الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شكوى الزوجة من معاملة الزوج والاقتراض الربوي لإكمال الدراسة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مشاكل كثيرة لا أدري كيف أحلها بنفسي، ولذلك كتبتها لكم.

أولاً: تزوجت وأنا في الثامنة عشرة من عمري، وحصل الزواج بسرعة شديدة، أي أنني تعرفت على زوجي الذي كان عمره في الثامنة عشرة أيضاً في يوم 13، وتزوجنا في 15، وقبلته لأن أهلي كانوا يعرفون أهله، وكانوا ينصحونني بأن أتزوجه؛ لأن أهله يحترمون النساء، وبعد الزواج تعرفت عليه أكثر، ورأيت العكس، كان عصبياً جداً، ويضربني كثيراً، ويظن بي ظن السوء، وبأهلي كذلك، مع أن كل تكاليف الزواج دفعها أهلي، أي أنه لم يصرف إلا قليلاً من الذهب، مع أنني لا أهتم بهذه الأشياء.
لم يكن يوجد بيننا حب في البداية، ولكن مع أنه كان يعذبني بالضرب المبرح والشتم كان حنوناً أحياناً، ولهذا دخل قلبي، ولكن ليس حباً، وإنما نوع من الرحمة اتجاهه.
علمني أشياء كثيرة لم أكن اعلمها، وبدأت بالصلاة والحجاب بعد شهور قليلة من زواجنا، وأنا أشكر الله، وحتى زوجي كان علي ذلك أيضاً، ولكن المشكلة الآن هو أنني لا أحبه الحب الذي كنت أتمنى أن أشعر به، وأظن السبب الرئيسي هو أنه كان دائماً يضربني ويشتمني، والآن مع أنه قلل من الضرب، ولكني أفكر دائماً بأن ننفصل، وأن أجد الشخص الذي يحترمني ويحبني حباً حقيقياً؛ لأنني أحس بأن زوجي لا يحبني أيضاً؛ لأنه غير معجب بشكلي، وأنه لا يغض بصره في كثيرٍ من الأحيان، ويقول لي كثيراً بأن ليس عندي أنوثة و...إلخ.
علماً بأن لدى زوجي صفات جيدة أيضاً، ولكن كنت أتمنى أن يكون عنده إيمان قوي، وأن يكون ذا علمٍ كبير بالدين، وأن يكون داعية إلى الله، ولكن أحس الآن أن زوجي بعيد من هذه المواصفات، ولا أدري ماذا أفعل.
أريد أن يحبني وأحبه، وأن يكون عنده هذه الصفات التي ذكرتها، ولكن لا يوجد أي منها في حياتي.

ثانياً: قبل أن أكمل دراستي الثانوية بسنة لم تعطني الحكومة هنا في هذه البلد نقود، وكان يجب علي أن آخذ قرضاً من مؤسسة تعطي قروضاً ربوية للطلاب الذين يريدون تكملة دراستهم بعد سن العشرين. لم أكن أريد أن آخذ هذه القروض لأنني لم أكن أريد أن آكل حراماً، ولكن زوجي نصحني بأن آخذه؛ لأنه لم يكن يوجد وسيلة أخرى إلا أن آخذ هذه القروض لكي أكمل دراستي، وها أنا الآن آخذه منذ سنة ونصف وأشعر بحزن شديد، ولا أحس بالراحة ولا بالسعادة.
الآن أريد أن أعرف: هل أنا حقاً آثمة؟ وهل زوجي الذي ليس له عمل، ويأخذ أيضاً هذه القروض لكي يكمل دراسته له الحق بأن يأمرني بأخذ هذه القروض ؟ لأنه يقول: ليس لدينا حلا آخر؛ لأنه يجب أن يكون لك شهادة لكي تقدر أن تعمل عملاً جيداً، وإلا يجب أن تعمل أعمال كنس ومسح المدارس مثلاً، ولا نقدر أن يكون لنا شهادات عالية لكي نغادر هذه البلاد ونعمل في بلاد إسلاميه، ولكن لا أعرف هل هذا الكلام معقول؟ وهل لدي حق بأن أطلب منه فراقي إذا استمر يأمرني بأن أدرس لكي آخذ هذه القروض، وأنا بصراحة أريد أن أكمل دراستي في الجامعة، ولكن بمالٍ حلال.

ثالثاً: الآن أنا متزوجة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف، ولم أنجب لسبب دراستي، وفي الحقيقة ليس لي رغبة للإنجاب؛ لأنني لا أحس بأنني ناضجة وقادرة على تربية الأطفال تربية جيدة، وحسب ديننا لأنني ليس عندي العلم الكافي، ولا أحس أيضاً باستقرار مع زوجي، ولهذا خائفة أن أنجب، وبعدها أنفصل، ويضيع الأطفال.
كثير من أخواتي في الله ينصحنني بأن أنجب، وبعضهن يقلن أنه حرام وأنتِ لم تنجبي منذ ذلك الوقت الطويل، ولكن مع هذا لا أحب أن أفكر بهذا الموضوع.

رابعاً: إنني أحس دائماً بأنني أقل من الناس، وأكون في كثير من الأوقات مرتبكة عندما أريد أن أقول شيئاً، حتى مع أخواتي في الله، وهذا الإحساس لدي منذ طفولتي يكثر ويقل، ولا أدري كيف أقوي نفسي وأثق بها، وأن لا أهتم بما يقوله الآخرون عني.

أريد أن أشعر براحة واطمئنان، وسعادة وحب في حياتي، ولكن لا يوجد أي واحد من هذه الأحاسيس لدي، ولا في حياتي، وكثير من الأحيان أتمنى الموت، ولا أرى قيمة في حياتي؛ لأنني أحس بأنني لم أعمل خيراً يرضي ربي. أريد أن أعيش حياة كما يريدها الله، وليس كما يريد هواي وهوى زوجي. أحس بأن زوجي أيضاً يحس بالأحاسيس التي ذكرتها، ولكن لا يبوح لي.

أرجو من الله ثم منكم مساعدتي، وكيف أحل مشاكلي، وأرجو أن تعطوني حلولاً لكل المشاكل التي طرحتها، وأشكركم جزيل الشكر، وجزاكم الله خيراً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / ي .ر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أولاً: الرجاء قبول اعتذارنا عن التأخر في الرد على رسالتك، وذلك لظروف الحج، ونعدك مستقبلاً -إن شاء الله- أن نجيب على أسئلتك في أقرب وقت، ونحن دائماً على استعداد لتلقي أسئلتك في أي وقت وفي أي موضوع.

ثانياً : بخصوص مشكلتك فإليك ما يلي:

1- لا أتصور أن مشكلتك من المشكلات الصعبة والمستحيلة، وإنما بالإيمان والصدق والعزيمة سوف تحل كل مفرداتها بإذن الله رب العالمين، وثقي وتأكدي أن هناك عشرات المشاكل أكبر من مشكلتك هذه بكثير، ورغم ذلك ييسر الله حلها، فلا داعي لهذا الإحباط أو اليأس من الحياة التي تعانين منها أنت وزوجك، وإذا كان كل مسلم إذا تعرض لمشكلة فكر في الموت لما بقي على وجه الأرض أحد، وإنما أمرنا الله تعالى بالدعاء، مع الأخذ بالأسباب وترك النتائج إليه وحده سبحانه، فهو الذي يعلم ما يصلح عبده وما يفسده: (( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ))[الملك:14].
فاصرفوا هذه الفكرة عنكم تماماً؛ لأنه لا يجوز شرعاً، خاصة وأن النبي صلى الله علي وسلم قال: (لا يتمنى أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كان الموت خيراً لي)؛ هذا هو أقصى ما يمكن أن يقوله المسلم عندما تشتد عليه الأمور.

2- موضوع الحب الذي كنت تحلمين به في العلاقة الزوجية، هذا في الواقع نوع من الخيال، لأنك لو سألت والديك عن نوع الحب الذي بينهما لوجدته من نفس النوع الذي تشعرين به، ألفة ورحمة ومودة تأتي مع استمرار الحياة الأسرية، أما النوع الآخر فهو نادر جداً، خاصةً في المجتمعات المادية الصعبة، فلا تفكري في شيءٍ قد يكون في حكم النادر، وتأكدي أنه فعلاً ليس كما تتصورين، وإنما غالب البيوت تحكمها العلاقات العامة، والاحترام المتبادل، وإن لم يكن هناك ميل قلبي وحب عاطفي عنيف يصل مثلاً لدرجة العشق والوله، هذا من أصعب الأمور، ونحن جميعاً من حياة تربطها علاقات مثل علاقتك بزوجك، بل لعلها كانت أسوأ، ومع ذلك جئنا إلى الحياة، وها نحن نعيش حياتنا أيضاً مع زوجاتنا وأولادنا، ولا نستطيع أن نجزم أن طبيعة العلاقة التي بيننا تقوم على العشق والهيام، وإنما هي حياة تحكمها مظلة الشريعة العامة من الاحترام والتقدير، والعفو عن الزلات، والتشاور والتفاهم، وحسن الخلق، وهذه كلها أمور من الممكن تطبيقها والحصول عليها بمشاركة الطرفين معاً، وليس من جهة واحدة.
فحاولي أن تعيدي النظر في تصرفاتك؛ لاحتمال أن لك دوراً في عدم الوصول بالحياة والعلاقة الزوجية إلى الدرجة التي تحبينها.
اعلمي أن المطلوب منا أن نغير أنفسنا أولاً، ثم نطلب من غيرنا أن يتغير، أو هو سوف يتغير بنفسه تلقائياً مع الكلمة الطبية، والاهتمام الزائد، وحسن الاستقبال، والعفو والصفح، والصبر وحسن الخلق؛ لأن من الصعب أن أحسن إلى إنسان دائماً ولا أجد منه إلا الإساءة دائماً، هذا في حكم النادر، فحاولي أن تغيري أنت من نمط سلوكك وتصرفاتك مع زوجك إلى الأحسن والأفضل، وأنا على يقين من أن زوجك لن يكون أقل تفاعلاً وتضحية منك.

3- وأما موضوع الإنجاب والأولاد، فما دامت حياتكما يشوبها عدم الاستقرار المادي، خاصة أنكم تأكلون من القروض الربوية، فلا مانع من تأخير ذلك حتى ييسر الله لكما طعاماً حلالاً طيباً، ولكن بشرط أن يكون بهذا المقصد، وليس لأنك لا ترغبين في إنجاب أولاد من زوجك، فهذا من سوء النية الذي لا يجوز أن تعمل به المرأة المسلمة.
وهناك شرط آخر: وهو ضرورة وجود تراضٍ من الطرفين، فإن كان من طرفك وحدك فلا يجوز لك أن تحرمي زوجك من نعمة الولد، ولذلك لابد من الاتفاق بينكما بخصوص مسألة الإنجاب، وعليكم بالبحث عن أعمال مشروعة حتى ترزقوا بأولاد صالحين يكثرون سواد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من الإنجاب الآن، والإثم والمعصية تقع على الوالدين وليس على الأولاد.

4- وأما مسألة القرض الربوي: فأرى ضرورة البحث عن أي عمل ولو متواضع، بعيداً عن الربا؛ لما فيه من المخالفة الشرعية العظيمة، إذ إنه من أكبر الكبائر، ولا يجوز الوقوع فيه إلا في حالات الضرورة القصوى، وأرى أن وجود عمل ولو بسيط أفضل مليون مرة من أكل الربا، فاتقوا الله وسوف يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً، وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً