الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتشر الفساد في كل مكان ولم أعد أحتمل الظلم ولا العيش أكثر، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، عمري 20 سنة، سعودي.

يا أخوتي بالله تعبت في هذه الحياة، انتشر الفساد في كل مكان، والظلم أصبح من القواعد الثابتة في هذه الحياة، أصبحت أرى الناس تظلم هنا وهناك، لا يكاد يمر يوم حتى أرى وأسمع صرخات الناس التي تحمل ضعف الضعفاء وعجزهم عن فعل أي شيء لحماية أنفسهم أو أعزائهم.

صرخات الناس وآلامهم التي أسمعها برأسي كل يوم، وكل مشاعرهم التي تولدت بسبب الظلم تطعنني في قلبي، أشعر بتلك الطعنات التي لا نهاية لها في قلبي، تحطمت! أريد أن أقدم شيئا لحماية المظلومين، أريد أن أعطي وأساعد المحتاجين، أريد أن أسعد الحزينين والوحيدين، أريد أن أسكن مع من لا بيت له، أريد أن أمحو الآلام.

لا بأس إذا تألمت أنا، لا بأس إذا مت أنا، لكن رؤية المظلوم يُظلم شيء يسحق أعماقي، ولم أعد أطيق الحياة بسبب كثرة الظلام فيها، لم أعد أستطع رؤية النور، ولكنني أصدق وأؤمن بوجوده بمكان ما، لم أعد أطيق هذه الحياة، لم أعد أستطيع العيش، إنني أتألم بسبب ضعفي وعجزي، لا أستطيع أن أنصر نفسي! فكيف أنصر مظلوما؟ لا أملك القوة لأدافع، ولا الغنى لأساعد، ولا السلطة لأخدم، ولا الرأي لأقدم، لذلك أنا الآن وحيد وسط الظلام.

إنني أدعو الله بكل ما في استطاعتي ليعطيني القوة لأقف وأساعد وأحاول بأن أدافع، لكن طال انتظاري ولم أعد أطيق الانتظار أكثر، فقد مللت هذه الحياة التي لم أعد أطيق الحياة فيها أبدا، بعض الأحيان أتمنى لو أنني لم أوجد في هذه الحياة المليئة بالظلام والفساد والدمار والآلام والدموع والبكاء والأنين، سحقا للبشر المفسدين، إلا من رحم ربي، لم أعد أحتمل موت المظلومين وصرخاتهم، لم أعد أطيق الحياة أريد أن أموت أو أعود إلى اللاشيء.

أتمنى لو أنني صخره على قمة جبل بعيد عن البشر أعبد الله وأسبحه إلى أن يشاء الله، أريد منكم إخوتي أن تجدوا لي حلا، لم أعد أطيق الحياة أبدا لم أعد أحتمل العيش أكثر، فلتخبروني عن شيء يعيد النور لعيني أرجوكم!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك -أخي الكريم- سعود على تواصلك معنا، ونسأل الله أن ينفع بك، ومما يمكن أن نشير به عليك:

بداية نشكرك على حرصك على صلاح الأمة، وحمل هم المظلومين، والمضطهدين، وهذه علامة على قوة الإيمان في قلبك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم برقم 2586.

واعلم -أخي الكريم- أن الظلم مهما زاد واستشرى، فإن للظالمين نهاية وخيمة، ولن يفلتوا من عقوبة الله لهم في الدنيا فضلا عما سينالهم في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق) رواه الحاكم وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1120.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. قال: ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) رواه البخاري برقم 4686. فإذا علمت أن الله لطيف بعباده، وأنه ينصف المظلوم من الظالم، وأنه يمهل ولا يهمل، فإن هذا يجعلك تشعر بعظيم عدل الله ورحمته، فلذلك لا داعي للحزن، ولا للقنوط، بل عليك أن تتفاءل فإن الفرج قريب بإذن الله تعالى.

وما تفكر فيه من ضرورة نصرة المظلومين بالدعاء لهم، وكذلك تمني الخير لهم ورفع الضيم عنهم، فهذا من الأمور المقدورة عليها، ويمكن أن نضيف عليها الإنكار على الظالمين بالحسنى، وكذلك التعريف بقضايا المظلومين، كل هذه وغيرها هو يمكن أن تفعله ويفعله غيرك من المصلحين، وأما تمني الموت وشدة الجزع مما يجري، وأن تتمنى أن تكون صخرة في جبل تسبح الله، فهذه أمور ينبغي إخراجها من خيالك وتفكيرك، لأنها تدل على العجز، والهروب من الواقع الأليم والاستعجال في التغيير، والشخصية الإيجابية الفاعلة يجب أن تعمل بما كلفها الله وبكل ما تقدر عليه تأسيا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء من قبله، والذين عانوا وقاموا بأداء الرسالة التي كلفهم الله بها، وتمكنوا من تغيير الحياة، ولم يكن من هديهم عليهم السلام التفكير الذي وصلت إليه من البعد وتمني الموت.

وأختم نصيحتي بوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6651.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات