الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أعزز ثقتي بنفسي وهل يتعارض ذلك مع ديننا الحنيف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود أن أعرف عن الثقة في النفس (معناها - خطواتها- كيف أحسها - وسائلها)؟

وهل الثقة في النفس تتعارض مع الثقة في الله؟

وكيف أثق في نفسي، ونفسي أماره بالسوء؟

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته/ وبعد،،،

نشكر لكم هذا السؤال الرائع الذي يدل على نفسية رائعة متطلعة إلى الإيجابية والثقة بالنفس.

أخي الكريم: الثقة بالنفس مطلب شرعي سلوكي نفسي، والتكاليف الشرعية تؤيد هذا المنحى، فالذي لا يثق بنفسه لن يستطيع تحمل أي مسئولية قانونية أو أخلاقية، وقد ورد ما يشير إلى تحمل هذه المسئولية في قول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته)، وقوله: ( لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع...الحديث)، فتحمل مسئولية النفس ومسئولية الأسرة والوظيفة والدولة؛ كلها مهام لا يمكن أن يقوم بها على وجهها الأكمل رجل فاقد الثقة في نفسه!

بل كل التكاليف الشرعية مبنية على هذا الأساس، أساس الثقة بالنفس، لذلك نجد أن الشخص المصاب بالوسوسة لا يؤدي الصلاة بسهولة، وكذا بقية العبادات؛ بسبب نقص الثقة في نفسه وفيما يفعل.

إذن مطلب الثقة بالنفس مطلب شرعي مهم، وهو مبثوث في ثنايا شريعتنا العظيمة، وموجود في كل أمر وتكليف فيها، ولكن -حديثا- بعد تشعب العلوم، وسهولة تصنيفها وفهرستها وفرزها، تبين هذا المطلب أكثر في الناحية النظرية والعلمية، أما الناحية التطبيقية فالمسلم هو أكثر شخص يثق بنفسه في العالم، لذلك تجده إذا دخل معركة القتال مع عدوه لا يهاب ولا يفر!

أما مطلب تحصيل الثقة بالنفس فيمكنك تحصيلها إجمالا في رضى الله عز وجل وطاعته، فالراضي يعيش في ثقة من نفسه، مطمئنا بما قسم الله، لا يتزعزع ولا يتسخط، ولا يحتاج لزيارة العيادات النفسية، لأن هرمون الثقة كفيل بإعطائه مصل وقاية بقية عمره.

لكن يمكن وضع خطوات إجرائية تساعدك على الوصول إلى هذه الثقة أو نيل قسط كبير منها، ومن هذه الخطوات على سبيل المثال:

1- الاستعانة بالله، وتفويض الأمر إليه، بعد اتخاذ السبب المشروع، وفي الحديث: (استعن بالله ولا تعجز).

2- صلاة الاستخارة من العوامل الحاسمة في إحباط أي تردد، لذلك احرص عليها في الأمور التي تهمك.

3- انظر إلى نفسك بإيجابية، وأن عندك الكثير من النعم التي وهبك الله إياها، والمهارات التي تجيدها، لا تقارن نفسك أبدا بشخص في مخيلتك، وتجعله مقياسا لنجاحك، فقد يكون ذلك الشخص بارعا في مجال، وأنت بارع في مجال آخر، فليس ذلك الشخص مقياسا لك.

4- اسع في تنمية مهاراتك التي تحبها، فهذا أدعى لأن تبرز فيها، ولا تشتت نفسك كثيرا، وحاول التركيز على ما تحسن فقط.

5- لا تسمع لكلام الناس فيك قدحا أو ذما، واجعل كلام الناس مقياسا للفشل والنجاح فقط، ولا تجعله عامل تأثير في اتخاذ قراراتك.

6- نظم وقتك، ورتب أولوياتك، واعلم أن من يفشل في التخطيط ، فهو يخطط للفشل.

7- لا بأس بتلقي دورات في التنمية البشرية، ومبادئ العلوم النفسية التي تبصرك بكثير من هذه الخطوات، وتدربك على اتخاذ القرارات، وعلى التواصل مع الآخرين بدون خوف أو وجل.

أما سؤالك: هل تتعارض الثقة بالنفس مع الثقة بالله؟
الجواب: لا تعارض، بل هما متكاملتان، فثقتك بنفسك إنما تستمدها من ثقتك بالله، لذلك قالوا: من كان لله أعرف، كان له أخوف، وحاصلها أن من خاف الله، لم يخف غيره، وهذه هي الثقة بعينها.

أما قولك: كيف أثق بنفسي ونفسي أمارة بالسوء؟

فهذا هو التحدي الحقيقي، وهو أن تجد من يستفزك ويعاندك ويغالبك، ولولا العدو ما عرفنا الصديق، ولولا الإقدام ما عرفنا الشجاعة، ولولا البخل ما عرفنا الكرم، فبضدها تتبين الأشياء كما يقال، وهكذا نفسك التي بين جنبيك التي تغالبك، فعليك بمغالبتها وثق أنك منصور، طالما قمت بأسباب الطاعة التي أمرك الله تعالى بها، وهذا وعد الله تعالى لعباده: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين)
فهل نثق بوعد الله!

وهكذا نرى أن الدائرة تعود إلى النقطة الأولى: من كان لله أعرف كان منه أوثق!

بارك الله فيك ويسر الله أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • فلسطين دنيا الصالحي

    شكرا كثير كثير اعجبني واستفدت كثيرا يسلموا على كتبوا

  • مصر عاشقة الاقصى مصر

    بارك الله فيكم بكم نتقدم ونرتقى ونراكم دائماالافضل

  • رومانيا hassan hamza

    السلام عليكم و رحمة الله
    شكرا جزيلا على مجهودكم
    ....ما هى النفس و انواعها قبل الثقة فيها
    تتعدد النفس بعدد الانفس التى خلقت ...فهل ثقتى فى نفسى بمعزل عن نفوس الاخرين و ليست متعارضه.
    كيف اثق فى نفسى و انا لا اعرفها.
    اين الثقة بالله.
    ماذا عن الدعاء : اللهم لا تكلنى الى نفسى طرفة عين.
    التكليف و التزكيه و النفس ليسوا شيئا واحدا
    شكرا

  • الجزائر عائشة

    جزاكم الله خيرا

    لا نقول الثقة في النفس بل تقدير النفس و هذا هو الأنسب و الأصلح ،، فلو استبدلت كل الثقة بالنفس ب تقدير النفس في المقال لكان أوضح و أدق

    نقول الثقة بالله وحده فقط ،، أما النفس فنقدرها بماخلقها الله عليه من النعم و الارادة و الاختيار التي جعلهما فيها و العقل الذي تميز به بين الأشياء،، و لكن لا نثق فيها البتة لكونها نزاعة للشر و هي كالشريك الخوان..فما تريده نرده الى الكتاب و السنة فما وافقهما مضينا فيه متوكلين على ربنا واثقين فيه لتوفيقنا في جلب ماينفعنا و دفع ما يضرنا مستخدمين ما خلق و أعطانا من نعم في أنفسنا من فهم و تفكير و ارادة و قوة و لانعجز في ذلك و هذا هو تقدير النفس،، فربنا خلقنا في أحسن تقويم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً