الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبح والدي شكاكا في كل شخص وكل شيء بعد شفائه من إصابة دماغية

السؤال

سلام عليكم ورحمة الله

أريد استشارتكم في حالة والدي الغريبة، قبل عامين تعرض لحادث مروري، أصيب فيه بضربة في الرأس، بالتحديد في الفص الصدغي الأيسر، ودخل غيبوبة لقرابة خمسة أيام، ومكث تحت العناية المشددة قرابة الشهر، ثم بفضل من الله خرج وأكملنا علاجه بالمنزل، وصلنا بعد فترة تقرير عن حالته أنه يعاني من قصور في وظائف المخ العليا.

والدي جلس ستة أشهر بعد الحادث لا يعلم من نحن، ولا أي شيء يدور حوله، وكانت عنده مشكلة في الكلام، استمرينا معه على الأدوية النفسية والطبية وكان -بفضل الله- يتحسن إلى أن قطعنا الأدوية عنه تماما، وصار كأنه طبيعي ويزاول عمله، لكن بعد عامين صار غريب الطباع، مثلا يقول كلاما وبعد دقائق ينفيه، يرفض الخروج وبعد دقائق يخرج، حتى صار يشك في أخلاقنا وأخلاق من حوله، ولا يصدق أي شيء بتاتا، يشك في والدتي كثيرا حتى أنه يجزم أنها -والعياذ بالله- غير شريفة، ومنعها من الخروج من المنزل تماما حتى لتحفيظ القرآن، ويريد طلاقها وفضحها في الناس، ليس أمي فحسب، حتى نحن بناته يشك أننا لا نذهب إلى الجامعة بل نخرج مع هذاوذاك، ويريد منعي من إكمال تعليمي، ويشك في أصدقاءه أنهم غير أسوياء.

إضافة إلى ذلك لا يرتاح في نومه، ولا ينام إلا قليلا نتيجة لتلك الأفكار، وأيضا نقص وزنه بشكل مخيف، أردنا أن نراجع به طبيبا نفسيا فرفض بشدة، وقال: أنا مجنون؟ تريدون الخلاص مني؟ أتكرهونني؟ إلى غيرها من تلك الكلمات، فما الحل؟ علما أن والدي يبلغ من العمر 56 عاما.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هداية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

وصفك دقيق جدًّا لحالة والدك – حفظه الله – فبعد أن تعرض لهذا الحادث قبل عامين، ثم تحسّنت أحواله بصورة جيدة جدًّا، أحواله العقلية والعاطفية وأصبح يزاول عمله، حدث له هذا التطور الذي لا أقول غريب نسبيا، لكنه قطعًا يمثل منحى آخر تمامًا للمرض النفسي.

والدك لا شك أنه يعاني من أفكار زوارية، أفكار بارونية، أفكارٍ شكوكية مطبقة عليه، وهذه الحالات ليست مستبعدة الحدوث بعد الإصابات الدماغية، وقد يستغرق الأمر وقتًا، لأن الأثر التجمعي للإصابة الدماغية أيضًا معروف، وإصابات الفص الصدغي – على وجه التحديد – حساسة جدًّا، قد تنتج منها التقلبات المزاجية الشديدة، وفي ذات الوقت مثل هذه الأمراض الظنانية أيضًا قد تحدث نتيجة لهذه الإصابة، أو على الأقل تكون الإصابة قد زادت في استعداده لأن يحدث له هذا التطور الكبير في حالته العقلية، وتغيرات الشخصية أيضًا نشاهدها وإن كانت أكثر مع إصابات الفص الجبهي (الناصية).

أيتها الفاضلة الكريمة، كل الذين يعانون من هذا النوع من الأفكار لا يعترفون بمرضهم، وحين يُقال لهم أنكم مرضى تزداد شكوكهم وتتسع لتشمل حتى أناس آخرين، الذي يُقال له: (أنت مصاب بشيء من الإجهاد النفسي وتحتاج لمقابلة الطبيب)، وبالتلاطف معه والمحاولات المتكررة معه ربما يقتنع، وفي ذات الوقت ليس من الضروري أن يذهب ليقابل طبيب نفسي 100%، كثير من الأطباء الرعاية الصحية الأولية مدربون جدًّا لعلاج مثل هذه الحالات، أي الحالات البارونية الظنانية.

وإذا قبل أن يذهب للطبيب في الرعاية الصحية الأولية من أجل إجراء الفحوصات العامة، يمكن إخطاره وإخباره بعلته التي يعاني منه، فسوف يقوم الطبيب بإعطائه أحد مضادات الذهان مثل عقار (أولانزبين) مثلاً، وإن لم يكن الطبيب على دراية تامة بطبيعة الحالة سوف يتشاور مع أحد الأطباء النفسيين.

فالأمر -إن شاء الله تعالى- ليس صعبًا، يمكن أن تكون هنالك حلول، وأنا دائمًا أفضل أن مثل هؤلاء الأشخاص من الأفضل أن يتواصل معهم أو يتفاوض معهم شخص واحد، شخص يكون ذا تأثير عليهم، هنا غالبًا ما تكون استجاباتهم إيجابية في الذهاب لمقابلة الطبيب.

في بعض الأحيان حين تستصعب الأمور من الأشياء المشروعة والمصرَّح بها أن يُوضع الدواء في عصير مثلاً، أو في حليب أو شيء من هذا القبيل ويُعطى للمريض، والآن يوجد مستحضر من الـ (أولانزبين) والذي يعرف باسم (زبركسا)، هذا المستحضر ذوَّاب جدًّا ولا يُغيِّر طعم أو لون المحلول أو العصير الذي وُضع فيه، هذا النوع من الزبركسا يسمى (زبركسا فلوتاب) وقد يساعدنا كثيرًا في مساعدة الناس الذين يرفضون تلقي العلاج، ومعظم هؤلاء المرضى بعد أن تتحسن أحوالهم سوف يتعاونون في تلقي العلاج.

إذًا لا تتأخروا أبدًا في علاج والدكم، فإن شاء الله تعالى علاجه موجود، وسوف تستجيب حالته ليعود لحالته السابقة وطبيعته وسيرته الأولى.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً