الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدعو الله كثيرا ولم يستجب لي.

السؤال

السلام عليكم..

أنا فتاة عزباء في الـ 23 من عمري، مثلي مثل أي شخص له حاجة عند رب العباد أدعوه كي يجيبني.

في الحقيقة حتى أكون صريحة، دعوت الله أن يعطيني حاجتي المرة الأولى، وتقربت منه كثيرا في قيام الليل والنوافل وبقراءة القرآن وصلاة الحاجة والاستخارة، الحمد لله أجاب دعائي وأعطاني حاجتي، لكنني مع الأسف تخليت عن القيام والدعاء والذكر والاستغفار وتلاوة القرآن، وحافظت على الصلوات المفروضة فقط، مرت الأيام وأنا فرحة بحصولي على ما أريد.

بعد ذلك أخذت مني حاجتي، يعني صارت مشكلة وأبعدت عني، فعدت وتقربت إلى الله، وصرت أدعوه بإلحاح وأقوم الليل وأدعو وأصلي الفجر، وواظبت على قراءة سورة البقرة والأذكار والتسبيح والاستغفار، وصرت لا أكسر خاطر أحد حتى لا يكسر بخاطري.

أصلي بعد كل صلاة ركعتين، وحافظت على صلاة الضحى، ولا أنام إلا بعد صلاة 8 ركعات على الأقل، وأصبحت أراقب أكلي وشربي حتى لا يكون إلا حلالا.

حتى عند شعوري بالضعف ألجأ إلى الله وألح في الدعاء، صليت الاستخارة عدة مرات لكن حاجتي لم تقض، ولم تصرف عني، بل زدت تمسكا، تحريت أوقات استجابة الدعاء وأدعو الله فيها بيقين أن الله سيجيب دعائي، وأصبحت أصوم يومي الاثنين والخميس وإن شاء الله سألتزم.

أعلم أن الإجابة ستكون إحدى ثلاث، إما تعجيل الإجابة أو الثواب أو دفع البلاء، وأنا على يقين بأن الله يستجيب لي لا محالة، فهو سبحانه قال "ادعوني أستجب لكم"، وقال: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه، وأيضا إذا سألك عبادي عني أني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان".

منذ يومين أو أكثر خطر ببالي أن عدم إجابتي هو إحدى اثنتين، إما أنه ابتلاء من الله وأنا صابرة، أو أنه عقاب لي لأنني تخليت عن كل هذا المرة الماضية، وصرت أصلي أكثر وأبكي بحرقة لدرجة أنني أخاف أن يسمع أهلي صوت بكائي.

صرت أدعو الله وأسأله المغفرة لأنني ابتعدت، طلبت التوبة والعفو وسألته الثبات، الله يعلم أنه إن شاء الله واستجاب لي لن أتخلى بل أتمسك أكثر لأنني تبت ولن أعود لنفس الخطأ.

أبكي كثيرا عند صلاتي ودعائي، أحيانا لدرجة أن صوت بكائي مسموع ولا أستطيع مواصلة الدعاء وأحيانا بكاء خفيفا، وأحيانا لا أبكي، لكن في كل الحالات أشعر برعشة خفيفة تجري في جسدي، وأشعر براحة وبقرب الله مني.

أحيانا لا أبكي عند الدعاء بل أبكي بسبب شعوري بأن الله قريب وأنه سيستجيب بإذنه، وأواصل دعائي بابتسامة، مع هذا ما زالت أنتظر الإجابة، وعندي شعور بأن الله لن يخيبني، خاصة وأنه بعد صلاة الاستخارة؛ لأنه لم يصرف عني الإلحاح في حاجتي، ولأني تبت إلى الله وخاصة شعوري بالراحة والفرح بعد صلاة الاستخارة أو أي صلاة أخرى والدعاء إلى الله، لن أستعجل ولن أترك دعائي وتقربي من الله أبدا، بل سأزيد إلحاحا، وأسأل الله أن يوفقني ويثبتني، لكنني في الحقيقة أشعر بصراع داخلي من جهة أني على يقين ومتفائلة خيرا وصابرة، ومن جهة أخرى أشعر بالتعب والضعف أحيانا، فأنا إنسان، والإنسان ضعيف.

صحيح أنني أسارع إلى الصلاة عند الضعف وأبكي بين يدي الله وأرمي همومي، وأسأله ما أريد، وأقوم أقوى بكثير من الأول، وأعلم أيضا أنه إذا أراد الله أن يعطي عبده شيئا ألهمه الدعاء.

لكنني في حاجة إلى نصيحة -بارك الله فيكم- فإن الصراع بداخلي يكاد يقتلني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mayssa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك، ونشكر لك التواصل والاهتمام، ونحيي يقينك وثقتك في الذي لا يغفل ولا ينام، ونسأل الله أن يحقق لك مقاصدك والمرام، وأن يوفقك على الدوام، وأن يحشرنا جميعا في صحبة رسولنا الإمام في فردوسه الذي أعده لعباده الكرام.

نصيحتنا لك بأن تثبتي على ما أنت عليه من الإلحاح في الدعاء وصدق الإقبال على رب الأرض والسماء، وأبشري واستبشري فلا بد لمكثر القرع للأبواب أن يلج، فكيف بمن تطرق باب أكرم الأكرمين؟

ولا يخفى على أمثالك أن الدعاء في حد ذاته عبادة، وأن أبخل الناس من بخل بالدعاء، وقد أدرك سلف الأمة هذه الحقيقة فكانوا يسألون الله ملح الطعام إذا فقدوه، بل كانوا يسألون الكريم الوهاب شسع النعل إذا انقطع، وقد قال الفاروق رضي الله عنه: أنا لا أحمل هم الإجابة؛ لأن الله تكفل بها، ولكني أحمل هم السؤال، ومن ألهم السؤال فاز بالإجابة.

وقد ذكر الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- أدب السلف في ذلك فقال: كانوا يسألون الله فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلك لا يجاب، أو يقول لعل المصلحة في أن لا أجاب، وهذه إشارات مفيدة، فقولهم مثلك لا يجاب اتهام للنفس بالتقصير، وذلك مما يدفع لمزيد من الإقبال والاستغفار والابتهال.

أما قولهم لعل المصلحة في أن لا أجاب، ففيه إشارة إلى أن ما يختاره الله للإنسان أفضل مما يختاره الإنسان لنفسه، وأن الله قد يمنع إجابة الطلب لمصلحة عبده أو أمته.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه والإلحاح في الدعاء، وتقبلي ما يكتبه ويقدره ربنا القدير، وتعوذي بالله من شيطان همه أن يقعد للناس ليحول بينهم وبين السير على الصراط المستقيم.

واعلمي أن الاستمرار في الذكر والدعاء غنيمة، وأن إدمان الدعاء بعد تحقق المطالب لون من الشكر للوهاب كما أن في التأخر في الإجابة مزيدا من الانكسار والافتقار للغني الوهاب سبحانه، والشكر والصبر والافتقار كلها منازل للعابدين السالكين السائرين في إرضاء رب العالمين.

وفقك الله للخير وقدر لك بفضله الخير وأرضاك بما يقدره لك، ومرحبا بك في موقعك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً