الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منذ الصغر لم أتحمل المسؤولية وصرت الآن أتهرب منها، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أريد حلا لمشكتي في مسألة تحمل المسؤولية، فأنا أتهرب من تحمل أية مسؤوليات سواء اجتماعية أو مساعدات أو غيرها.

تخرجت الآن وأصبح الأمر أكثر صعوبة، فكلما فكرت في العمل أو عرض علي عمل أشعر بانقباض في قلبي، وانقلاب في المعدة، فأتهرب من الموضوع، ومن قبل تهربت من مواقف اجتماعية كثيرة، ومن أحد أسباب عدم ذهابي للكلية هي تحمل المسؤولية الاجتماعية والتعاملات.

علما أني قد خضت تجربة العمل مرتين، وكل مرة كانت يومين فقط، وكلما عدت من العمل كنت أشعر بالرغبة في البكاء وشعور الاكتئاب والموت، مما يؤدي إلى عدم استمراري في العمل.

وأنا صغير لم أعتد على تحمل المسؤوليات، وأشعر الآن أني أقل من أصدقائي لأنني الوحيد الذي لا يعمل.

أرجوكم أفيدوني، هل هي مشكلة نفسية أم مشكلة عابرة؟ وما علاجها؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إذا أردنا توصيف مشكلتك التي في رسالتك فهي: أنك غير قادر على تحمل المسؤولية، حتى في مجال العمل كلما عدت إلى العمل تشعر برغبة بالبكاء، وصدرك ينقبض، وتشعر بالاكتئاب وكأنك ستموت إذا أنت ذهبت إلى العمل، لذا لم تكن تستمر في العمل.

لم تذكر لنا أي سبب مباشر أو غير مباشر لهذه الحالة، ولم تذكر أي مبرر لما يحدث لك، ومع ذلك سأتلمس من بين السطور ما يمكن ان يكون علاجاً لحالتك -إن شاء الله-.

إن إحدى الدراسات أثبتت أن 20% من الناس يولدون ولديهم حساسية مفرطة من الضغوط التي تواجه كلًا منا، ويظهر ذلك عند تعرضهم لمواقف يجبرون فيها على المواجهة وتحمل المسؤولية، فيتملكهم التوتر والقلق الشديد والذى لا يجدون منه مفراً إلا تجنب هذه المواقف قدر استطاعتهم، وهذا السلوك يحلله علماء النفس بأنه ناتج عن رغبة الشخص في إخفاء عيوبه، ونقاط ضعفه، ولعل ذلك يعود إلى فترة طفولته التي كان يشعر فيها أنه عاجز عن القيام بأي شيء بمفرده، وربما لأنه كان يسعى دائماً لإرضاء من حوله ولكن محاولاته كانت تبوء بالفشل لأنه يلقى سخرية أو استهزاء من أقرب الناس إليه، ومن المحتمل أن الأهل كانوا يقومون بمقارنة الطفل بغيره، هذه المقارنة كفيلة بتثبيط أي دفع وجعل الإنسان يتراجع تلقائياً عن القيام بأي عمل يُكلف منه، مما يولد لديه تهرباً من المسؤولية لاحقاً، والشعور بالضغط النفسي إن أرغم نفسه على القيام بعمل ما، فيفشل فيه، لأنه يمتلك تصوراً سلبياً عن ذاته، أنه فاشل عاجز ولن يلقى عمله قبولاً لدى الآخرين.

وحين يفشل يفقد ثقته بنفسه، وقدرته على القيام بأي عمل، ومع مرور الوقت يصبح أسلوبه في حياته إما تسليم القيادة للآخرين، أو التهرب من المسؤولية.

الحلول والعلاج:
1- أول عمل عليك القيام به هو: أن تغير قناعاتك ومعتقداتك، وتتخلى عن الصورة السلبية التي ترسمها لذاتك، وأن تعمل على تعزيز ثقتك بنفسك، ورسم صورة ذاتية مفعمة بالحيوية والإيجابية والمبادرة.

2ـ من خلال التدرج في تحمل المسؤولية، أقترح عليك أن تبدأ بعمل شخصي وصغير، على سبيل المثال كأن تزور دارًا للمسنين بشكل دوري، وأن تتعهد مسناً وتقدم له العون والمساعدة، أو داراً للأيتام، فإن قمت بهذا العمل على أكمل وجه ستبدأ تعزز ثقتك بنفسك، وأنك قادر على تقديم العون وتستطيع إدخال السرور إلى قلوب الآخرين ذلك سيعطيك دفعاً ولو خطوة للأمام.

3ـ عزز ثقتك بنفسك من خلال الرسائل الإيجابية التي ترسلها إلى الدماغ يومياً قبل النوم واجعلها مكتوبة، اكتب على مذكراتك الخاصة، أنك شاب قوي، واثق بنفسه، قادر على تحمل المسؤولية، ناجح في حياته، ينال دائماً إعجاب الآخرين بما يقوم به، ثم أغمض عينيك وتخيل أنك هكذا بالفعل واسرح بخيالك مع أدق التفاصيل حتى تشعر بالرضى يغمر روحك، ولاحظ أنك ستستيقظ وأنت في قمة التفاؤل والنشاط، لأن الله سبحانه وتعالى أودع في العقل الباطن آلية عجيبة ألا وهي أنه يتفاعل مع الخيال كما يتفاعل مع الحقيقة، ويبدأ يتعامل مع الخيال وكأنه حقيقة واقعة، أي أنك ستبدأ تلقائياً بتحمل المسؤولية فعلاً وستبدأ تشعر بالقوة.

4ـ احرص على مصاحبة الأشخاص الإيجابيين الذي يعززون لديك المعنويات العالية والتي هي مهمة جداً في علاج مشكلتك، فاطلب الدعم والعون من أشخاص تثق بهم، إخوانك أو والديك أو أصدقائك، وأخبرهم بكل ما يثير مخاوفك وما يدور في رأسك من أفكار سلبية، إن هذا التفريغ سيجعلك تتخلص من الأفكار السلبية المسيطرة عليك، حينها بإمكانك أن تتخلى ببساطة عن الأفكار السلبية وتتحلى بالأفكار الإيجابية.

5ـ اعلم أن الهروب من المشكلة ليس حلاً، فأنصحك الآن أن تبحث عن عمل جديد، ولكن ضع لنفسك هدفاً من هذا العمل ألا وهو مثلاً أن تبدأ بالتأسيس لمستقبلك وليكون لديك عملك الخاص، لتصبح قادراً على الزواج وبناء أسرة وتكون أباً لأطفال رائعين كل ذلك سيعطيك محفزاً، وفي اللحظة التي تشعر بها بالضيق والرغبة بترك العمل ضع هدفك أمام عينيك واسرح معه في خيالك مع أدق التفاصيل هذا سيمنحك القوة على المضي بقوة في العمل ويوماً بعد يوم ستجد أنك تعودت على العمل بل وأحببته.

6ـ إن العلاقات الاجتماعية مهمة جداً، وفي البداية لا أطالبك أن تبني علاقات مع كل الأشخاص الذين تقابلهم، بل ابدأ مع الأشخاص المقربين، الذين تجد بينك وبينهم نقاطاً واهتماماتٍ مشتركة فهذا سيساعدك على خوض حوارات ونقاشات معهم، وشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وبادرهم في النصح والإرشاد كل ذلك سيعزز علاقتك بهم، ويجعلك قريباً منهم، وفي هذا المجال بإمكانك حضور الدورات والندوات لتنمية مهارات التواصل الفعال لديك، أو حتى حضورها عبر الشابكة.

7ـ إن عقلك الباطن كما يتفاعل معك إيجابياً أيضاً يتفاعل معك سلبياً فأرجوك ألا تكرر نهائياً ما ذكرته من عبارات سلبية في رسالتك أنك لا تتحمل المسؤولية، ولا تطيق الاستمرار في العمل ولو بينك وبين نفسك، بل على العكس كلما خطرت في ذهنك أبعد تفكيرك عنها وركزعلى الرغبة بالإنجاز والعمل وبناء المستقبل.

8ـ احرص على التزود من الطاقة الروحية والإيمانية فإنها تمنحك الدعم الكبير، لذا أنصحك بحضور مجالس العلم، والتزام الصلوات الخمسة في جماعة، والمحافظة على أوراد الصباح والمساء، وأيضاً الإكثار من الذكر والاستغفار، كل ذلك يفتح أمامك ما استغلق من الأبواب وستجد نتائج تسرك وتريح قلبك، بإذن الله تعالى.

أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح والصلاح في الدارين اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً