الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غيرة من تعبد الناس وتقربهم إلى الله تعالى .. ما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحب أن أبدأ كلامي بالصلاة والسلام على أشرف الخلق " عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "

وأشكركم على هذا الموقع النافع والطيب، -ولله الحمد- أنني أستفيد منه بلا ملل، فهو يحمل من ثمرات الفائدة الكثير، ومنها الأسلوب المقنع الحميد، -فالحمد لله- على توفيقه لهذا الموقع العظيم.

أنا سأكتب ما يدورُ في خاطري، ولا أظنُ أنها فتوى أو سؤال عن أمر ديني، لكني سأكتب فلربما أخرج بكلام مفيد منكم.

بعد هدايتي -والحمد لله- منذ وقت قريب وقصير " تغيرت تصرفاتي كثيراً, والجميع قد لاحظ ذلك، أصبحت أرى الله تعالى أغلى شيء في هذا الوجود، وأصبحت آمر الجميع بالطاعة، وترك المعصية، وقد يجدني بعض من أهلي أن من التفاهة أن أرحم نملة تمشي على الأرض. "

وأما أموري الخفية " فقد أصبحت أحب الله كثيرا، وأرى كل شيء يلتصق باسمه ذو شيء عظيم ورائع ". إذا ذكر اسمه سبحانه وتعالى من قبل أحد التفت وأسمع ما يقول، وأشعر بشعور مختلف في قلبي، فنظرتي اختلفت عنه عن قبل ففي السابق كنت أعصيه، ولا أبالي وأرى أنه يعذب ويعاقب ويجازي أي " فقط علاقة نار وجنة "

أما الآن لا .. والغريب أنني أغار بشدة على من يقول أنه يحب الله أو يذكر الله كثيرا، أو أن أسمع أن فلانا يحب الله.

أذكر مرة أن أختي صلت بجانبي، وأحسست بغيرة شديدة بأنها ربما تحسن العبادة أكثر مني لله! وحتى قراءتي للقرآن أشعر بشيء من الغيرة حينما يثني الله عز وجل على أحد الأنبياء، وقد كنت أتمنى أن أكون مثل مريم أن يصطفيني الله، ويجعلني من المحسنين، ولا يشغلني إلا عبادته وحده لا شريك له.

وقد ينتابني أحيانا أن هذا قد يغضب الله في أن أغار من أحدهم كـ" إبراهيم الخليل " عليه السلام، فنفسي تقول لي اقبلي بأمر الله أن جعلك أحد عباده فهو يقضي بالحق، ولا نسأله عما يفعل، ولم أجد أحدا يحمل مثل مشاعري من الغيرة والتنافس لا في الحياة حولي ولا في الانترنت.

وفي النهاية أتمنى ألا أكون على خطأ في أمري، وله الحمد على نعمه الجليلة!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عاكفة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابننا الكريم - في الموقع، ونهنئك بهذه العودة والتوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يفقهنا وإياك في الدين، وأن يجعلنا ممن يثبت على هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا كذلك على فهم هذا الإسلام الذي يُرضيه عنا.

وهنيئًا لك أيضًا بالغيرة والحرص على التمسك بهذه الشريعة، ودعوة الناس إلى الفضيلة، وتحذير الناس – والخوف – من الرذيلة، هذه المشاعر النبيلة والرحمة الزائدة التي تجعلك تخاف على النملة، وتشفق عليها، كل هذا من الأشياء الجميلة والروح الجديدة -ولله الحمد-.

والتنافس أيضًا في الطاعات مطلوب، وبكل أسف الناس الآن يتنافسون على الدنيا، ويتسابقون على سوق في وجود تنزيلات، ويتسابقون على متع الدنيا، لكنَّ الصحابة كانوا يتنافسون على الطاعات، ولو تعلم أمتي ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، وكان الرجل يقول لأبيه: لو كان طلبك غير الجهاد لآثرتك به، لما قال الأب لولده: " تجلس وأنا أذهب لأجاهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم – " فقال له: " لو كان غير الجهاد لآثرتك به، أما وطلبك الجهاد فلا والله حتى نقترع، ولا والله حتى نستهم " فاستهموا فخرج سهم ابنه، فصحب النبي - صلى الله عليه وسلم – فنال ما تمنى، فأخذتِ الغيرة والتنافس على الخير الأب حتى أصرَّ فلحق بابنه شهيدًا في سبيل الله تبارك وتعالى.

فإذن هم كانوا يتنافسون على طاعة الله، وعلى رضوان الله، والناس الآن بكل أسف يتنافسون على دنيا زائلة، تُوشك أن تودعهم ويودعوها.

وما المالُ والأهلون إلا وديعة **** ولا بد يومًا أن تُرد الوداعُ.

ولكننا نريد أن ننبه إلى أن الإنسان لا يجوز له أن يتمنى أن يصطفيه الله كالأنبياء، أو أن يكون نبيًّا، لكن الذي ينبغي أن يكون، أن يتمنى الإنسان أن يتشبه بهم، ويتأسى بالأنبياء الكرام، {أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده}، {لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة}.

أما بقية الناس فالعباد على تنافس وتسابق، لذلك الشريعة فتحت هذا الباب، والنبي – عليه الصلاة والسلام – قال: (لا حسد إلا في اثنتين) والحسد هنا ليس معناه المذموم من تمني زوال النعمة، ولكن معناه الغِبطة والتنافس، وهو تمني مَثيل النعمة، لذلك قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها الناس) وفي رواية (رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير).

لاحظ كل هذه الأشياء مربوطة بالآخرة، ليست للدنيا، كلها تنافس فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، والصحابة كانوا يتسابقون في كل أمر يُرضي الله، قال تعالى على لسان موسى: {وعجلتُ إليك ربي لترضى}، وقال عن عباده الأخيار: {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}، وقال سبحانه وتعالى: {فاستبقوا الخيرات} وقال سبحانه وتعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ}، وقال سبحانه وتعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ} وقال تعالى: {ففروا إلى الله}.

فمضمار العبادة ميدان للعبادة والتنافس والاحتساب أملاً في رضوان الله تبارك وتعالى، وفي نيل كل أمر يُرضيه، هذا مسموح لك أن تنافس الآخرين فيه، وأن تزاحمهم، بل ينبغي أن نكون كما قال الرجل التابعي، قال: (أيظنُّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم أولى به منًّا! والله لنُزاحمنَّهم عليه بالرُّكب، حتى يعلموا أنهم خلَّفوا ورائهم رجالا) وهذا معنىً جميلا جدًّا.

أنت ينبغي أن تصطحب هذه المشاعر، فاجتهد فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، ونافس الناس أملاً في رضوان الله تبارك وتعالى، ولكن لا توجه المنافسة في جانبها السلبي المرفوض، فنتمنى مرض الآخرين وضياعهم وإضلالهم، وأنت حشاك أن تكون من هؤلاء، ولكن تطلب لهم الهداية، تذكر بالله تبارك وتعالى.

إذن هذه مشاعر نبيلة، وتشكر على هذه المعاني، ونسأل الله لك الثبات والسداد، وأرجو أن يكون لك تواصل مع الموقع حتى نتابع معك هذه المشاعر النبيلة، وحتى تستطيع أن تتعرف على الناحية الشرعية من خلال هذا الموقع الذي به طائفة من مشياخنا الكرام، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يُحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً