الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أعالج المشكلة التي أعاني منها، فأنا أخشى العواقب دائما؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة ماجستير في جامعة أوربية، حاليا مشكلتي تكمن في عملي بالمعمل، أشعر بقلق شديد وفيض من الأفكار السلبية والوسواسية (حيث أعاني من الوسواس القهري منذ ٥ سنوات، كنت تحسنت ولكن انتكست، أتناول حاليا فافرين وابليبكس نصف حبة لكن غير منتظمة)، وأعاني أيضا من خوف مفزع من أنني أخطأ لدرجة أن يدي تهتز بشدة "أرتعش" وأفقد تركيزي، وأنسى بعض التفاصيل عند أداء التجارب رغم أدائي لها من قبل، وحينما المشرف يقف بجانبي يزداد الأمر صعوبة؛ خوفا من أن يأخذ عني انطباعا سيئا رغم تقبله ودعمه حينما أخطأ، لذلك تركني وحدى لإعطائي الثقة ولكن استمرت المشكلة.

الأمر ليس وليد اللحظة، فأنا منذ صغري أعاني من الرهبة من أن أخطئ، وما سيلحق بي من عواقب جسيمة سواء من أهلي أو أساتذتي، ولكن ظهرت هذه المشكلة جلية عندي، والتحقت بإحدى المعامل قبل سفري في بلدي، وكان المشرف شخصا مهينا وعنيفا، ليس معي فقط، فكان يعنفني على أقل خطأ، ويمطرني بكل الكلام السلبي الذى يثبط الهمة والطموح فتركت المعمل، وهنا بدأ اهتزاز يدي، سواء كنت في مطبخ بيتي وبجانبي أبي "حيث أنه صعب المراس" أو أي عمل يفوض إلي في أي معمل، وحينما يرى أي حد هذا في بلدي، سواء أستاذا أو مشرفا، يحكم علي أنني مشتتة، وهذا الأمر يجرحني بشدة؛ لأني حقيقة أنا أحاول أكون أفضل، أجتهد بشدة، طموحة بشدة، وأيضا أعاني من المثالية المفرطة، ودئما أقفز للاستنتاجات بدون تمهل، لا أعلم كيف أعالج مشكلة أدائي بالمعمل.

أرجو من الله أن أجد لديكم حلا للمشكلة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هاجر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونهنئك بقرب شهر رمضان المبارك، أسأل الله تعالى أن يُبلغنا إيّاه وأن يجعلنا من الصائمين القائمين.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت وصلت لهذه المرحلة - أي دراسة الماجستير في جامعة أوروبية - فهذا يعني تمامًا أن الله تعالى قد حباك بالمقدرات والمهارات والمستوى المعرفي والعلمي الرفيع، فإذًا نقطة الانطلاقة يجب أن تبدأ من تقدير الذات، والإنسان حين يذكر مآثره وإيجابياته هذا ليس انتفاخٌ للذات، إنما هو الوضع المطلوب. هذه نقطة.

والنقطة الثانية: مهما كانت هنالك أعراض خوف أو ارتجاف، هذا جزء من قلق الأداء، هكذا نسمّيه، وهو بالفعل يرتبط بالرهبة لأنه لديك أصلاً خلفية وسواسية كما تفضلت، ولديك شيء من المخاوف بدأت معك منذ فترة طويلة، لذا يحدث تضخيمًا كبيرًا جدًّا للأعراض التي تستشعرين بها، هذه الأعراض التي تحسّين بها تحسّين بها بصورة مبالغة، وتأتيك هذه الرسائل الذهنية الخاطئة أن الآخرين يُلاحظون الرعشة والخوف أو الرهبة لديك، فأرجو أن تطمئني، هو شعور داخلي سخيف أكثر ممَّا هو ظاهرٌ للعيان، نعم قد تكون هنالك قليل من الرجفة البسيطة، لكن هذه غير ملحوظة.

فأنا أريدك أن تُصححي مفاهيمك، وأنا أؤكد لك أن من حولك - المشرف وغيره - لا يُلاحظ هذه الأعراض، وإن لاحظها فليست بالحجم والمبالغة التي تحسّين بها. هذا مهمٌّ جدًّا.

والنقطة الثالثة هي أن تُحقري هذه المشاعر، لأنك الحمد لله تعالى إن لم يكن لديك المقدرة لما وصلت إلى هذا المكان.

والنقطة الرابعة: أريدك أن تتدربي على تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس التدرجي، تمارين شد العضلات وقبضها، هذه تمارين رائعة جدًّا، إذا وجدتِّ مَن يُدرّبك عليها من المختصين فهذا جميل، وإن لم تجدي من يُدربك عليها فتوجد برامج كثيرة على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، وحتى اليوجا إذا استثنينا الجانب الديني منها مفيدة جدًّا.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: هذه التمارين الاسترخائية مع شيء من التأمُّل الإيجابي والاستغراق الذهني سوف تكون ذات فائدة عظيمة جدًّا بالنسبة لك.

سيكون من المهم جدًّا ألَّا يكون القلق المُسبق لديك، القلق المُسبق إشكالية، لأنه قلق افتراضي، بمعنى أنك في أي وقت تقدمي على المعمل سوف تعتقدين أنه سوف يحدث لك كذا وكذا وكذا، هذا لا أريدك أن تقعي فيه أبدًا. ودائمًا ابدئي بـ (بسم الله) وانتهي بـ (الحمد لله)، هذه فيها خير كثير لك.

طبعًا المثالية المفرطة هي جزء من سمات الشخصية الوسواسية، شدة الانضباط هذا فعلاً قد يكون من الإشكالات، لكن حاولي أن تُخففي على نفسك، وحاولي أن تقبلي شيئًا من الأخطاء في حياتك، وهكذا تسير الأمور، وتخلصي من الفراغ؛ لأن الفراغ الزمني أو الذهني إشكالية كبيرة فعلاً.

ممارسة الرياضة - خاصة رياضة المشي - ذات فائدة عظيمة جدًّا بالنسبة لك.

الـ (فافرين) دواء جيد، لكن الـ (زولفت) والذي يُعرف علميًا باسم (سيرترالين) ربما يكون أفضل من الفافرين، فإن كان بالإمكان أن تشاوري طبيبك حول تغيير الدواء؛ هذا سيكون أمرًا طيبًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً