الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد حلا يصلح علاقتي بزوجي وعلاقتي بالعالم الخارجي، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة حديثة الزواج، عمري 26 سنة، منذ سنتين انفصل والداي عن بعضهما، أمي لا تحترم أبي، وكنت أراهما يتخاصمان، وكانت تكره أمه وأخته، وتنعته بأسوأ الألفاظ وتشتم أهله، وكان لا يجيبها ويترك المنزل.

كانت أمي لا تترك صلاة إلا وتصليها في وقتها، وتقرأ القرآن كثيرا تختمه أحيانا مرتين في الشهر، وهذا ما كان يصدمني، فأنا أعلم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكنها كانت سريعة الغضب.

أمي كانت تضربني في طفولتي كثيرا لأتفه الأسباب، حيث كانت تترك لي آثارا جسدية زرقاء، وصديقاتي في المدرسة يشاهدن هذه الآثار، ويعلمون بسبب ضرب أمي.

عندما كبرت انتقلت إلى العيش في فرنسا (في عمر 22 سنة) لأكمل دراستي، فاكتشفت العديد من النواقص عندي، اكتشفت أنني لا أملك الثقة بنفسي وأخجل كثيرا (في الدراسة مع الأصدقاء)، حتى أنني لا أنطق بكلمة في القسم، ولا أقدر على طرح سؤال على الأستاذ أمام الطلبة.

عندما تزوجت صرت أعيد كل ما كانت تفعله أمي مع أبي، رغم أنني كنت أراها مخطئة، وما كانت تفعله غير لائق، اكتشفت أيضا أنني أغار على زوجي غيرة مرضية حتى من أمه وأخواته البنات.

المشكلة أنني ربما أعلم مصدر كل هذه الطباع (أخذتها من أمي) ولكني لا أعلم كيف أتجاوزها وأصير إنسانة مستقلة بشخصيتي، أريد أن أكسب ثقتي بنفسي وأمحو هذا الخجل المرضي.

ذهبت لعدة أطباء نفسيين لم ينفعوني (ربما لأنهم كانوا فرنسيين).

أريد حلا يصلح علاقتي بزوجي وعلاقتي بالعالم الخارجي.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سحر حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

إن صفات المرء تنقسم إلى قسمين الأول: صفات جبلية فطر الإنسان عليها بمعنى أنها خلقت معه، والثاني: صفات مكتسبة وهي التي يكتسبها ممن حوله من الناس كالوالدين والأقران، وهذه الصفات منها ما يكون حسنا، ومنها ما لا يكون حسنا والإنسان بتوفيق من الله ثم بعزمه يقدر على تغيير صفاته السلبية بالصبر والمصابرة والممارسة.

لقد صح في الحديث قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله)، وقال -عليه الصلاة والسلام- للرجل الذي طلب منه الوصية: (لا تغضب فكرر مرارا فقال لا تغضب).

تغيير الصفات السلبية يحتاج من المرء أن يكون مستسلما منقادا لأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك فأوصيك بالاجتهاد بتقوية إيمانك من خلال كثرة تنويع الأعمال الصالحة، وأهمها أداء الفرائض كما أراد الله، ثم الاجتهاد في نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن والصدقات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع العناية بالأعمال القلبية كمراقبة الله تعالى والخوف منه، والخشوع واليقين بأنه يرانا ويسمعنا وغير ذلك.

لقد كنت صريحة وشفافة في توصيف حالتك وتشخيص السبب فجزاك الله خيرا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رغبتك في تغيير حياتك -وإن شاء الله- توفقين لذلك.

عليك أن توقني أن حقوق زوجك متنوعة فمنها ما هو حق لك ومنها ما هو حق لغيرك، وهذه الحقوق قد تكون واجبة عليه كصلة الأرحام، ولهذا فيجب عليك أن تعينيه على أداء تلك الواجبات لا أن تقفي حجر عثرة في طريقه، فمريه أن يبر أمه وأخواته فبره بهن لن يعود عليك بالضرر، بل سيعود عليك بالنفع فإنك بإعانتك له ستكسبين قلبه وحبه.

غيرتك على زوجك من والدته وأخواته سيجعله يميل لهن ميلا خارجا عن العادة، وذلك ما تخشينه ولن يستطعن استمالته أو تنفيه منك إن كنت عونا له على برهن لأن سلوكهن سيكون مغايرا لسلوكك، ولذا فإن زوجك سيعرف أنك منصفة ولن يتخلى عنك بل سيكون في صفك.

اعملي بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال لمن طلب منه الوصية: (لا تغضب) والغضب جمرة من الشيطان، زني كلامك قبل أن يصدر من فمك، فإن كان الكلام يعود عليك بالنفع فتكلمي، وإن كان يعود بالضرر فلا تتكلمي، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإنه يدفع بالكلام دفعا إلى فم ابن آدم، والكلام مثل الرصاصة إذا اندفعت قتلت.

الغضب جذوة نار من الشيطان الرجيم يدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه- حين رأى رجلا قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه (إني لأعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد)، فعليك كلما ظهر الغضب أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم فإن أتاك الغضب وأنت قائمة فاجلسي، وإن أتاك وأنت جالسة فقومي أو اضطجعي وعليك بالوضوء فإنه مما يطفئ الغضب.

كوني متأنية واحذري من التعجل فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (التأني من الله والعجلة من الشيطان).

الرجل يحب أن يكون معتدلا في تصرفاته، ولا يحب أن يتسلط عليه أحد أو يحاول أن يسيره بالطريقة التي يراها، وأي أحد يحاول ذلك فإن الضرر سيعود عليه فاحذري من محاولة السيطرة عليه، أو محاولة إجباره على تنفيذ ما تريدين.

أكثري من ذم الغضب، وأسمعي نفسك كلمات الذم فذلك أدعى لمقته والابتعاد عنه، وكوني مصرة على تركه والانتصار عليه، وتذكري دوما ما وصلت إليه والدتك من أنها صارت مطلقة بسبب غضبها، فذلك سيجعلك تذمين الغضب وتبتعدين عنه.

لا تحدثي أي تصرف أثناء الغضب بل عليك أن تكتمي غيضك وغضبك، ولا تردي على زوجك في تلك الحال، وأكثري من ذكر الله تعالى والاستاذة بالله من الشيطان الرجيم كما أوصيك، أو تنتقلي من المكان الذي حدث فيه الغضب وتذهبي إلى مكان آخر وتمارسي أي عمل يلهيك عنه ويذهبه.

النقاش أثناء الغضب يزيد من حدة الخلاف والتوتر، ويوسع الهوة، ولذلك فلا تناقشي ولا تحلي مشاكلك أثناء فوران الغضب، بل لا بد أن يذهب الغضب وحينها لا بد من تحين الوقت المناسب لحل أي إشكال بطريقة ودية وهادئة.

لا بد أن يفهم زوجك هذه الصفة وعليك أن تخبريه أن يتعاون معك من أجل ترك هذه الصفة، خاصة في حال عدم ردك عليك، أو الانصراف عن محاورته، ويجب أن يفهم أن ذلك كله من أجل أن تكبحي جماح الغضب.

أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يذهب عنك الغضب، وأن يعينك على تركه، فالله تعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة فقال: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

أكثري من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

اعلمي أن الله يحب الصفات الحسنة كالحلم والأناة، فإذا أيقنت ذلك فإنه سيكون دافعا لك للتخلق بتلك الصفات يقول عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة) قال نشأت عليهما أو جبلت عليهما قال: (بل جبلت عليهما)، فقال: -الحمد لله- الذي جبلني على الخير، وانظري قوله: نشأت عليهما فمعناه هل تربيت على ذلك واكتسبتهما ممن حولي فهذا يدل على أن الصفات تكتسب.

احذري أن تعطي نفسك رسائل سلبية كقول إنك لا تقدرين على ترك هذه الصفة، بل اجعلي رسائلك لنفسك إيجابية فقولي سأغير من صفاتي وسأترك الغضب وأنا قدرة على تركه، والسبب في هذا أن العقل يستقبل جميع الرسائل، ويتفاعل معها ثم يعطي أوامره لبقية أعضاء الجسم للتفاعل معها والعمل بموجبها.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

الحياء من الإيمان ورفع الصوت على الزوج ينافي الحياء بل هو نوع من النشوز، ومن صفات المرأة الصالحة أنها تطيع أمر زوجها وتسره إذا نظر إليها، والتعامل مع الناس خارج البيت يجب أن يكون في حدود المصلحة.

ما تسمينه بالخجل هو الحياء بعينه، ولذلك فلا يذم خجلك بل هو صفة محمودة، ويمكنك إن استحييت من الرجال أن تحصلي على مطلوبك من بنات جنسك كزميلاتك في الدراسة مثلا، أو طرح السؤال والنقاش مكتوبا سواء للمعلم أو عن طريق إحدى زميلاتك.

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن ينفعك بهذه التوجيهات، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً