الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أعرف كيف أتعامل مع طفلي، وأخشى من عرضه على طبيب نفسي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة لدي ولد عمره 10 سنوات، يعاني من الخوف الشديد، فلا يستطيع الذهاب بمفرده لأي مكان حتى داخل البيت، فهو فإما أن يطلب من أخيه التوأم أن يرافقه، أو يبكي حتى أساعده، وقد لا يذهب مطلقا إن لم يكن معه أحد، لا ينام إلا معي في السرير، وإذا استيقظ من نومه ولم يجدني، فإنه ينادي علي بخوف وهلع، أو يستجمع قواه ويركض إلى مكان تواجدي.

لا بد أن يكون هناك ما يجعله يصل إلى هذا الحد من الخوف، وحين أتحدث معه يذكر لي قصصاً مخيفة سمعها من أصدقاءه في المدرسة، أو مقاطع فيديو مخيفة شاهدها وما زال يتذكرها، وهو من النوع الفضولي، يحب أن يعرف كل شيء، فأحيانا أجده يتابع فيديو وثائقي عن الإعصار أو الكوارث البيئية، أو علامات الساعة، وهو للأسف يعرف كل هذه الأمور، ويتوقع حدوثها بين حين وآخر، ودائماً يتوقع الأسوأ، وعند حدوث الرعد مثلاً: يصاب بهلع شديد، ويخاف عند ذكر الموت.

لا يقدر على التواصل بشكل جيد مع الآخرين، فدائما تأتيني شكاوى من مدرسته بأنه يعامل الأولاد بعصبية، ويغضب لأتفه الأسباب ويبدأ بالصراخ، وعندما تعاقبه المعلمة بإخراجه من الفصل، يحدث الفوضى والضجيج، ويضرب الباب، ولا يفهم الأمر، ويرى نفسه المظلوم دائماً في كافة أنواع العقاب الواقعة عليه، ويقول: (الجميع يريد تعذيبي)، ولا أدري لعل هذا هو سبب خوفه؟

ليس لديه أصدقاء، ولا أحد يحب اللعب معه، ويكره المدرسة والمعلمين والطلاب، فهل يحتاج للذهاب إلى معالج نفسي؟ علما أننا في أوروبا، ولا أدري ما عاقبة أن نعرضه على طبيب نفسي، وأخشى أن يأخذه المسئولون ليتابعوا تربيته، ويقوموا سلوكه، وهذا أمر مستحيل بالنسبة لنا كمسلمين.

الخوف بدأ معه قبل سنة تقريباً بشكل تدريجي، ولم نلقِ له بالًا، ولم يكن يسبب له مشكلة، أما الآن فقد تغير الحال، وأصبح يصعب عليه التواصل الاجتماعي، وتأخر عن المدرسة بسبب خوفه، فأصبح عمره الآن 6 سنوات، وأخبرتنا إدارة الروضة سابقاً بعدم قدرته على التواصل الجيد، ولن يستطيع دخول المدرسة، فاضطررنا لتأخيره نصف سنة، كان من الممكن أن يكون فيها كأقرانه في المدرسة مستمعاً إلى بداية العام، لكنه بقي في الروضة، وتعرض لمشاكل كثيرة تسببت في نقله بين مدرستين، في كل مدرسة يبقى فيها لمدة سنة ثم ينتقل منها، فكان في الصف التحضيري في مدرسة، ثم انتقل لمدرسة أخرى في الصف الأول، ثم عاد لمدرسته الأولى في الصف الثاني، ثم للمدرسة الأخرى في الثالث، وما زال مستمراً فيها.

هل سيواجه ابني مشكلات أكبر مستقبلاً، وهل يعاني من مرض نفسي، وكيف يمكننا تقويم سلوكه دون الحاجة للذهاب إلى الطبيب؟

ساعدونا جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى لابنك العافية والشفاء.

أيتها -الفاضلة الكريمة-: حسب ما هو متوفر من معلومات وردتْ في رسالتك الواضحة بذاتها، الذي استخلصته أن هذا الطفل لديه ما نسميه (قلق الفراق)، وقلق الفراق ظاهرة معروفة جدًّا، الطفل الذي استأثر على نوعٍ معين من العناية المنزلية، قد يتوائم ويتكيف بكيفية تجعله لا يستطيع أن يُفارق من حوله، خاصة الأم، هذه احتمالية.

والعامل الثاني: -وهي احتمالية أو عامل مهم- هو: مشاهداته لمقاطع الفيديو التي تحتوي على مواد ذات طابع تخويفي، ويؤدي إلى الهرع والخوف في نفس الطفل.

والعامل الثالث: -وهو الذي يحتاج منا ومنك لشيء من التمحيص- وهو: مقدرات الطفل الذكائية، مع احترامي الشديد له، أسأل الله أن يحفظه، لا بد أن يكون هنالك مقاس وتقييم لمستوى ذكائه وإدراكه، لأن الأطفال الذين تَقِلُّ مقدراتهم المعرفية حتى وإن كان ذلك بدرجة بسيطة، تجدهم لا يتطورون اجتماعيًا بسرعة، تجدهم كثيري الالتصاق بوالديهم -خاصة الأم-، وتجد أن تعاملهم مع أقرانهم من الأطفال قد يكون فيه شيء من الصراخ والعصبية، وعدم تقدير الموقف في وقته.

أيتها -الفاضلة الكريمة-: قطعًا أنصحك بالذهاب به إلى مختص، إذا كان ذلك ممكنًا، وأنا أُقدِّر أنكم تعيشون في الدول الإسكندنافية، ربما يصعب الوصول إلى معالجٍ عربي مسلم، والطفل لا نعتبره مريضًا نفسيًا حقيقة، لكن قطعًا هنالك ظواهر يجب أن تُعالج، ومبدأ تعزيز السلوك الإيجابي، ومحاصرة السلوك السلبي، من خلال التجاهل والتوبيخ البسيط، دون إنزال أي عقوبة مغلظة بالطفل.

ويا -أختي الكريمة-: طريقة النجوم طريقة جيدة جدًّا لتعزيز سلوك الطفل إيجابيًا، ودائمًا التدرُّج في بناء السلوك الإيجابي أيضًا أمرًا جيدًا، يعني: هذا الطفل إذا بدأتِ أنت تلاعبينه ألعاب تُناسب عمره، يعني أن تنزلي أنت لمستواه العمري، وتجعلي توأمه الآخر أيضًا يُشارك في هذه الألعاب من وقتٍ لآخر، هذا يُساعد الطفل.

الأمر الآخر: التركيز على اللعب الجميلة والمفرحة للطفل، والمطمئنة وذات المحتوى التعليمي المبسط، قطعًا سوف تُفيده، وتطوير المهارات الاجتماعية للطفل، اهتمامه مثلاً بخزانة ملابسه، بترتيبها، وشيء من هذا القبيل، هذا أيضًا يُساعده، والمهم أيضًا أن نُعطيه فرصة لكي يلعب مع الأطفال الآخرين، مهما كانت تفاعلاته سلبية، لكن بالصبر والمثابرة الطفل يتعلم من الطفل، -ولا شك في ذلك-.

عملية الخوف هذه لا بد أن تكوني حازمة بعض الشيء، في أن تكوني هنالك مسافة جغرافية بينك وبين الطفل حتى في داخل المنزل، دعيه يكون في غرفة وأنت في غرفة أخرى مثلاً، سوف يصرخ ويحتجّ، لكن بعد ذلك سوف يستكين، وهكذا.

هذه هي الأسس التربوية التي يحتاجها هذا الطفل -حفظه الله تعالى-، وقطعًا أنت على إدراك تامٍّ بها مُسبقًا، لكن ودَدتُّ أن أؤكد عليها، وتحفيز الطفل، ووضع بعض الحدود التربوية بالنسبة له، كذلك أن تكون له مسافة ما بينك وبينه، وأن تتاح له فرصة التفاعل مع الأطفال، فالطفل يتعلم من الطفل -كما ذكرنا سلفًا-.

وأنا ذكرت أن مستوى هذا الطفل وذكائه -وأقصد بإدراكه إدراك المعرفة طبعًا-، سوف يكون أمرًا مهمًّا، لأنه إذا كان لديه أي نوعٍ من التأخُّر المعرفي، فلا بد أن تُكثَّف الجهود المعرفية لتدريبه وتعليمه بصورة أفضل.

باركَ الله فيك وجزاك خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً