الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ارتداء الفتاة للحجاب مع رفض الوالدين

السؤال

أبي وأمي يرفضون حجابي، لكني ارتديته بعد أن حاولت إقناعهم دون جدوى، وهما يقولان: إن الله لن يكون راض عني لأنهم غير راضين عني.

أنا ارتديت حجابي وسعيدة، ومرتاحة بقراري، لكن غضبهم ينقص من فرحتي كثيراً!

ما رأيكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدر والديك للقبول بالحجاب، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقك لإقناع والديك بالتزام شرع الله تبارك وتعالى، كما نسأله تعالى أن يعطف قلبهما عليك، وأن يُخرج ما في صدريهما من الغضب عليك أو الوقوف ضدك، خاصة وأنك ما أردت إلا الخير، وما أردت إلا إحياء شرع الله تعالى، والتزام سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

بخصوص ما ورد برسالتك أقول لك أختي الكريمة: هذا الكلام لا أساس له من الصحة؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل رضا الناس مرهون برضاه هو، أما إذا لم يرض سبحانه فلا يمكن لأحد أن يكون لرضاه قيمة، فالذي فعلته أختي الكريمة هو عين الحق، والذي فعلته هو شرع الله تبارك وتعالى، وهذا أمرٌ لا رأي فيه لا للوالدين ولا لغيرهما؛ لأن الله تعالى قال: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ))[الأحزاب:36]، وقال جل وعلا: ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا))[النور:51] وقال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[النساء:65]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).

الذي فعلته أختي الكريمة هو المطلوب شرعاً، وموقف والديك ليس بشرعي ولا قيمة له في ميزان الشرع، بل إنهما يأثمان؛ لأنهما يصدان عن سبيل الله تعالى ويمنعانك من التزام شرع الله، ولذلك أنا أتمنى أن تبيني لهما خطورة ما يفعلان وما يقولان، ولا مانع من الاستعانة ببعض الصالحين الفاهمين ليشرح لهما ويوضح أهمية الحجاب إذا كان لديكم قريب يتمتع بشيء من الفهم الشرعي الأصيل ويخشى الله ويتقه؛ لأن مسألة أن يرفض الناس شرع الله تعالى رغم أنهم من المسلمين مسألة خطيرة، ولذلك أنا أيضاً أطلب منك الدعاء لهما أن يشرح الله صدرهما لقبول هذه السنة المباركة.

كما إني أوصيك أيضاً بالإحسان إليهما، وإكرامهما أكثر من ذي قبل؛ حتى لا يشعران بأنك قد تغيرت عليهما، أو أنك بسبب الحجاب قد أصبحت تعاملينهما بشدة وقسوة وجفاء؛ لأنه مع الأسف الشديد أن بعض الناس عندما يمنَّ الله عليه بالالتزام يُصبح لديه شيء من العنف أو القسوة أو الغضب أو العبوس الدائم، كما لو كان يظن أن هذا هو الدين، رغم أن هذا خطأ فادح، فالأصل أن دين الإسلام دين الرحمة ودين التواصل، ودين المحبة، ودين التقدير، ودين الاحترام، ودين العطف، خاصة مع الوالدين، فالله تبارك وتعالى أمرنا بالإحسان إلى الوالدين حتى وإن كانا على غير الإسلام، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15].

نعم إن مقام الوالدين عظيم جدّاً في شرع الله، فقد قرن الله برهما والإحسان إليهما بتوحيده، كما قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))[الإسراء:23] وقال جل وعلا أيضاً: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))[النساء:36] ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلا يجوز لك أبداً أن تطيعي والدك أو والدتك أو كبيراً أو صغيراً في معصية الله تعالى، فالحجاب فرض عين على كل مسلمة، وهو ليس سنة من السنن حتى نقول من الممكن أن نجبرها بسنةٍ أخرى، وإنما أي امرأة مسلمة ليست محجبة فهي عاصية، وهي قطعاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما) وذكر منهما: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات).

الذي فعلته -أختي الكريمة- إنما هو الصواب وهو الحق، ويجب على والديك أن يعلماً ذلك، فإن كانا على قدر من الجهل أو قلة العلم الشرعي فأنا أتمنى أن تبيني لهما ذلك إن أُتيحت الفرصة، ولا مانع أن يقرءا كلامي هذا، أو أن يقرءا كلام غيري من طلبة العلم أو العلماء أو المشايخ في أي موقع من المواقع الإسلامية، اكتبي أمامهم فقط (حكم الحجاب الشرعي) في جوجل، وقولي لهم (هذه أحكام الشرع، وهذا بيان الله تبارك وتعالى فكيف بنا نرفض شرع الله تعالى؟).

أوصيك مع الالتزام بالحجاب كما ذكرت بالصبر الجميل، وأن تتواضعي لهما، وأن تخفضي لهما جناح الذل من الرحمة، وأن تصبري عليهما غاية الصبر، وأن تكثري من الدعاء لهما أمامهما ومن ورائهما، وأن تُحسني إليهما غاية الإحسان، فلعل الأمر ملتبس عليهم وهم لا يعرفون خطورة ما يفعلان، ولعلك بإحسانك إليهما وإكرامك لهما تغيري هذه النظرة، وتجعلينهما من أهل الجنة الذين يقبلون شرع الله ولا يرفضونه.

أسأل الله تعالى أن يعينك على ذلك، وأن يشرح صدر والديك لقبول الحق، وأن يعلماً بأن رضا الله من رضا الوالدين وسخط الله من سخطهما، هذا حق، ولكن هذا مشروط بأن لا يكون ذلك في معصية الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

أخبريهما بأن رضاهما متعلق برضا الله، وأن الحجاب هو أمر الله تعالى، ولا ينبغي عليهما أن يقفا هذا الموقف الذي يعرضهما لخطرٍ عظيم يوم العرض على الله تبارك وتعالى.

أسأل الله أن يشرح صدريهما لقبول الحق، وأن يعينك على إكرامهما وبرهما والإحسان إليهما والدعاء لهما، وأن يؤلف بين قلوبكم، وأن يُخرج عنكم كيد شياطين الإنس والجن، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

=======
للفائدة : يمكنك مراجعة هذه الروابط فيما يخص موضوعك:
251712 - 242674 - 17858 - 250795

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً