الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أعد أستمتع بشيء فأنقذوني من هذا الضياع

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالب طب من الأردن, أدرس في الجزائر، لا أعرف من أين أبدأ!
بدأت مشكلتي قبل 3 سنوات، عندما أتيت للجزائر, وكنت أحمل طموحات كثيرة لأحققها في دراستي ومستقبلي، وكان عامي الأول رائعًا، وفي عامي الثاني قررت أن أزيد مجهودي وأبتعد عن الناس, وأتفرغ كليًا لدراستي من حبي لها، وقد أجهدت نفسي بشكل كبير، وضخمت الأمور السلبية في نفسي، وخاصة أنني لم أجد في محيطي من أشعر أنه سيساعدني لأتقدم للأمام.

وفي آخر العام كنت قد أنهكت نفسيًا بشكل كبير، وفقدت إحساسي بقلبي تمامًا وبنفسي، حيث إنني أهملت نفسي بشكل كبير، ونسيت الاهتمام بها، وعندما عدت لبلدي أحسست بشعور غريب - كأني في عالم آخر - وكنت أشعر بالإحباط بشكل كبير جدًا، ورأيت الحياة كاملة فاستحمقت نفسي لما فعلت بها حتى وصلت لهذه الدرجة!
وعندما رجعت للجزائر أصابتني حالة قلق غير طبيعية أبدًا، وأحسست فيها أن أحشائي تتقطع؛ وسببه عدم شعوري بالأمان والوحدة، وقد حاولت أن أرجع لمن حولي، ولكنني كنت فاقدًا إحساسي بقلبي ومشاعري تجاه الناس، وكأنني أتحدث من عقلي, وليس من نفسي كما كنت سابقًا، وأنا أعلم أن هذا ليس هو الشعور الطبيعي للإنسان.

وبعدها بدأ يزيد عندي القلق، وعدم قدرتي على التخلص منه، وفقدت ثقتي بنفسي تمامًا, وضعفت ذاكرتي بشكل كبير وضعف تركيزي، حتى عندما أتحدث مع الناس، فذهبت لأستاذ الطب النفسي لدينا في الجامعة، وأخبرني أني أعاني من حالة تسمى ( burn out )، وبدأت بأخذ حبة بروزاك وسوليان 100 غرام، حيث أخبرني أستاذي في الجامعة بأن السوليان بكميات قليلة يزيد إفراز الدوبامين في الدماغ، ويعطي الإنسان القدرة على التفكير, ويمنحه الطاقة، وخاصة أني كنت أحس - وإلى الآن - بشلل في تفكيري، وعدم القدرة على التحكم بأفكاري.

وعندما أكون في الغربة يبقى عندي هذا القلق غير المبرر من الوحدة، وإحساسي أن الجميع أفضل مني، مع أن عندي إيجابيات كثيرة، لكنني لا أستطيع تركيز فكري عليها، مع أني تحسنت من الدواء، وها قد مرت 3 سنوات وحالتي بين العادية والسيئة جدًا، حتى أنني حاولت أكثر من مرة أن أصلي وأتقرب من الله ليعاونني، لكنني لا أحس بأي شيء؛ لأنني فاقد الإحساس بروحي ونفسي، وأقسم بالله أنني كنت أفكر بالانتحار كثيرًا، وخاصة هذا العام؛ لأنني يئست جدًا من حالتي، وخاصة من عدم قدرتي على التفكير بشكل كبير جدًا.

وقد رجعت لبلدي الآن بعد نجاحي بالسنة الثالثة؛ وذلك بعد أن رسبت فيها لعامين متتاليين، علمًا أنني كنت من الأوائل قبل هذه الحالة؛ وذلك بسبب ضعف ذاكرتي الشديد، والضياع الذي أحس فيه، وتفكيري في المستقبل وأهدافي، مع أنها حاليًا غير واضحة أمامي؛ لأني لا أجد المتعة بأي شيء، والماضي أيضًا أراه أسود قاتمًا، ولا أستطيع العيش في الحاضر، هذا عدا تصرفاتي غير المسؤولة، وعدم اهتمامي بنفسي، أو بالأحرى عدم قدرتي على الاهتمام وإدارة أموري وأنا بهذا الحال.

وعندما رجعت للأردن أحسست بتحسن نوعًا ما، وما زال عدم شعوري بمشاعري وقلبي وضعف نفسي موجودًا، وقد ذهبت لطبيب هنا وأخبرته بحالتي، فأخبرني بأن أزيد السوليان لغاية 200 مع يوميًا، وأتناول حبتين بروزاك، وحبة فالدوكسان، وأخبرني أن هذا الأخير يساعدني على استرجاع إحساسي بقلبي ومشاعري تجاه الناس، ولقد بدأت بتناول الدواءين الأولين، ولكني لم أستطع شراء الأخير لغلاء ثمنه، وخاصة أن أهلي غير متعاونين معي أبدًا، ويخبرونني أني متوهم لا أكثر، ولا يعلمون الضياع والحلقة المفرغة التي أنا موجود فيها، هذا عدا أنني لا أرغب بعمل أي شيء، ولا أحس بأي طاقة.

أرجوكم ساعدوني، وأعطوني الطريقة التي أستطيع الخروج منها, لأرجع إنسانًا طبيعيًا كالسابق، مع العلم أني قبل أن أمرض كنت إنسانًا قوي الشخصية بشكل كبير، وواثقًا من نفسي، وهذا ما دفعني للابتعاد عن الناس؛ لأنني أحسست بثقة كبيرة أنني أستطيع أن أدير أموري كلها وحدي، وأنا الآن لا أحس بنفسي أصلاً، وأنا سوف أبقى عند أهلي 3 أشهر، ساعدني - يا دكتور - على أن أرجع لدراستي وأنا بكامل قوتي النفسية ونشاطي، وفي النهاية أنا آسف جدًا للإطالة، وعدم تنظيم الموضوع؛ لأني بصراحة أجد صعوبة كبيرة في إلقاء ما في ذهني.

أرجوك – دكتور - ساعدني، وأعطني كل ما يجب أن أفعله لأخرج من هذه الحالة، وخاصة أنني لا أجد أي شيء أستمتع به أبدًا، ولا أستطيع أن أحدد ماذا أريد من هذه الحياة! وأنا أريد الآن أن أرجع لطبيعتي فقط, وأن أستطيع الدفاع عن نفسي أمام الناس كما كنت سابقًا؛ حيث إنني أتعرض حاليًا للكثير من الانتقادات على لا مبالاتي وتصرفاتي غير المنظمة، وأحس نفسي أبلهًا.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ maher حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالفعل أنت تعرضت لحالة تسمى الاحتراق للجهد، وهي حالة نفسية تحدث بعد أن يكون الإنسان عرَّض نفسه لجهد كبير وطاقة استنفذها دون أن يعطي نفسه مجالاً لأخذ راحة كافية, أو الترفيه المتوازن، وفي ذات الوقت يكون الإنسان غير واثق من مقدراته بدرجة عالية، وهذا كله يقود إلى حالة من الاكتئاب النفسي، والشعور بافتقاد الفعالية دائمًا، والانهزام، وقلة الإدراك، وضعف التركيز.

العلاج: الأدوية تلعب دورًا، والأدوية متقاربة جدًّا، فليس هناك فروقات كثيرة بين الفادوكسان والبروزاك أو السوليان، فأنا أقر تمامًا منهج طبيبك في أن تظل على السوليان, ومعه البروزاك، ولا تشغل نفسك بموضوع الفادوكسان، والفادوكسان فوق ذلك هو دواء يفضَّل أن يتم تناوله وحده, وليس كمدعم للأدوية الأخرى، هذا مع احترامي الشديد لرأي طبيبك بالطبع.

وإن أردت أن تستبدل الأدوية فربما يكون عقار إفكسر أفضل من البروزاك قليلاً, فالفروقات ليست كبيرة - كما ذكرت لك - لكن بعض الذين لم يستفيدوا من البروزاك تجد أن عقار إفكسر قد أفادهم، لكن هذه التغيرات لا بد أن تكون تحت إشراف طبيبك وبعد مشورته، فهو يجب أن يكون صاحب القرار الأول, وليس أنا، وذلك احترامًا للأسس والأخلاق الطبية النفسية الصحيحة.

من الجوانب النفسية: أنا لي نصيحة لك قوية جدًّا ومهمة جدًّا إذا طبقتها فسوف تنجح، وهي أن تعلم أن الذي يسيطر عليك هو فكر سلبي تلقائي, وأنت تقبلت هذا الفكر؛ ولذا أنت مطالب من الناحية العلاجية أن تجلس مع نفسك جلسة صادقة, وتقول: (ما الذي يجعلني أقبل هذا الفكر؟! فأنا لديَّ مقدرات، ويمكن أن أكون إيجابيًا، وأنا أحسن مما أتصور).

قم بهذا الحوار المعرفي مع نفسك بتدبر وتأمل وتفكر وقناعة بأن التغيير ينشأ من الذات, وليس من الخارج.

الأمر الآخر - وهو ضروري جدًّا أيضًا -: أن تفصل بين أفعالك ومشاعرك، ضع هذه المشاعر بعيدًا عنك، والإنسان يمكن أن يقوم بذلك، ويمكن أن يفعل دون أن يشعر، لكنه إن فرض المشاعر عليه لا يستطيع أن يفعل, فعليك أن تجمد هذه المشاعر، وتجاهلها تمامًا، وقل لنفسك: (سوف أقوم بواجباتي اليومية على النحو التالي)، وتضع جدولًا يوميًا تدير من خلاله وقتك بصورة صحيحة، وتخصص وقتًا للصلاة، فالصلاة يجب أن تكون على رأس الأمر، لا عذر مطلقًا لمن لا يصلي، ولا أعتقد أن من لا يصلي سوف تُفتح أمامه أبواب الخير.

وخصص وقتًا للراحة، خصص وقتًا للرياضة، وخصص وقتًا للترفيه بما هو جميل وطيب، واندمج مع أسرتك في هذه الفترة، واخرج وقابل أصدقاءك، وحاول أن تساعد الضعفاء من خلال الانخراط في العمل التطوعي والاجتماعي، وزر أرحامك... إلخ.

هنالك الكثير جدًّا الذي يمكن أن تقوم به دون أي جهد حقيقي، على أن تترك مشاعرك جانبًا، وبعد فترة سوف تجد أن الفعل الإيجابي بدأ يسيطر على المشاعر السلبية, ويحولها إلى مشاعر إيجابية تذكرك بمقدراتك الحقيقية، وهذه تبني لديك قناعات جديدة بأنك بالفعل كنت تحت تأثير ما نسميه (الفكر السلبي التلقائي المستحوذ) وهذا يمكن أن يُحد، وهذا يمكن أن يُهزم وتتم السيطرة عليه تمامًا.

أرجو أن تنحى هذا المبدأ العلاجي السلوكي المعروف.

الأمر الثالث - وهو مهم جدًّا أيضًا -: الرفقة، فالإنسان بالطبع يحتاج لمن يأخذ بيده في هذه الدنيا، وهنالك أشخاص من الأخيار ومن الطيبين ومن الصالحين ومن الفاعلين من الشباب، فهؤلاء يجب أن يكونوا هم زمرتك وأخلاءك وأصدقاءك، وهذا سيساعدك تمامًا على بناء نفسي جديد.

أخيرًا: الدراسة والعلم طيب ونور، متى ما سعى الإنسان له وعرف قيمته فسوف يجني ثماره - إن شاء الله تعالى -.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق zainab aljobory

    اشعر اني اعاني من نفس الحالة لكن الاخ صاحب الاستشارة اكثر جرءة مني حيث اني لا اريد ان اصارح نفسي اني بحاجة الى طبيب نفسي اولا واني ادرس طب ايضا لكن رسبت سنة في المرحلة الثانية ثم تركت السنة الاخرى ثم عدت للدراسة واكملت المرحلة الثانية وبعدها اداوم بداية السنة ثم ارفض ان ادخل الامتحانات لسنتيين متتاليتين في المرحلة الثالثة ولم اكملها الى الان لكن دا احاول انو ارجع لحياتي لا اشعر بالاندماج مع عائلتي بصراحة اني احيي الاخ لانه واجه مشكلته في ناس مثل حالته لكن حالتهم تزداد سوءا بسبب عدم مواجهه المشكلة شكرا لكم وبالتوفيق للاخ صاحب المشكلة

  • العراق احمد

    انا كذلك اعاني من نفس المرض وكنت املك نفس الثقة ونفس القوة بالشخصية لكني محطم الان كليا وارى ان ليس هناك امل يرتجى باي علاج لان ذاكرتي دمرت تماما ولا استطيع تذكر ابسط الامور بسبب الضغط النفسي العظيم الذي تعرض له دماغي الامل بالله فقط

  • السعودية احمد

    انا كمان نفس الحالة بس المشكلة مفيش حد هيفهمها الا ال بيحس بيها بس ربنا يشفينا كلنا يارب ويرحمنا

  • أمريكا حسن العراق

    اصدقائي عليكم بقراءة القران والتقرب الى الله بصدق ارجوووكم والله هو العلاج الحقيقي والله والله لاعلاجات ولا ادوية رجاااااءا ومن الله التوفيق

  • السعودية هوازن

    انا ايضا اعاني من نفس المشكله ولكن العلاج النفس لم ينفعني كثيرا يمكن سيطر على افكار اصبحت لا افكر ولا استطيع ان افكر مع العلاج النفسي ولكني فقدت الاستمتاع بحياه والطاقه صفر ليس هناك ما يحثني على بذل طاقه او شعور ايجابي نحو اي شئ ولكني لجأت لله واقفت العلاج النفسي وقرأة القران الحمد لله حالتي مستقره
    لكني مازلت لا استمتع وليس عندي طاقه وكأني عجوز في روحي
    او بمعنى اصح انسان يأس اعوذ بالله من اليأس والشيطان لانه منه

  • مصر المعتصم

    اشعر بنفس الحالة او لم اعد اشعر اصلا منذ 8 سنوات

  • السعودية Md

    اللهم اشفنا جميعا

  • موريتانيا موسى

    اخي العزيز أعاني من نفس الحالة ارجوا من العزيز ان يشفينا جميعا إنه القادر على كل شئ

  • أمريكا أذكار كتاب الخلاصه

    حسبنا الله ونعم الوكيل.. هل تعلمون الي تمرون فيه ماذا يسمى في القرآن والسنه النبويه هو الحسد والله انه هو انا عانيت مثلكم ونفس الحال إلى ذكرها الطالب الطب الجزائري.. عشر سنوات وانا اقري سوره البقره دايم تحصين الحمدلله احس نفسي مثل الفراشه لحين لكن كلما رجعت لمحيط الناس الي حسدوني فيه تذبل روحي واحس اني مش نفسي تتكلم ولكن عقل شعور محبط ومااقدر اهتم بنفسي ولافي بيتي والأولاد وزوجي أكثر من من مره طلبت الطلاق منه بسبب الحاله إلى مريت فيها ولكن هو الحمدلله ماطلقني لأنه لا عارف الوضع

  • مجهول خديجة

    الله يكون في عوننا جميعا ويصبرنا
    على الدنيا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً