الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتصرف مع الطفل ملمع الأحذية؟

السؤال

السلام عليكم.
الدكتور محمد عبدالعليم أريد جوابا من الناحية الدينية والنفسية.

عمري 31 سنة، لا أعمل، ولست متزوجا، مررت بموقف هزني جدا، وجعلني أبكي، فقد جاء طفل صغير العمر والحجم يعمل في تلميع وتنظيف الأحذية إلى المقهى، وطلب مني أن يلمع حذائي، بالرغم من أن حذائي لا يحتاج ذلك، إلا أني أعطيته الحذاء شفقة ورحمة وجبر خاطر ومودة، وعندما طلب تلميع حذائي ووافقت فرح جدا، وبينما هو منشغل بحذائي دمعت عيني ومسحت الدموع، ودردشت معه عن حاله، وهل يكسب جيدا من عمله؟ أجابني بنعم، فسألته بكم؟ قال لي: بمائة جنيه، هو مبلغ تافه جدا، عندما انتهى أعطيته ضعف المبلغ 200 جنيه.

بكيت، وأخفيت دموع عن أنظار الناس، كنت قد فكرت أن أعطيه النقود دون عمل، لكني خشيت أن أجرحه، وأعطيته حذائي لأشعره بقيمته، لكني شعرت بتأنيب الضمير، وما زالت صورته عالقة في ذهني، لا أعرف، هل أهنته؟ مع أن العمل ليس عيبا، متأثر بهذا الطفل، وكلما أتخيل شكله وحجمه الصغير جدا أشعر بحرقة، وأشعر بتفاهة هذه الحياة، ماذا أفعل إذا قابلت هذا الطفل مرة أخرى؟ كيف أتعامل معه؟ هل أتحدث معه، وأخبره أن حذائي نظيف، وأعطيه النقود دون عمل، أم كيف أتصرف؟

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Gh حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

أخي: ما قمت به هي لمسة إنسانية طيبة، أولاً جبرت بخاطر هذا الطفل وأعطيته أكثر ممَّا يستحقه، وهدفك طبعًا في ذلك هو التصدُّق عليه، وتأثُّرك الشديد -إن شاء الله- هو رحمة في القلب، لكن حقيقةً هذه المواقف كثيرة، وبكل أسف الأطفال المشرّدين، الأطفال الذين تُوجّه لهم الكثير من الإساءات في أنحاء مختلفة من العالَم يُمثِّلون مشكلة حقيقية، هي مشكلة كبيرة ولا شك في ذلك، وهذا الطفل قيامه بهذا العمل هو الوسيلة الوحيدة التي يُساعد بها نفسه وربما أسرته.

ما قمت به أعتقد أنه أمر ليس مرفوضًا، هو أمر مقبول تمامًا، وكان بالإمكان أيضًا أن توجّه له بعض النصائح وبعض التوجيهات؛ لأن هؤلاء الأطفال أيضًا يُساء إليهم كثيرًا في بعض الأحيان. يمكن أن تُوصيه بالصلاة، ويمكن أن تتحدث معه حول المدرسة والذهاب إلى المدرسة، كنصائح عامة وليس أكثر من ذلك، لا أعتقد أنه يطلب منك أكثر من ذلك.

فيا أخي: جزاك الله خيرًا على مشاعرك الطيبة، وهذه الناحية العاطفية والوجدانية أنا لا أراها أمرًا سيئًا أبدًا، وحقيقة: هذه المواقف بالرغم من أنها مؤثرة لكنها تفيد، تفيد كثيرًا الشخص الذي يتعرَّض لها مثل شخصك الكريم، على الأقل تبني العطف والوجدان والرحمة في كياننا ووجداننا، وتجعلنا نشتغل بقضايا الأطفال، الأطفال المشرّدين، الأطفال الذين يُساء إليهم، أشياء كثيرة من هذا القبيل.

وأنا أرى أنه سيكون من الجميل جدًّا بالنسبة لك هو أن تكفل يتيمًا، هذا -إن شاء الله تعالى- فيه خيرٌ كثيرٌ لك، وفيه -إن شاء الله- أجر عظيم، وفي ذات الوقت سوف يُؤدي إلى نوع من الإشباع الوجداني الإيجابي.

أمَّا فيما يتعلّق بكيفية التصرّف في المرة القادمة: أعتقد إذا كان الحذاء لا يحتاج، فقل له إذا كان لا يحتاج، وليس من الضروري أبدًا أن تعطيه مالاً، وإن رأيت أن الحذاء يحتاج فأعطه الحذاء وأعطيه الأجر المطلوب، ويمكن أن تزيده قليلاً.

أعتقد هذا هو التصرُّف الذي يمكن أن ينتهجه الإنسان، لكن لا تأسف على ما قمت به، ما قمت به -إن شاء الله- فيه خيرًا كثيرًا، وأنا أنصحك بكفالة يتيم إذا كان ذلك ممكنًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات