الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف من الأصوات - المفرقعات والسيارات -، فكيف أتخلص من هذا الخوف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 22 عاما، أعاني منذ أيام مراهقتي مشكلة نفسانية، ألا وهي الخوف من الأصوات، وليست كل الأصوات!

فالأصوات التي أخاف منها هي التي كان لي حادثة معها، فمثلا المفرقعات التي يلعب بها الأولاد الصغار في رمضان، فقبل عدة سنوات كنت أصلي التراويح في المسجد، وفجأة ألقى أحدهم واحدة ذات صوت عالٍ فـ " قفزت " وبدأ علي ذلك، وخجلت كثيرا أمام المصلين الذين رأوا ذلك.

فمن يومها وأنا أخاف من أصوات هذه المفرقعات، وعندما أقف في الصف أكون خائفا من أن يلقي أحدهم أحدها، وتكون نبضات قلبي عالية لشدة تفكيري بالأمر، ولا أفكر في صلاتي، ولا أشعر بقلبي لشدة الخوف.

ومن الأصوات أيضا صوت " قتالة البعوض " بالصعقة الكهربائية، وأيضا نفس القصة تقريبا في المسجد.

وأيضا أصوات (زامور ) السيارات، ففي أثناء سيري مرة أطلق أحدهم (زامور )سيارته " فقفزت " منه، ومنذ حينها ينتابني شعور الخوف عندما أكون ماشيا في الشارع، أما عند سياقتي للسيارة فلا شيء البتة.

والخوف من هذه الأصوات ليس للأصوات نفسها؛ لأنها مخيفة أو عالية، فأنا أعمل في مجال البناء، وأسمع أصواتا أعلى منها بكثير، ولا أشعر بذلك الخوف، ولكني دائما أخاف أن يلاحظ الناس ذلك علي عند سماع أحد هذه الأصوات، وبالأخص في المسجد.

ونتيجة لهذا فقد تفاقم لدي الوضع كثيرا، ووجد الشيطان ضالته، وبدأ بوساوسه -لعنه الله -، مستغلا حالتي المرضية، وذلك بوسوسته إياي أثناء صلاتي من كل صوت، حتى وصل بي الأمر إلى القلق من العطاس والسعال! ونتيجة لهذا لم أعد أذهب إلى المسجد بتاتا - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.

أنا نفسي لا أجد مبررا لكل هذا الخوف، رغم أني أتصف بالشدة، ولكن الصوت أشعر وكأنه يضرب قلبي مباشرة, أرجو أن أكون قد قدمت شرحا جيدا لحالتي.
وجزاكم الله خيرا.

وأرجو أن تصف لي دواء أتناوله ولا يحتاج إلى وصفة طبيب؛ لأني ما توجهت إليكم إلا لئلا أذهب إلى طبيب نفسي؛ لأني أعيش في مجتمع لا يضمن ما بين لحييه، وألا يكون له أعراض جانبية إذا أمكن طبعا، ويكون متوفرا في كل مكان.

وآسف على الإطالة، وأرجو أن تكون سببا من الأسباب التي يسرها خالق الأسباب في شفائي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد 777 حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقبل أن نصف لك الدواء المطلوب – وهو الحمد لله تعالى متوفر، هنالك أدوي فعالة جدًّا – أود فقط أن أعطيك فكرة بسيطة عن نوعية المخاوف التي تعاني منها.

هذه المخاوف تسمى بالمخاوف البسيطة، وهي مكتسبة، وخوفك من أصوات بعض الأشياء دون غيرها، هذا مرتبط بما نسميه بالارتباط الشرطي، والارتباط الشرطي هي تجربة خاصة جدًّا يعرفها صاحبها، بمعنى أنه قد يكون نما إلى عقلك الباطني تجربة سلبية في الماضي، مثلاً الخوف من صوت المفرقعات كانت تجربة سلبية بالنسبة لك، تجربة مكتسبة، وعلى ضوء اكتسابها ظلت مخزنة لديك، وبعد ذلك تحينت الفرصة لتظهر في شكل مخاوف، وهكذا بالنسبة لقتّالة البعوض وصوت السيارات ... وهكذا.

فإذن المخاوف لها رمزية، لها تخصصية، وأبسط مثال دائمًا نحاول أن يطلع عليه الأخوة ويتأملوا فيه هو أن الإنسان يمكن أن يكون مروّضًا للأسود لكنه يخاف من القط! وهذه حقيقة شاهدناها وعرفناها.

إذن المخاوف ليست جُبنًا، وليست ضعفًا في شخصية الإنسان، إنما هي سلوك مكتسب من خلال آليات نفسية معينة، والتجارب والخبرات السابقة خاصة في مرحلة الطفولة تلعب دورًا كبيرًا في ذلك.

وعليه نقول دائمًا أن التعلم المعاكس أو المخالف هو الأفضل، وذلك من خلال تحقير هذه المخاوف، أن نتفهم طبيعتها، وأن يقوم الإنسان بفعل ما هو ضدها، وأن يواجهِهَا دائمًا، مثلاً الخوف من المفرقعات: أفضل طريقة للتعرض هو أن تقرأ عنها، أن تطلع عليها، أن تشاهد صورها، أي منظر تلفزيوني أو في فيلم أو مقطع لأي صور متحركة يخص هذه المفرقعات، هذا يجعلك تكون قريبًا لها، وهذا نوع من التعرض، والتعرض يُضعف الخوف من الشيء؛ لأن الإنسان يتقرب إليه أكثر ويتفهمه أكثر، وينشأ لديه التحقير بصورة معرفية ممتازة جدًّا.

تمارين الاسترخاء أيضًا مهمة ومفيدة لتقليل قلق المخاوف وهي 2136015.

القلق والخوف تنشأ منه الوسوسة، وهذا الذي حدث لك، لكن كل هذا يواجه من خلال التحقير.

وكثير من الأخوة الذين يعانون من المخاوف تجدهم يضخمونها جدًّا، مثلاً موضوع العطاس والسعال الذي منعك من المسجد: أعتقد أن هذا العطاس والسعال ليس بهذه الدرجة التي تجعلك لا تذهب إلى المسجد، فحقّر هذه الأفكار، وإن شاء الله تعالى سوف تجد أن الأمور قد تيسرت جدًّا.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي: فأنا أبشرك تمامًا أن الدواء الذي يعرف علميًا باسم (سيرترالين) ويسمى تجاريًا باسم (لسترال) أو (زولفت) وله مسميات تجارية أخرى في بعض الدول، هذا الدواء فعال جدًّا في علاج هذا النوع من المخاوف البسيطة والمبسطة، وحتى تتحصل على الفائدة الكاملة للدواء أرجو أن تتناوله بجرع متكاملة وصحيحة.

تبدأ في تناول السيرترالين بجرعة نصف حبة – والحبة تحتوي على خمسين مليجرامًا – تناولها ليلاً، وبعد أسبوعين اجعلها حبة كاملة (خمسين مليجرامًا) استمر عليها لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين ليلاً – أي مائة مليجرام – واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة ليلاً يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هو من أفضل الأدوية التي أثبتت الأبحاث والخبرات العملية أنها ممتازة جدًّا وفعالة جدًّا في علاج هذا النوع من المخاوف وما يصاحبه من وساوس وقلق.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الإمارات ابو عمر

    هذه الحالة مشابهة لحالتي تماما

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً