الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المرض الوراثي جعلني أعزف عن الزواج، فما نصيحتكم لي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا رجل أبلغ من العمر 31 سنة، عندما كان عمري 11 سنة مرض أخي بمرض عقلي دمر حياتنا كلها من شدة الضغط والمشاكل، ثم عندما أصبحت في العشرينات جاء دور أختي فمرضت نفس المرض، وعشنا نفس المعاناة، علما أن عمتي عانت من نفس المرض ألا وهو انفصام الشخصية.

الآن أنا لا أريد الزواج للأسباب التالية:

- مخافة أن يمرض أولادي بنفس المرض، والعلم برهن أن المرض وراثي.

- مخافة إهمال عائلتي الصغيرة إذا تزوجت؛ لأنني الآن أتكفل بأخي وأختي ليس فقط ماديا، ولكن علاجيا أيضا، في الوقت الحالي أنا لا أعمل لكن يمكنني أخذ أختي إلى الطبيب النفسي وأنتظر أن تتحسن لكي أستطيع البحث عن عمل.

- عدم القدرة على مسؤولية الزواج بسبب تربية الوالد التي كانت هدامة لثقتي بالنفس.

- أنا لا أريد أن أتزوج امرأة لكي تعيش معي حياة البؤس مع إخوتي؛ لأن المشاكل معهم لن تنتهي، وهذا سوف يضر بصحة الأطفال أيضا.

- تجنب غلطة الوالد الذي تزوج على الرغم من أن لديه مسؤولية أخته المريضة عقليا، والنتيجة كانت تكوين عائلة من الأبناء المرضى عقليا، زوجة تعيسة، ومسؤوليات جمة علي أنا.

- تغير المجتمع وكثرة الانحلال الأخلاقي، هذا يجعل مسؤولية الوالدين أكبر فأكبر، فماذا عني أنا الذي تأثرت كثيرا بمرض إخوتي، وشخصيتي الضعيفة، وثقتي المنعدمة في النفس بسبب طريقة تربية الوالد.

أنا أفكر في الصوم، ولكن لا أدري ما العمل؟ أنا أظن أن مسؤولية الزواج كبيرة علي، وصراحة ليس لدي أي رغبة في الزواج، يرجى إرشادي، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول: اعلم أن كل شيء يحدث فهو وفق ما قضاه الله وقدره، وأقدار الله على المؤمن كلها خير وإن بدا له أنها شر، يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

البلاء يرفع من درجات المبتلى ويكفر من ذنوبه، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).

الأمراض الوراثية تكثر حين يكون الزواج من الأقارب، ومن أجل اتقاء ذلك من باب العمل بالأسباب يجب عمل فحوصات طبية للطرفين قبل الزواج، ومن فضل الله تعالى تجنب كثير من الناس تلك الأمراض بعمل الفحوصات.

وقوع تلك الأمراض من علم الغيب فقد تقع وقد لا تقع، ولذلك لا بد من العمل بالأسباب التي تجنب وقوعها ومنها: عدم الزواج من الأقارب، وعمل الفحوصات اللازمة.

ها أنت ولله الحمد والمنة لا تعاني مما عانى منه بعض أفراد أسرتك، ولا يلزم إن تزوجت أن تحصل تلك الأمراض خاصة إن عملت الفحوصات لك ولمن ترغب الزواج بها، فلا تنظر للحياة نظرة سوداوية بل كن متفائلا، فالتفاؤل ينير الدرب، ويشرح الصدر، ويفتح أمامك الآفاق، وكن متوكلا على الله مؤمنا بقضاء الله وقدره، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ومن توكل على الله كفاه.

اعلم أن الرزق بيد الله سبحانه، وأنه سبحانه متكفل برزق كل دابة تدب على زهر هذه الأرض، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)، فرزقك ورزق أسرتك وإخوانك سيتكفل به الله تعالى، وما عليك إلا أن تقوم بفعل السبب.

احذر من الرسائل السلبية: ومن ذلك قولك: (إنك صاحب شخصية ضعيفة وثقتك بنفسك منعدمة)، فهذه الرسائل لها تأثيرا كبيرا على حياتك؛ لأن العقل يستقبل تلك الرسائل ومن ثم يتفاعل معها ويعطي أوامره لأعضاء البدن للتفاعل معها، حتى إن الإنسان ليجلس عاجزا عن فعل أي شيء بسبب تلك الرسائل مع أنه في الأصل شعله من النشاط.

لا تستجلب الماضي إلى حياتك؛ لأن ذلك يسبب لك الإحباط فمهما كانت الحياة التي عشتها قاسية فستبقى في الماضي واستجلاب تلك المرحلة لن تجني منه إلا المتاعب، وعليك أن تستفيد من ذلك دروسا وعبرا.

لا تكن مصادما للفطرة التي فطرك الله عليها، فطالما أنك صالح للزواج فابحث عن شريكة حياتك، وتوكل على الله بعد العمل بالأسباب التي ذكرتها لها سابقا وكونك أسرتك واستعن بالله ولا تعجز.

أكثر من الاستغفار ومن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن ثمار ذلك تفريج الهموم، كما ورد في الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، مع تحين أوقات الاستجابة، وسل ربك أن يعينك ويرزقك وييسر أمرك، ويرزقك الزوجة والذرية السليمة الصالحة، وأن يعينك على قضاء حوائجك، وكن على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.

أكثر من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

أكثر من تلاوة القرآن، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح فبذلك تستجلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

لكي يتيسر لك القيام بأعباء الحياة عليك بالدعاء الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي رضي الله عنه وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم حين طلبا منه خادما فقال لهما: (ألا أعلمكما خيرا مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعا وثلاثين وتسبحاه ثلاثا وثلاثين وتحمداه ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم. قال علي ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين) فإن داومت على ذلك أعانك الله على قضاء أعمالك بنفسك دون الحاجة إلى معين سوى الله تعالى.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً