الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنتظر عقاب الله تعالى في ظلم زوجي لي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا امرأةٌ ظلمني زوجي فترة زواجي به، بسببه أصبت بالاكتئاب، ورغم معالجتي وأخذي للدواء لمدة 6 سنين وإلى اليوم لم أشف بعد, طلقني منذ سنتين، وتزوج بأخرى.

أنجبتُ له ولدين, رجعت لبلدي بعد أن طلقني ولم يحاول مصالحتي, أخذت أولادي معي لكنهم لم يتأقلموا في بلدي، واضطررت أن أرجعهم حيث والدهم مقيمٌ في الدولة الأوربية التي كنت أسكن فيها معه.

لا أريد أن أطيل في الرسالة لأن جرحي لم يندمل بعدُ مع مرور 3 سنواتٍ على طلاقنا.

المهم أني أشعر بظلمٍ كبيرٍ وقع علي منه، وكل يومٍ أتألم منه, عندما كنت في ذمته كنت أتعذب من معاملته، وعندما طلّقتُ منه أصبحت أتعذب من الظلم الذي وقع علي.

كل ما أريد أن أعرفه، هل سيأخذ الله حقي منه؟ فأنا كل يومٍ أبكي على ما وقع لي خلال 11 سنةٍ زواج، و3 سنين طلاق.

أعرف أن الظالم سينال عقاباً من الله تعالى، لكني كل يوم أبحث في المواقع لأشفي صدري وأتأكد من أن عقاب الله له قادمٌ، فأنا لا أستطيع مسامحته, ما فعله معي أكبر من أن أتحمل، وتتمة ظلمه أنه يحرمني من أن أتكلم مع أولادي.

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سوسن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يؤجرك في مصائبك، وأن يُخلف لك خيرًا منها.

في بداية الأمر نُهديك أيتها الكريمة هذه الهدية العظيمة من مشكاة النبوة، تجدين فيها -إن شاء الله تعالى–ما ينفعك، وتستعينين بها في تحصيل ما ينفعك، ألا وهي الحديث العظيم الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم– لمن أُصيب بمصيبةٍ، فقد قالت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها-: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم– يقول: (ما مِن مسلمٍ تُصيبه مصيبةٌ فيقول ما أمره الله تعالى: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أَجِرْنِي في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها) قالت أم سلمة: فلما مات أبو سلمة – أي زوجها– قلتُ –أي قالت في نفسها-: أي المسلمين خيرٌ من أبِي سلمة؟ -يعني تستبعد أن يرزقها الله خيراً من أبي سلمة- مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وأخلفْ لي خيرًا منها)، فهي تُساءل نفسها وتقول: أي المسلمين خيرٌ؟ ثم قالت وهي تصف فضل أبي سلمة -رضي الله عنه–: أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله. لكنها قالت هذه الكلمات التي علمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم– للأمة. قالت: ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا الحديث أيتها الأخت، فيه بيان أن فضل الله تعالى واسعٌ، وأن عطائه عظيمٌ، وأن خزائنه لا تنفد، فالذي عوّض أم سلمة وأخلف لها زوجًا خيرًا من زوجها –الذي مات عنها– قادرٌ سبحانه وتعالى على أن يعوضك خيرًا مما فقدتِ، فحسّني ظنك بالله، وأقبلي بقلبك عليه، وداومي على فعل الطاعات، لاسيما الفرائض، وأكثري من دعاء الله تعالى، وستجدين -بإذن الله تعالى– الأنس والسعادة العاجلة والآجلة.

وأما ظلم زوجك لك فإنه لن يضيع، فإن الله عز وجل يجمع العباد يوم القيامة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (لتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها، حتى يُقتصَّ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) هذا عن العقاب الآجل والمدخر يوم القيامة، فإنه لن يدخل الجنة أحدٌ إلا بعد أخذ حقوقه ممن ظلمه، وإن كان الداخلون من أهل الإيمان وأهل الإسلام، فإنهم يُحبسون قبل أن يدخلوا الجنة ليتقاصُّوا مظالم كانت بينهم، فلا تحملي همًّا لذلك، واعلمي أن النصر مع الصبر، وأنك بقدر ما تُظلمين اليوم وتنزل بك المصائب فإن الله تعالى يدخر لك الأجور والثواب، ويكفّر عنك من السيئات، فاحتملي واحتسبي أجرك عند الله سبحانه وتعالى، ويجوز لك أن تدعي على من ظلمك، وعقاب الظالمين قد يكون عاجلاً في دنياه، فيُصيبه الله تعالى ويصرعه، وقد يدخر الله تعالى له العقاب ليكون أنكى وأوجع له، فلا تحملي همّ العقاب الآن.

وأما ما وقع من قطيعةٍ بينك وبين أبنائك بسبب هذا الرجل، فينبغي أن تبحثي عن أحسن الأساليب المؤثرة على هذا الرجل، بأن توسطي بينك وبينه أقاربه ومَن لهم تأثيرٌ عنده، ليسمح لك بالتكلم مع أبنائك، فإن هذا ظلمٌ لا يجوز له فعله، وهو تعويدٌ لهم على قطيعة الرحم وعقوق الوالد، فابحثي عمَّن يساعدك في التأثير على هذا الرجل، علّه أن يرتدع عن ذلك، وإذا قدرتِ بعد ذلك على أخذ أولادك منه فإن الحضانة لك ما لم تتزوجي.

نحن نوصيك أيتها الأخت الكريمة بتقوى الله تعالى وكثرة الاستغفار، واعلمي أن سعادتك تنبع من داخلك، فإذا عرف القلب ربه وأَنِسَ بذكره وطاعته هانت عليه كل مصائب الدنيا.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُقدر لك الخير حيث كان، وأن يجمعك بأولادك، وأن يخلف عليك كل غائبةٍ ومصيبةٍ بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً