن تبتسم في وجههما مع فعلهما للمعصية ما دام التخلق بالخلق الحسن معهما قد يكون سبباً لردهما عن ما هما فيه.

وقد كان السلف يفعلون هذا -رضوان الله تعالى عليهم-، يخالطون صاحب المعصية ويتوددون إليه، ويضحكون في وجهه بقصد استمالته وكسب قلبه ورضاه، وقد قال قائل منهم: إنا لنضحك في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم.

فالخلق الحسن مع صاحب المعصية، والابتسام في وجهه ونحو ذلك قد يكون مطلوباً في بعض الأحيان، وإن كان واقعاً في معصية إذا كان في هذا الخلق استمالة له، ورد له عن هذا الخلق.

ونظن ونأمل بأن حسن معاشرتك لأختيك ولوالديك سيكون سبباً -بإذن الله تعالى- لصلاحهم ورجوعهم عما هم فيه، إذا وجدوا فيك القدوة الحسنة والخلق الحسن، وأن هذا قد يكون سبباً لميلهم فيما أنت عليه، فإذا فعلت ما تقدر عليه -مما ذكر-، ولم تر ثمرة لذلك، فلا تيأس ولا تقنط، فإن القلوب بيد الله -سبحانه وتعالى- يقلبها كيف يشاء، فأكثر من الدعاء لهم، والأخذ بأسباب الهداية لهم، لعل الله -سبحانه وتعالى- أن يأجرك فيهم.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً