الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ما أعاني منه سحر أم مرض نفسي؟

السؤال

السلام عليكم..

منذ 15 عاما طلبت مساعدة شيخ لفك السحر، وطلب مني مبلغ 300ج، وقال أنه قادر على إخراجه، كما أنني ذهبت إلى الشيوخ ليرقوني بما تيسر من القرآن الكريم، فأعود للمنزل لأجد حالي كما كان، وكأن ذلك السحر يقوى ويزداد تأثيره علي.

منذ 15 عامًا أعاني من أرق مستمر، وسخونة في الدماغ مصدرها البطن تمنعني النوم في الليل، أحس برهبة لمجرد التحرك في المنزل، أو الخروج منه والاختلاط بالناس، محبوس في غرفتي منذ سنوات لا أستطيع ممارسة حياتي الطبيعية، مع العلم أني أحافظ على الصلوات في وقتها، وأقرأ آية الكرسي، وأشغل سورة البقرة، لكن أستغرق الكثير من الوقت لأنام.

لا أرى أي شيء في نومي كباقي الناس، غير أني أستيقظ في الصباح، أنسى كثيرًا، وأفضل الجلوس وحيدًا عن البقاء مع أهلي، أدخن وأشرب القهوة بشكل غير عادي، ولا أجد التوفيق في أي شيء أنوي القيام به أو أفكر فيه، مشاكلي تتعقد واكتئابي يزيد.

يمنعني سحري من التقرب إلى الله بالنوافل، وقراءة القرآن، وصلة الأرحام، كما يمنعني من ممارسة حياتي الطبيعية، العمل، والزواج.

تخرجت من كلية الهندسة بعد معاناة مع المذاكرة، لم أكن أستوعب شيئًا مما أدرس. كنت أكره الذهاب للكلية بدون سبب، كما كنت كثير الخروج للابتعاد عما يجب أن أفعله.

قبل 15 عامًا لم يكن حالي كذلك، كنت نشيطا جدًا، أستيقظ مبكرًا لأذاكر، كنت أصل أرحامي، وكنت شديد التعلق بالمساجد، وكثير التقرب إلى الله.

أرجو أن تفيدوني بحل سريع لمشكلتي المؤرقة، أفادكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ي، ف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

أعتقد - أيها الفاضل الكريم – الخطأ قد بدأ قبل خمسة عشرة عامًا حين شخَّصت نفسك أو قام أحد بتشخيصك أنك تعاني من سحر.

نحن نؤمن بوجود السحر والعين، لكن ليس بهذه الكيفية، فالأعراض التي ذكرتها هي أعراض مرضية نفسية طبية عادية جدًّا، وحين ذهبتَ لهذا الشيخ وأخذ منك هذا المبلغ المالي وذكر أنك تعاني من سحر له خُدَّام: هذا نوع من الطلاسم والكلمات التي تُستعمل لإثارة الفضول عند الناس، وأن تجعلك مستكينًا ومستسلمًا للسلطة العلاجية لهذا الذي يدّعي أنه شيخ، مع احترامي الشديد لأي إنسان.

أيها الفاضل الكريم: أرجو أن تنزع هذا الأمر من تفكيرك تمامًا، إن كنت مُصابٌ بالسحر فإن الله سيبطله.

عليك بالحرص على صلواتك، عليك بالدعاء، عليك بالرقية الشرعية، تلاوة القرآن، وأن تكون على قناعة تامَّة أن الله تعالى قد كرَّم الإنسان ورفع من درجته على كل مخلوقاته، الجنّ، الشياطين، السحرة، كل هؤلاء أدنى من الإنسان المؤمن الذي يتوكل على الله، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

فأرجو أن تُغيّر مفاهيمك، وأعراضك هذه هي أعراض قلق مخاوف، مع شيء من الاكتئاب النفسي البسيط، وهذه حالات طبية، تتعلَّق بكيمياء الدماغ، وتتعلق بالتنشئة، وتتعلق بالظروف الحياتية، تتعلق بالتركيبة الجينية عند الإنسان، فأرجو أن تُغيّر مفهومك، وأن تذهب الآن إلى الطبيب النفسي.

حالتك حالة طبية نفسية، وليست بحالة خنَّاسية مصدرها الجن والشياطين، ولا أرى دليلاً على عينٍ أو سحرٍ أو شيء من هذا القبيل، وهذه الأشياء موجودة، والإنسان قد يُصاب بها، لكن المؤمن يستطيع أن يُحصّن نفسه ويبطلها. فأرجو أن تأخذ بهذا المبدأ، وأرجو أن تذهب إلى الطبيب، استرشادًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جعل الله من داء إلَّا جعل له دواء، فتداووا عباد الله))، فأرجو أن تكون ممَّن علموا الدواء وأخذ به.

أنت تحتاج لأحد الأدوية المضادة للقلق المخاوف والمُحسّنة للمزاج، وأعتقد عقار (لوسترال) سيكون هو الدواء المناسب جدًّا لحالتك، يُضاف له عقار آخر يُسمَّى تجاريًا (دوجماتيل)، لكني سوف أترك اختيار الدواء للطبيب النفسي الذي سوف تذهب إليه.

أنا أعتقد أنك يمكن أن تعيش حياة طبيعية جدًّا، غيِّر مفاهيمك – أيها الفاضل الكريم – حول موضوع أنك مسحور، وأرجو أن تكون إنسانًا فعّالاً، وارجع لزيارة أرحامك، استمتع بالحياة، رفّه عن نفسك بما هو جميل، صلِّ مع الجماعة في المسجد، احرص على الأذكار، أذكار الصباح والمساء، أذكار النوم، أذكار اليقظة، وتلاوة القرآن الكريم، اثبت على وردك اليومي، واعلم أن الجن والإنس لم اجتمعوا لن يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولن ينفعك بشيء إلّا شيئًا قد كتبه الله لك.

اجعل هذا هو مبدأك في الحياة، وأنا على ثقة تامَّة أنك إن شاء الله تعالى ستكون على خير، وسوف تستمتع بالحياة، وأرجو أن تأخذ بنصيحتي، أرجو أن تأخذ بنصيحتي وأن تذهب إلى الطبيب الآن.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً