الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالتوتر ويتعرق وجهي في الواجبات الاجتماعية.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أبلغ من العمر 35 عامًا، متزوجًولدي أطفال من سكان قطاع غزة، واكتشفت قبل أيام وعن طريق البحث عن المشاكل والمواقف التي أمرُّ بها وأتعرض لها في الحياة أنني أعاني من شيء اسمه الرهاب الاجتماعي، فعلى سبيل المثال عندما ذهبت الجمعة قبل الماضية إلى المسجد لأصلي صلاة الجمعة أصابني أثناء الخطبة نوع من القلق والتوتر، ونزل العرق من وجهي بشكل غير متوقع؛ وأتاني إحساس أن الناس حولي قد اكتشفوا أمري، فأتاني شعور بأن أذهب إلى الحمام كي أغسل وجهي، مع ملازمة القلق والتوتر الذي يصيب عضلاتي، وأصبحت أتقلب من اليمين إلى الشمال، وأغير الجلسة التي أجلس بها مرات عديدة.

أما في الصلوات العادية: فالأمور جيدة بالنسبة لي، وقد امتنعت من الذهاب الجمعة الماضية إلى صلاة الجمعة خوفًا من أن أتعرض لهذا الموقف، مع أنني قبل فترة ليست ببعيدة كنت أذهب إلى الصلاة وأصلي صلاة عادية، ولا أفكر ولا تحدث لي هذه المواقف المحرجة البغيضة.

وسأذكر لك أمرًا حدث معي اليوم، وهو للمثال وليس للحصر: فقد ذهبت اليوم كي أستقبل مبلغًا ماليًا بعث لي عن طريق الصراف، فقال لي الموظف: إنني لا أستطيع إعطائك المال لأن هناك خطأ ما، فارتبكت، وظهرت علامات تصلب الوجه واحمراراه، بالإضافة إلى كثير من الأمثلة.

وقد ذهبت إلى بيت فيه عزاء قبل حوالي أربعة أيام أثناء الحرب على غزة، وما إن جلست حتى ظهرت العلامات مرة أخرى، وبدأ العرق يظهر على وجهي، وجاءني شعور بأني أريد إجراء مكالمة هاتفية؛ حتى أهرب من هذا الموقف.

أنا بطبيعتي خجول، وأكره أن أكون في مكان مسؤول؛ حتى أنني في بعض المرات يصيبني التوتر والعرق يظهر على وجهي عندما أذهب للسؤال عن أطفالي في المدرسة، مع أن شخصيتي في البيت قوية، ولا تظهر عليَّ كل هذه الأعراض، وأنا طبيعي جدًّا مع أصدقائي المقربين، وأتحدث إليهم وأداعبهم وأما زحهم وأضحك، أي أن الأمور جيدة.

ما عنيته هو أن هناك بعض المواقف التي تثير القلق لديّ والمخاوف، فأنا لا أستطيع الحديث إلى مجموعة من الناس بأن أخطب بهم، أو أن أدير جلسة معينة، فهناك مشاعر بغيضة تشعرني بأني غير جدير بالثقة، ولا أريد الإطالة، فما الذي أعاني منه؟ وهل يوجد حل خاصة لمشكلة العرق الذي يظهر على الوجه؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ khlaed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا.

وكما وصفت في سؤالك فالحالة معروفة، وهي من أكثر أنواع الخوف أو الرهاب، وهي كما أسميته أنت الرهاب الاجتماعي، حيث يضطرب الإنسان عند الحديث مع بعض الناس، وخاصة من الكبار ومن المسؤولين: كالمعلمين، والعلماء، والرموز الاجتماعية، وقد يشعر الإنسان بالارتعاش، واحمرار الوجه، وجفاف الفم، وربما يجد صعوبة في النظر في وجه هؤلاء الأشخاص، أو حتى في القدرة على الكلام، وإيجاد الكلمات المناسبة.

بينما نفس الشخص لا يجد أي صعوبة في الحديث مع أسرته وأقربائه وأصدقائه، حيث يكون حديثه معهم بشكل عادي وطبيعي من دون أي ارتباك.

ومن الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه الشخص هو أن يبدأ بتجنب مثل هذه المواقف، أو هؤلاء الأشخاص، ظنًّا منه أن هذا الأمر يحسّن هذه الحالة، والعكس هو الصحيح، حيث يزداد هذا الرهاب، وقد يمتد ليشمل مواقف اجتماعية أخرى، وهذا ما يدفعه للمزيد من التجنب، حتى يجد نفسه ممتنعًا عن كثير من الأنشطة واللقاءات الاجتماعية، وقد يصل لحالة يجد نفسه أسير البيت لا يخرج منه.

ولعل في إشارتك للضيق الذي تشعر به عندما تخرج من المكان فتعود للبيت لتشعر بالأمان، وربما في هذا إشارة إلى حالة معرفة من رهاب الأماكن المفتوحة أو المزدحمة، كالأسواق، والمساجد، والمجمعات التجارية، حيث يمكن أن يصاب الشخص ببعض نوبات الذعر في مثل هذه الأماكن، فيبدأ بتجنب مثل هذه الأماكن، ومن بعدها يتجنب حتى الأماكن غير المزدحمة، ورويدًا رويدًا قد يصل لمرحلة لا يشعر بالراحة من مجرد الخروج من البيت، ومن مجرد تجاوز عتبة البيت، وقد يصل لحالة نسميها "سجين البيت"، حيث لا يطيق الشخص مجرد مغادرة البيت، وكأنه تحت الإقامة الجبرية في بيته.

وقد يمنعه هذا من الذهاب لعمله، أو دراسته، أو عبادته في المسجد، أو قضاء حوائجه البسيطة، ولنا أن نتصور حجم المعاناة التي يعاني منها هذا الشخص، وأهله أيضًا بسبب هذه المشكلة النفسية، فكيف نعالج هذه الحالة؟

الذي لابد من علاجه، هو هذا الرهاب الاجتماعي، وذلك عن طريق العلاج السلوكي أو المعرفي السلوكي عن طريق تغيير الأفكار والقناعات، ومن ثم مواجهة الأماكن التي تتجنبها، ولا تريد الاقتراب منها؛ حتى تشعر من خلال الزمن أن هذه الأماكن آمنة، ولم تسبب ما كنت تخشاه، ويمكنك القيام بمواجهة هذه الأماكن من نفسك إن استطعت، وإلا فالأخصائي أو الطبيب النفسي يمكن أن يعينك على تحقيق هذا بأقصر وقت.

فهيا حاول اقتحام مثل هذه المواقف، واختلط مع الناس في المسجد وغيره، فهذه فرصة مناسبة للتدرب على مثل هذه المواجهات، وعلى هذه الأحاديث، وتقوم هذه الممارسة على أنجع طرق العلاج، وهي العلاج النفسي المعرفي والسلوكي، من اقتحام ومواجهة ما يخافه الإنسان، حتى يعتاد مثل هذه المواجهة، ومن خلال الوقت ستجد نفسك في حال أفضل من الثقة في نفسك عند الحديث مع الناس، والنظر في وجوههم دون أي حرج أو ارتباك.

وفي الحالات الشديدة قد يكون لابد من العلاج الدوائي، والذي يمكن أن يقوم به، ويشرف عليه الطبيب النفسي.

ولاشك أن القراءة والاطلاع على مثل هذه الأمور من شأنها أن تخفف من شدة هذه الصعوبات.

وفي هذا الموقع الكثير من الأسلة والأجوبة حول الرهاب الاجتماعي، وكذلك هناك الكثير من الإرشادات العملية في كيفية التعامل مع الرهاب.

وفقك الله لما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المملكة المتحدة رهف عسيس

    حالتي مثل حالتك تقريبا ولاكن يمكن ان الجميع ينظر اليك يمكن ان يكون اعجاب او الناس مرتاحه لك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً