الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حينما أسمع المواعظ والأمر بالتوبة أحس بحالة نفسية، ما تفسير ذلك؟

السؤال

كلما أذهب عند أناس -نحسبهم والله حسيبهم- فيهم الخير، مثل التحفيظ أو الندوات أو محاضرات، نسمع هذه الكلمة، توبوا إلى الله، وتوبوا إلى الله، نظرت إلى نفسي فلم أجد تلك الذنوب التي تحتاج أن أكفرها، بما أن الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة للذنوب الصغيرة، أنا لا أفعل الذنوب الكبيرة، -ولله الحمد- يعني لا أزني ولا أغش ولا أفعل الكبائر، وحينها أحس بحالة نفسية، فما العلاج؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ معتصم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنشكرك على حضور الندوات وسماع المحاضرات، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نفس ذات همة عالية، تحب الخير وتحرص عليه.

أما تساؤلك: لماذا نتوب ونحن لا نزني ولا نعمل الحرام؟ فهو تساؤل في محله، وجواب هذا التساؤل مبني على معرفة كنه التوبة وطبيعتها، فالتوبة ليست حصرا من الذنوب والمخالفات فقط، بل هي كذلك من التقصير في الطاعات، والتقصير في أداء الأوامر والتكاليف، لذلك ذكر ابن القيم -رحمه الله- بأن ذنب إبليس أعظم من ذنب آدم عليه السلام، فإبليس لما أمره الله تعالى بالسجود وامتنع طرد من رحمة الله، ولم يوفق إلى التوبة، بينما كانت معصية آدم بالوقوع في النهي بالأكل من الشجرة، وكانت عن تغرير من إبليس نفسه حيث أقسم لآدم وحواء أنه ناصح لهما فصدقاه، لذلك تاب الله على آدم وحواء، وهذا يدل على أن ترك الأمر أعظم عند الله من فعل النهي.

إذا تقرر هذا فاعلم أن الذي يشرب الخمر ويصلي أهون جرما عند الله من الذي يترك الصلاة ولا يشرب الخمر، فالتوبة من ترك الأمر أعظم استحقاقا ووجوبا من التوبة من فعل المنهي عنه!

وإذا تأملنا في حياتنا، وأنها ينبغي أن تكون لله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) حيث ينبغي أن تكون مشحونة بذكر الله تعالى ومشغولة به، أو ما يقود إليه ولو بالنية، حيث يمكن جعل العادات -كالنوم والطعام- عبادات بمجرد النية، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، إذا تقرر ذلك عرفنا حجم تقصيرنا في عبادة ربنا، وحجم تقصيرنا في أداء هذا الأمر.

فإذا كنا مقصرين ولا بد، وهذه طبيعة الإنسان، فإن الله تعالى قد جعل للعبد فرجا ومخرجا بالتوبة، فجعل له الاستغفار (وهو طلب المغفرة)، وجعلها واجبة على الدوام، بمعنى أن يستغفر المسلم عن كل لحظة يغفل فيها عن ذكر الله تعالى وعن طاعته.

لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي رواية مائة مرة، وقد بين أن هذا الاستغفار بسبب حصول لحظات قد يغفل قلبه عن ذكر الله تعالى كما قال:(إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة).


لذلك قال الفقهاء إن سبب استغفار المسلم بعد خروجه من الخلاء وقوله : (غفرانك) هو غفلته وامتناعه عن ذكر الله في موضع الخلاء، فاستغفر عن هذا الانقطاع.

كذلك وردت التوبة والاستغفار بعد كل عمل صالح كالصلاة والحج ونحوهما، فيشرع الاستغفار عقب الصلوات المكتوبة طلبا للعفو عن التقصير الذي يقع فيها، وكذلك في الحج (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله).

وبهذا تعلم أن العبادات أيضا تحتاج إلى استغفار، فما بالك بوقت الفراغ، ومبحث التوبة مبحث عظيم، ينبغي أن يتفقه فيه المسلم ليتمكن من أدائها على الوجه المطلوب.

وفقنا الله وإياكم، ورزقنا التوبة النصوح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً