الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل المجاهرة بأعمال الخير التي أقوم بها يعتبر رياءً؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني الأعزاء، أشكركم على موقعكم المتميز، فنادرًا ما نجد في حياتنا من يسمعنا، ويساعدنا، ويرشدنا، وأسأل الله أن يوفقكم، وينفع بكم الأمة الإسلامية.

أريد أن أسأل عن عدة أمور أولها: اختلط علي معنى الرياء، فأنا على يقين تام بمعناه، ومعنى السمعة وحرمتهما، فهما يعكران الإخلاص لله تعالى في العمل، وبعد أن قرأت عدة فتاوى لديكم عن هذا الموضوع، تأكد لي موضوع الإخلاص في النية، فإنا دائما عندما أُقبل على عمل، أو أنوي شيئا ما، تكون نيتي خالصة لله تعالى، ولا أبغي في عملي إرضاء الناس أبداً، فيكون الأساس لدي هو إرضاء الله -عز وجل-.

لكن في الأغلب لا أقدر أن أُخفي عملي عن أعين الناس، فأرى الأمر صعباً، فعندما أُخفي بعض الأعمال يظهر مني أكثرها، فمثلا: أريد حفظ القرآن، ولكن دون رياء، فعندما أحاول الحفظ خفية، أجد صعوبة في اختيار المكان والزمان، وأرى بأن حفظ القرآن أمر لا يمكن إخفاؤه، فغايتي بعد الحفظ تعليم غيري، فهل هذا يبطل نية الإخلاص؟ وهل بإمكاني الحفظ بنية خالصة لله -عز وجل- حتى إذا علم الناس؟

وهناك أعمال أخرى كثيرة أقوم بها لإرضاء الله، ولكن حديث الناس عنها وإعجابهم بها، يدخل على قلبي السرور، فهل شعوري بالسرور يعتبر رياءً؟

نقطه أخرى حول هذا الموضوع: لدي صديقة مثل أختي، نحب الخير لبعضنا، ونقضي معظم الوقت معاً في المدرسة، فتكثر الأحاديث فيما بيننا، ونتناقش في تفاصيل أمورنا اليومية، ونفتخر بما قمنا به من طاعات، ونشغل أنفسنا بالحديث بما فيه الخير والنفع، ونقدم لبعضنا النصح والإرشاد، فهل حديثنا فيه شيء من الرياء؟

وأخيراً: أريد أن أستفسر عن نقطة وهي: بما أننا مسلمون نسعى دائما لإعلاء كلمة الإسلام، وإرضاء الله -عز وجل-، فنتناقش مع الآخرين، وعندما نبين لهم الصواب نتعرض للمدح والثناء، ونعجب بأنفسنا، فهل في هذا الإعجاب شيء من الرياء؟

أحتار في هذا الأمر كثيراً، وأخاف أن أعجب بنفسي من غير قصد، وأن أبرز شخصيتي من خلال النقاش والحوار، ولكنني لا أستطيع الصمت عن الحق وأنا أمتلك القدرة على الحوار، وأخاف أن يكون ذلك منافياً لصفة التواضع، وهدفي من ذلك أن أكون عنصراً فعالاً في ديننا الإسلامي، أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ sara حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك مزيدًا من التوفيق والصلاح، ونحن نشكر لك حرصك على الأعمال التي تقربك إلى الله خالصة لوجه الله، وهذا دليل على رجاحة في عقلك وحُسْنٍ في إسلامك، ونسأل -الله تعالى- لك المزيد من الخير.

أما عن الرياء فكل ما ذكرته في استشارتك وسألت عنه لم نر فيه شيئًا من الرياء أو السمعة، ونسأل الله لك الإخلاص.

الرياء أن يعمل الإنسان العمل ليراه الناس ويسمعوا به، فهذا هو الرياء المذموم، أما أن يفعل الإنسان الخير لوجه الله، ثم يظهره الله تعالى للناس، فيُثني الناس على صاحبه بالخير، فهذا من عاجل بُشرى المؤمن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وغيره، فقد قال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: (قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: تلك عاجل بُشرى المؤمن). يعني أنها البُشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل على البشرى المؤخرة في الآخرة.

فثناء الناس على الإنسان بالخير أمرٌ حسنٌ، ولا يضر العامل ما دام يقصد بعمله وجه الله تعالى، كما أن الإنسان أيضًا إذا فرح بحسنته التي عمِلْها فإن فرحه هذا لا ينافي الإخلاص، بل هي علامة على وجود الإيمان في القلب، فمن سَرَّتْه حسنته وساءته سيئته فذلك هو المؤمن، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

والخلاصة -أختنا الكريمة-، أنه لا ينبغي لك أبدًا أن تتركي شيئًا من الأعمال الصالحة مخافة الرياء، أو مخافة أن يراك الناس، هذا من المزالق الخطرة التي يحاول الشيطان أن يجرَّ إليها بعض الناس، فيخوِّفهم من الرياء وعواقبه، ليحجزهم عن العمل الصالح ويثبطهم عنه، ولذلك حذَّر السلف الصالح من ترك العمل خوف الرياء فقالوا: (العمل من أجل الناس شِرك، وتركه من أجل الناس رياء).

فاحذري من أن يتسلل الشيطان إليك من هذا الباب ويثبطك عن الخيرات، وجاهدي نفسك على الدوام بتذكُّر النيَّة الصالحة، وإخلاص العمل لوجه الله، ولا بأس عليك في أن تذكري لزميلتك وصاحبتك الأعمال الصالحة التي تظنين أنها ستنتفع بذكرك لها، كالاقتداء والتأسي ونحو ذلك، أما إذا لم تكن ثمَّ مصالح، فالأولى للإنسان أن ما خفي على الناس ألا يُحدِّث به أحدًا حتى يُدرِّب نفسه، ويعوِّدها على إخلاص العمل لله وكتمه عن أعينِ الناس، وأكثري من الأعمال التي تكون بعيدة عن العيون، كالصلاة لا سيما في الليل، ونحو ذلك من الأعمال، فتلك أعمالٌ تُدرِّبك على الإخلاص وتقوّي قلبك عليه.

وأما ما ذكرته من إبراز الشخصية، فكل عملٍ صالح يرجو به الإنسان الخير للآخرين كالاقتداء به، أو إيصال الخير إليهم، إذا أمن على نفسه من الرياء، فإن هذا الإبراز وهذا الإظهار، لا حرج فيه.

نسأل -الله تعالى- أن يأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر زينب بوسعيد

    السلام عليكم شكرا جزيلا للسائلة و كل الشكر لأساتذتنا و مشايخنا على هذه الإجابة فقد كنت في حيرة من أمري و قلق دائم للأسباب نفسها المذكورة في السؤال .

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً