الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا دائم التفكير بالماضي المظلم الذي وقعت فيه، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحم الله وبركاته.

جزاكم الله خيراً على جهودكم المباركة.

أرجو أن تقرؤوا مشكلتي، وتحاولوا مساعدتي قدر المستطاع.

أنا عمر، طالب جامعي عمري 18 سنة, مشكلتي بدأت منذ أربعة شهور، وهي: تذكر الماضي, فدائماً أتذكر المعاصي التي ارتكبتها في الماضي, ودائماً تأتيني هذه الأفكار، وفي كل وقت؛ لأن كل شيء حولي يذكرني بها؛ لأنها تتعلق بأماكن وأشخاص.

وقد دمرت حياتي تقريباً؛ حتى أصبحت دائماً أفكر فيها وأحتقر نفسي على فعلي لهذه المعاصي في الماضي، فقد فعلت كبائر ومعاصي لا يستطيع أحد تخيل بشاعتها وفظاعتها.

وقد أثر هذا على حياتي ودراستي جدا جدا، حتى أصبحت أفكر بالموت وإيذاء نفسي، وكثيرا ما أبكي بسببها، فهل من مخرج لهذه المشكلة؟ فوالله قد تعبت كثيراً لدرجة كبيرة جدا.

أتمنى لو أستطيع إعادة حياتي حتى لا أفعل هذه الأفعال! أرجو منكم مساعدتي ومحاولة إيجاد حلول لي؛ لأني أحس بأن الحياة أغلقت في وجهي!!

جزاكم الله الفردوس الأعلى، وأسأل الله أن يجزيكم أعظم الأجر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب، نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يتوب عليك، وأن يغفر لك.

نحن أولاً: أيها الولد الحبيب نبشرك بعظيم فضل الله تعالى وسعة رحمته، فإنه سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد إذا تاب وصدق في توبته، وحقق أركان التوبة بأن ندم على ذنبه، وعزم على ألا يرجع إليه في المستقبل، وتركه في الحال، فإذا فعل ذلك فإن الله يقبل توبته، وقد قال جل شأنه وهو أصدق قائل: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم تفعلون}. ووعد سبحانه وتعالى بأن يُبدل سيئات التائب حسنات، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - بأن الله يفرح بتوبة عبده، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

فينبغي للإنسان المسلم أن يُحسن ظنه بالله تعالى بعد توبته، فيظن أن الله تعالى سيقبل توبته ويغفر ذنوبه، والله تعالى يعامل العبد بمقتضى ظنه به، فقد قال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) فوصيتنا لك أن تحسن ظنك بالله، وأن تعلم أن الله تعالى لا يتعاظمه شيء، فليس هناك ذنب أكبر من عفو الله ومغفرته، فاحرص على تحقيق التوبة بأركانها التي ذكرناها.

أما تذكر الذنوب فإن كان هذا التذكر يُورثك أنواع الهم والغم، ويحول بينك وبين الإقبال على الله تعالى والعمل الصالح؛ فإن نسيانه في مثل هذه الحالة خير لك وأنفع، فلا تلتفت إلى الماضي، ولا تعره اهتمامًا.

واعلم أنه مهما كانت الذنوب كبيرة فإنها تصغر بجانب عفو الله، وقد تاب الله تعالى على المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، فلما تابوا وأنابوا إلى ربهم صاروا أولياء الله تعالى حقًّا، وصاروا صفوة هذه الأمة بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - فتذكر الذنوب السالفة إذا كان لا يبعث على مزيد من العمل الصالح، ومزيد من التوبة، ومحاولة التجديد لها، ونحو ذلك من الأحوال الصالحة؛ فإنه أمر ينبغي الإعراض عنه.

وأما تذكرك للذنوب بسبب تذكرك للأشخاص، فاعلم جيدًا أن كل بني آدم خطاء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) فإذا علمت هذا سهل عليك أن تقبل نفسك، وأن تُدرك بأنك إنما وقعت فيما قدره الله تعالى عليك، وأن المطلوب منك هو التوبة والتصحيح، وإن أمكنك أن تغير بيئتك التي كنت فيها وتنتقل إلى بيئة أخرى أنظف وأحسن وأعون لك على التوبة والقيام بها فإن هذا أمر في غاية الأهمية ينبغي أن تعتني به، وقد دلنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أخبر به عن حال أحد التائبين في الأمم الماضية، وهو أن العالِم دلَّه على أن يترك قريته وينتقل للقرية الأخرى لما فيه من الدلالة على أن التائب يُستحسن له أن يتحول عن بيئته السابقة إلى بيئة جديدة، فإذا استطعت ذلك فذلك يكون عونًا لك وتثبيتًا بإذنِ الله.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يمُنَّ عليك بمغفرته، ويثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

لا يوجد صوتيات مرتبطة

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات