الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التعلق المرضي من الزوجة بزوجها وعلاج ذلك

السؤال

السلام عليكم

أنا متزوجة منذ سنتين، لدى مشكلة وهي أني متعلقة بزوجي بشكل مرضي، وخاصة بعد ولادتي منذ نحو شهرين، حتى عندما أذهب زيارة إلى أهلي.

أنا أفكر فيه طول الوقت، في جميع أحوالي أفكر فيه، هذا الموضوع أرهقني جداً، هو إنسان طيب جداً وخلوق، وصاحب دين، دائماً يخبرني أن لا تتعلقي بي، أو بابننا أو بأي أحد، فقط تعلقي بالله.

أنا لا أستطع، دائماً ما أخاف أن أفقده، وكلما زاد في معاملته الطيبة لي كلما زاد هذا التعلق، كنت أسأله أليس التعلق شيئاً طبيعياً في الإنسان الذي نحبه؟ يقول لي: لا، ويقول: أنا لست متعلقاً بك، أنا متعلق بالله، والله أمرني أن أحب زوجتي، وأن أحسن إليها، ولكن لا أتعلق بها.

ماذا أفعل؟ وهل هذا الشيء طبيعي؟ وأحياناً تنتابني وساوس خوف من الموت.

أفيدوني، جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Marwa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك أختي الكريمة.
مشكلتك هي تعلقك المفرط بزوجك.

بداية -الحمد لله- على سلامتك أنت وطفلك، أدعو الله أن يجعله قرة عين لكما، وأن يديم الحب والمودة بينك وبين زوجك وأن تعيشان سوياً حياة ملؤها الحب والتفاهم، ورضا الله تعالى.

ولادتك ليس لها سوى شهرين، وهذا يعني أن هرموناتك لم تكن مستقرة في الفترة التي مرت، وقد يكون لذلك علاقة مباشرة بتخوفاتك من الموت، أو بتعلقك الزائد مؤخراً بزوجك، وبالتالي قد تعود الأمور تلقائياً إلى حدها الطبيعي مع مرور الوقت.

الذي أرجحه في حالتك أنك من البداية تحبين زوجك بقوة، ولديك بعض التعلق الزائد به، وقد زاد عن حده الطبيعي قليلاً في الفترة الأخيرة بسبب عدم استقرار الهرمونات لديك، والحالة النفسية غير المستقرة عموماً للنفساء، حيث أنه في فترة النفاس تطفو على السطح برأيي كل نقاط الضعف لدى المرأة، وهذا ما يجعلها عرضة للإصابة بالاكتئاب، والذي يسمى كآبة ما بعد الولادة، والتي تتجاوزه أغلب النساء مع الوقت، والنسبة الأقل قد لا تتجاوزه، فيستمر لديها الاكتئاب لفترة أطول، مما يجعلها تحتاج إلى تدخل كل من الدعم النفسي، وأحياناً الدوائي.

أولاً: إن شعور التعلق هو بمعنى آخر "ارتباط سلبي" فهو حالة تقيّد صاحبها، وتصنع حاجزاً نفسياً وهمياً يخبرك أنك لا تستطيعين العيش في هذه الحياة بدون أفراد معينين، أو لا تستطيعين القيام بأشياء أو أمور تخصك دون وجود هؤلاء الأشخاص المقربين، وهنا نطلق عليه التعلق المرضي، وهذا ما يجعل التعلق المرضي أو المفرط هو مؤذٍ لصاحبه أي لكِ أنتِ قبل أي شخص آخر.

أنت بهذا قد جعلتِ مصدراً واحداً للأمان النفسي الخاص بك، وهذا المصدر طال أو قصر هو متغير وغير دائم، وبالتالي ستشعرين بالانهيار النفسي في حال زعزعة هذا المصدر لأي سبب كان.

هذا التعلق يعتبر غير صحي، بغض النظر عن الطرف الآخر من هو، أي حتى لو كان تعلق المرأة بابنها مفرطاً ومرضياً، فهو أيضاً غير صحي وسيكون مؤذياً لها للأسباب نفسها المذكورة، إضافة إلى نقطة أخرى هامة، وهي تخيلك دائماً أن ابنك أو ابنتك عندما يكبرونكم جميل أن يروا أمهم شخصية قوية ومستقلة، فهذا بالتأكيد سينعكس إيجابياً على توازنهم النفسي وقوة شخصياتهم.

ثانيا: إن أعراض التعلق المرضي تتمثل في:
-كثرة التفكير بالشخص (موجودة لديك).
-تقليد الزوج وتقمص أفكاره، والتنازل عن شخصيتك وأفكارك وتميزك والذوبان اللا شعوري في شخصيته.
-كثافة الاتصالات غير المبررة.
-الغيرة الزائدة من أي شخص آخر مقرب لذلك الشخص.

من المهم أن تفكري مع نفسك وتحددي أي الأعراض موجودة لديك أو جميعها، فهذا يساعدك في معرفة درجة مشكلتك أي درجة تعلقك المفرط بزوجك.

أما عن أسباب التعلق المفرط بالزوج فهي:
- ضعف الوازع الديني قليلاً، وهنا أتفق تماماً مع كلام زوجك، وكلامه يعكس قوة إيمانه وعمق تفكيره، فجميعنا علينا أن نفكر أننا موجودون في الحياة لهدف وغاية سامية، ولكل منا دوره في الحياة، علينا أن نؤديه، ونخلص في نيتنا فيه لوجه الله تعالى وابتغاء رضاه، وعندما نتعلق بشخص ما عاطفيا فهذا يحد من تفكيرنا بدورنا في الحياة ومسؤوليتنا فيها، ويجعلنا مع الوقت نذوب تماماً مع ذلك الشخص، وهنا يكمن الخطأ، فلكل منا دوره ولكل منا حسابه أمام الله بما أدّاه في حياته، وأثناء رحلتنا الدنيوية علينا أن نسعى أن يكون قلبنا متعلقاً فقط بالله تعالى، ودون ذلك يكون حباً وإحساناً ومودة ورحمة، ولكن ليس تعلقاً، وهذا ما قصده زوجك بكلامه لك.

ما يؤكد هذا الكلام الحديث الشريف الذي يقول:
جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: " يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به".

- الفراغ وعدم إشغال النفس بتحقيق الطموحات الشخصية.

- ضعف تقدير الذات أو إشباع بعض الحاجات النفسية غير المشبعة.

رابعاً: سأكتب لك بعض النقاط التي أود مشاركتها معكِ، والتي أرى أنها ستساعدك في التخلص من تعلقك المفرط بزوجك:
- دعينا نفكر أننا في هذه الحياة لدينا مجموعة من الأدوار نمارسها بنفس الوقت (زوجة/أم/ ابنة/أخت/صديقة/ دور مهني معلمة مهندسة طبيبة خياطة وغيرها/ عبد لله تعالى).

لكل دور من هذه الأدوار مجموعة من المهام علينا القيام بها لإشباع هذا الدور ونجاحنا فيه، وكلما نجحنا بتحقيق التوازن في أداء جميع أدوارنا الحياتية كلما تحققت الراحة النفسية في داخلنا، وكلما فرّطنا في إشباع أحد الأدوار على حساب الأدوار الأخرى كلما فقدنا الطمأنينة النفسية في داخلنا وابتعدنا عن تحقيق التوازن النفسي والراحة في حياتنا.

- هناك بعض النساء تجدينها لا تستطيع القيام بأية شيء في غياب زوجها، ليس لعجزها أو لعدم قدرتها فعليا، بل لشعورها بالوحدة وعدم القدرة على الاستقلالية، بالرغم من أن الحياة بشموليتها هي أوسع من أن نفكر بهذه الطريقة، حيث يوجد في حياتها العديد من الأدوار الأخرى التي عليها القيام بها، أي يوجد حولها العديد من الأشخاص التي يقع على عاتقها المسؤوليات نحوهم (أبناء/أهل/أخوة/ مسؤولية مهنية/صديقات وإخوة في الله/ وقبل كل ذلك نفسها التي يقع على عاتقها العديد من المسؤوليات نحوها)، ولكن عندما يصل تعلقها بزوجها لدرجة أن يكون عائقاً في قيامها بأدوارها الأخرى هنا يصبح عائقاً نفسياً خطيراً ومدمراً لمسؤوليتها الذاتية في الحياة، إضافة إلى شعور الزوج مع الوقت ومع ازدياد تعلق الزوجة به إلى الاختناق والتقييد والسجن "العاطفي" مما يضطره إلى الابتعاد والتنفس بعيداً عن عائلته بحثاً عن حريته، وهنا تصبح العلاقة الزوجية منفّرة وطاردة لا جاذبة "وهذا بالطبع لا تتمناه أية زوجة".

- أفهمك تماماً في نقطة المحبة الجميلة التي تحملينها في قلبك تجاه زوجك، أدامها الله عليك وبارك لكما في علاقتكما، ولكن ما نهدف إليه الآن هو جعل مشاعرك تميل للتوازن والطبيعية منها إلى الإفراط، فمن الأصح نفسياً أن لا تجعلي زوجك كل عالمك ودنيتك وقلبك، بل أن تجعلي لنفسك مساحتك الخاصة بك، وتؤكدي أن الرجل يحب بطبيعته المرأة المحبة له وبنفس الوقت القوية والمستقلة والمحققة لذاتها والفعالة في حياتها بكافة المجالات، والتي تكون أولويتها الله تعالى في كل ذلك.

- حافظي على مكانته الكبيرة بقلبك، ولكن كوني قوية بوجوده وعدمه، كوني فعالة في حياتك، لك إنجازاتك الخاصة بك، لك علاقاتك الخاصة بك، لك مساحتك الخاصة بك، لك أدوارك الحياتية الأخرى التي تسعين إلى تحقيق النجاح والتوازن فيما بينها، اجعلي حبك لزوجك مصدر قوة لك وليس ضعفاً وتقييداً لطاقاتك وطموحاتك، واجعلي حبه لك أيضاً مصدر قوة ودعم له في حياته، وليس تقييداً لنجاحاته وحريته.

- اجعلي هدفك فيما يخص علاقتك بزوجك أن تأخذا بيد بعضكما للتقرب من الله والدخول إلى الجنة سوياً، فهذا سيساعدك مع نفسك في ترتيب أولوياتك في الحياة.

- فكّري بأن مشوارك إلى بيت أهلك هو بمثابة فرصة لك لممارسة أدوارك الأخرى بنجاح، كابنة أو كأخت، وبذات الوقت فرصة لك ولزوجك لتجديد المشاعر بينكما، لذا أنصحك عندما تذهبين إليهم أن تقومي بالأشياء الممتعة لك والمفرحة لأهلك أيضاً، وعندما تعودين لمنزلك وزوجك تحدّثينه عن القصص الخاصة بك التي قمت بها وحققتْ لك المتعة "بعيداً عنه".

- عند اطّلاعي على استشارتك السابقة، لمستُ في رسالتك أنك فتاة قوية من الداخل، ولك تفكيرك المستقل، وشخصيتك الجميلة ودعمك المعنوي الواضح لزوجك، لذا أتمنى أن لا تسمحي لتعلقك المفرط أن يقيد من جمال ذلك لديك، بل ابدئي الآن بتخصيص وقت خاص بك تمارسين فيه النشاطات التي تعزز ذاتك وشخصيتك، وتقوي من ثقتك بنفسك، وتقديرك لها، والذي سينعكس ذلك على تقدير الآخرين لك أيضاً، ومنهم زوجك وأبناؤك في المستقبل.

- فكّري مع نفسك بأن زوجك ومحبته لك هي نعمة من الله لكِ واستثمري هذه النعمة، ووجودها في حياتك، بأن تكون مصدر دعم لك لتحقيق طموحاتك وأهدافك في الحياة، والتي تصب في رضا الله جلّ وعلا عنكِ، وحافظي على تلك النعمة بالشكر لله والتقرب إليه أكثر وأكثر.

ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتكِ بإجابتي لك، ويسعدني مراسلتك لنا مُجدداً في أي وقت.

بأمان الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً