الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أستطيع التوفيق والإصلاح بين الوالدين؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة عمري 25 عاما، حالياً وضع البيت متوتر جدا، بسبب وجود مشكلة بين أبي وأمي، والسبب الأساسي الوالد كان يعمل في قطاع خاص، والآن تقاعد عن العمل، وبدأ في السفر أحيانا لغرض ما، وأحيانا للمتعة فقط، والوالدة دائما تلقي اللوم على الوالد بأنه مقصر، وأنه لا يحترمها، والكثير من الشكاوى، ولذا فالوالدة قررت الاعتزال عن الوالد بغرفة أخرى، ولا يوجد بينهم نقاش إلا للضرورة القصوى.

هذا الوضع له 8 شهور، علما أن زواجهم دام 26 سنة، والبيت صار كئيبا، إخواني لا يحسون بالأمان؛ بسبب كثرة المشاكل، عددهم 4 وأنا الأخت الكبرى، أريد حلا لهذا الأمر، لأنه إذا استمر هكذا فالنهاية ستكون الانفصال، ولا نريد هذا الشيء أن يحصل.

حاولت بشتى الطرق كي ألطف الأجواء، ولكن للأسف لا أحد منهم رضي أن يبدأ ويكلم الطرف الثاني، وقد دعودت الله كثيرا أن يبشرني بصلاحهم، والله إن الدمعة من عيني لا تجف، أريد رجوعهم لبعض.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Ree حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع , فأسأل الله تعالى أن يفرّج همك ويشرح صدرك وييسر لسبل الإصلاح أمرك، ويعينك على ما يحب ويرضى.

إن مما يسهم في معالجتك للمشكلة الحاصلة بين والديك ويجمع شملهما، يتمثّل أولاً في إدراك أهمية وفضل ونُبل هذا المقصد الشريف، كونه من أعظم البر للوالدين وصلة الأرحام, ويترتب عليه أعظم الأجر والثواب, ورغم استصغار الكثير من الآباء للأبناء، إلا أن كونك الابنة الكبرى يؤهلك لعملية الإصلاح، وجمع الشمل، شريطة التحلي بالحكمة والحذر من مخاطبتهما بالطريقة المباشرة، والتي قد يُفهم منها الفوقية والتعالي, مما يستلزم منك التدخُّل بلباقة وحيادية، والحذر من الانحياز لأحدهما، منعاً من إيقاع الفتنة بينهما وزيادة حدّة الخلاف والصراع.

التحاور والتواصل معهما بمقتضى الاحترام واللطف والرفق وحسن المعاملة والخدمة لهما, فكما أن ذلك من الواجب الشرعي, فهو يسهم أيضاً في ثبوت مصداقيتك وقبول النصح منك.

التحلي بالحكمة في اختيار الوقت والأسلوب المناسب في دعوتهما بلطف إلى احترام بعضهما، والحرص على إصلاح الأخطاء وتصحيح المعاملة، والتنازل عن الرأي ما أمكن, وضرورة تقبّل بعضهما على ما هم عليه من أخطاء وعيوب وتجاوزات, كتنبيه الوالدين إلى إظهار المزيد من المحبة والاحترام, والتغافل والتسامح منهما ما أمكن عن السلبيات التي لا يخلو منها إنسان (كل بني آدم خطّاء, وخير الخطائين التوابون) واستحضار الإيجابيات الكثيرة والتي تحفُل بها حياتهما الزوجية الطويلة والجميلة، وذلك مقتضى حسن العشرة والوفاء بالجميل, واحتساب الأجر الجزيل من الرب الجليل سبحانه وتعالى, وتذكير الوالدة بقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة : (ألك زوج؟ قالت: نعم, قال: انظري أين أنتِ منه, فإنما هو جنتك ونارك) وفي حديث آخر: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد, لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ؛ لعظم حقه عليها) وفي المقابل تذكير الوالد لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) وقوله أيضاً: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة, إن كره منها خلقاً رضي منها خُلقاً آخر) وقال تعالى: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراُ كثيرا) وكما قال الشاعر:

فإن يكن الفعلُ الذي ساء واحداً ** فأفعالهُ اللائي سررن كثيرُ

وقال الآخر:
وإذا الحبيـب أتـى بذنبٍ واحدٍ ** جاءت محاسنهُ بألف شفيعِ

التذكير بأن الاختلاف لا يتنافى مع ثبوت المحبة ووجود النقص, فالاختلاف والنقص طبيعة بشرية, والكمال المطلق لله تعالى فحسب, ولنا في البيت النبوي أبلغ أسوة وعبرة, والتذكير بواجب تحمُّل مسؤوليتهما في إضفاء جو الأمن والاستقرار في الأسرة، ومنع أسباب التفكك الأسري, ويحسن الاستعانة بمن تأنسين منهم الحكمة والحُجّة والقبول لديهم والتأثير عليهم من أهل العلم أو الأقارب والأرحام , والأفضل أن تقترحي عليهما باحترام ولطف أن يطلبا المساعدة من جهة موثوقة لديهم أو من جهة اختصاصية معتبرة.

دعوتهما إلى التجديد المستمر في البيت، والخروج المشترك إلى الزيارات للأهل والأقارب والأصدقاء, فإن ذلك يبعث على الدفء والحنان, فالروتين الممل يبعث على الكآبة والضيق كما تثبت الدراسات.

من المهم أن تبدئي – أختي الفاضلة – بنفسك في الشعور بالتفاؤل والسعادة لعكس هذه المشاعر الإيجابية بين الوالدين وعموم الأسرة, وكوني واقعية في تقبُّل والديك على ما هم عليه, وتجنّبي الشعور بالغضب والقلق والكآبة والهم والحزن، لما لذلك من آثار سلبية وسيئة في إفساد شخصيتك ونفسيتك, فلا تدعي سلوكهما يؤثر في سلوكك, ولا تلومي نفسك على هذه المشكلات, وتذكري أن المشكلات الأسرية ظاهرة اجتماعية, وأن الواجب بذل ما يمكن من النصح والتذكير (فذكّر إنما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر).

كما أوصيك بضرورة تعلّقك بربك تعالى، ولزوم ذكره وشكره وحسن عبادته, واحذري من أن تملي من الصبر والدعاء, فلو شاء الله لحقق لك مرادك وغيّر الحال في طرفة عين (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون), فعليك بكثرة اللجوء إلى الله بالإكثار من الذكر والدعاء وقراءة القرآن والعمل الصالح, وتذكّري معيّة الله تعالى للصابرين والمصلحين والمحسنين والمتقين (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).

أسأل الله أن يفرج همك، وييسر للإصلاح أمرك، ويشرح صدرك، ويرزقكِ الصبر والحكمة والتوفيق والسداد, ويصلح والديك ويجمع شملهما والأسرة على المودة والرحمة, والله الموفق والمستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً