الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي لا ينفق علينا ولا يشتري لنا الملابس.. فكيف أتصرف معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا امرأة أبلغ من العمر 27 سنة، متزوجة منذ سبع سنوات، وأم لطفل أنجبته بعد إجهاضات كثيرة.

مشكلتي مع زوجي الذي لا ينفق إلا على الطعام والشراب، فمنذ أن تزوجنا اشترى لي ملابس قليلة تعد على الأصابع، علما أنه يعمل، لكن دائما يتحجج بأنه لا يملك المال، ويجب علي أن أصبر، وأنا صبرت معه، حتى الأعياد لا نشتري ملابس جديدة فيها.

المشكلة نفسها تتكرر مع ابني، يلبس من هدايا الأحباب -الحمد لله- لكن صبري بدأ ينفد، وليت تقصيره كان فقط في اللباس، فنحن لا نخرج أبدا للتنزه، وأنا دائما حبيسة البيت أخرج فقط لأهلي وأهله، فهو لا يسمح لي بالخروج أبدا، والقطرة التي أفاضت الكأس هي تجاهله لي، فلا يسأل عن أحوالي، ولا يتحدث ولا يضحك معي.

أحس أنني لست متزوجة إلا أثناء العلاقة الزوجية فقط، قرأت فتاوى كثيرة تبيح الأخذ من مال الزوج إذا كان لا ينفق على زوجته، بدأت بأخذ حقي منه خفية، لكن ضميري يؤنبني دائما، أخاف أنني بذلك أظلمه وإخوته، ولكنني أحتاج إلى اللباس مع ابني.

الغيرة بدأت تدخل قلبي عند رؤية قريناتي يلبسن أحسن الملابس، ويتزين لرجالهن ويخرجن مع أزواجهن، ويرفهن على أنفسهن، وأنا صابرة معه ولا يوجد أي تحسن أبدا.

أنا خائفة أن أكون قد ارتكبت إثما بتفكيري هذا، وأكون من النساء اللواتي يقلن لأزواجهن لم أر منك خيرا قط ،علما أن زوجي صبر معي في إجهاضاتي المتكررة وعالجني، وهو لا يضربني ولا يسبني، ويحترم أهلي، ويصلي -الحمد لله-، فيه صفات كثيرة جيدة، لكنني محتاجة للباس على الأقل من أجله كي يدخل ويرى زوجته في أبهى حلة.

علما أننا نعيش في زمن الفتن، وهناك فتيات يخرجن في كامل أناقتهن، وأخاف عليه أن يفتن بهن، أفيدوني ماذا أفعل؟

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ FARAH حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وجميل دينك وصبرك وأخلاقك، وشكرك لفضل زوجك -رغم شكواك من تقصيره المالي وجفائه العاطفي- واستحضارك للنهي الوارد للزوجات المنكرات فضل الزوج، والقائلات: (ما رأيت منك خيراً قط), ولذلك أوصى إبراهيم ولده إسماعيل عليهما السلام بطلاق زوجته, وقال له: غيّر عتبة دارك, وذلك حين بالغت في شكواه, وقد صح في الأحاديث: (لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه)، (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار, قُلن: وبمَ يا رسول؟ قال : تسرعن اللعن وتكثرن الطعن وتكفرن العشير).

وأما بخصوص شكواك من تقصير زوجك -وفقه الله وأصلحه- في توفير الملابس والخروج إلى المتنزهات، وفي الحديث والضحك معك، وعدم السؤال عن أحوالك, فإن الحل يمكن تلخيصه بالآتي, والله الموفق والمستعان:

- ضرورة استحضار الجوانب الإيجابية لدى زوجك وهي كثيرة وطيّبة -بفضل الله- عليه وعليك, ولزوم الاعتراف والإقرار والشكر له على جميل كَدّه وتعبه في القيام بأعباء الأسرة وتكاليفها الشاقة، ذلك أن شكر الزوجة لزوجها على الدوام على معروفه وفضله وكدّه في العمل والتعب والنفقة، ودعواها له بالعِوّض والإخلاف, كما دلَّ على فضله الشرع, فقد أثبت المواقع والدراسات أنه من أعظم أسباب السعادة الزوجية وبقائها وهنائها واستقرارها, وقد صح في الحديث: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس).

- ضرورة التفهّم للأسباب الدافعة لهذا التقصير, فلا شك أن معرفتك بالأسباب الدافعة إلى هذا التقصير والإخلال كثيراً ما يرجع إلى افتقاد الزوج عادة للشعور بالأمان, وتغيُّر الظروف والزمان، أو تأثير الماضي والتربية والبيئة عليه سلبياً, وهذه المعرفة مما تسهم في التخفيف من حدة هذه الصفة ما أمكن، أو إزالتها مطلقاً, ثم التعامل بهدوء إزائه, والحذر من السخرية منه باتهامه بالبخل, وتقديرك لقلقه من المستقبل وإقرارك بأهمية الاقتصاد في النفقة إلا في حدود الضروريات والحاجيات اللازمة للمعيشة.

- العمل على تحلي زوجك بالصلاح والاستقامة والإقبال على الله تعالى بالأعمال الصالحة, وعدم المبالغة في التعلق بالدنيا وتذكُّر الموت واليوم الآخر, ومعرفة الرب سبحانه بكمال أسمائه وصفاته, ومنها الرزّاق الجواد الكريم, والتعبُّد لله تعالى بالتحلي بها؛ لما لا يخفى من علاقة هذا الجانب وارتباطه بالغفلة عن الله والآخرة, وذلك يستلزم دفعه بالطرق غير المباشرة إلى متابعة الخُطب والمحاضرات والدروس والمواعظ والبرامج النافعة والمفيدة, ولزوم الصحبة الطيبة المتحلية بمحاسن الأخلاق, ومنها الكرم والجود, وفي الحديث الصحيح: (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل), ومن المهم هنا توفير القدوة الحسنة منك بحسن الخدمة والمعاملة والكرم.

- كما ينبغي لك الاتفاق مع زوجك بتحديد المصاريف والنفقة المهمة فيما يتعلق بأجرة البيت والدراسة والتعليم والصحة ونحوها, وحاولي إحراجه أحياناً بطريقة لبقة وذكية غير مباشرة في توفير المستلزمات بوضعه أمام الأمر الواقع، كاصطحاب أطفالك معه إلى السوق.

- من الحكمة أحياناً التعريض والتورية بذم البخل والأنانية بطريقة غير مباشرة لدى آخرين من الناس، وامتداح الكرم والجود لدى زوجك وآخرين أيضاً, واحذري أن تستفزي عناده وكبرياءه, أو أن تستغلي كرمه النادر, وأظهري انزعاجك من اضطرارك للأسعار المرتفعة وكراهيتك لشرائها لولا الضرورة, واستغني عن شراء غير الحاجيات.

- وأما عن حُكم الأخذ من ماله من غير إذنه وعلمه, فلا حرج في ذلك عند الضرورة والحاجة, فقد ثبت في الصحيح قوله -صلى الله عليه وسلم- لهند بنت عُتبة زوجة أبي سفيان: (خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، وفي رواية: (خُذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بَنيك), أي أنه يجوز أن تأخذ من غير علمه, لكن بقدر كفايتها وولدها من غير زيادة, مع مراعاة حاجتها اللازمة وقدرة زوجها المالية, كما يُشترط الإسرار وعدم الإسراف, ومراعاة المصلحة في ذلك والمفسدة بحيث لا يؤثر ذلك على الزواج ولا يؤدي إلى مفاسد أكبر.

- الدعاء, وأثره الحسن في صلاح الدين والدنيا, ومنه حسن الخلق والكرم، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ}, وقد صح من دعائه وأذكاره -عليه الصلاة والسلام- قوله : (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)، وهو في صحيح سنن أبي داوود للألباني -رحمهما الله-.

أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقنا وإياك وزوجك محاسن الأخلاق ويجمع شملك وزوجك على سكن ومودة ورحمة وخير, والله الموفق والمستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً