الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب الأسرة تجاه ابنتها الدارسة في دولة أخرى

السؤال

السلام عليكم.
أود أن أضع بين أيديكم قصة فتاة مسلمة ملتزمة تريد حلاً لمشكلتها مع أسرتها.
هي فتاة من دولة عربية، تربت في بيت ملتزم بالدين والأخلاق، ولما أنهت دراستها الثانوية وتفوقت أرسلها أهلها إلى بلدها الأصلي لتكمل دراستها الجامعية هناك، حيث أخاها الكبير وأسرة جدها، فهي تعيش في دولة خليجية وأصلها من دولة أخرى.

سافرت إلى دولتها الأصلية وهي لا تدري أي شيءٍ عن الغربة، لا تقدر على أي شيء فيها، فهي فتاة بسيطة خجولة ملتزمة بالدين، ولما التحقت بالجامعة قام والدها باستئجار بيتٍ لها ولأخيها ليعيشا معاً ويكونا عوناً لبعضهما، فبيت جدهما بعيدٌ جداً عن مكان دراستهما، وهنا بدأت المشكلة .

فذلك الأخ الذي وضع أهله فيه الثقة ليرعى أخته الصغيرة أصبح عكس ما يتوقع، فهو شابٌ مختلفٌ تماماً، محب للسهر ويترك أخته في البيت لوحدها كثيراً في الليل، ولا يهتم بدروسه أبداً، ولا يتقن إلا فن السهر والدخان مع أصحاب السوء، ويحضرهم إلى بيته أيضاً، ولكن يكونون في غرفته ولا يخرجون منها أبداً، أي أن تلك الفتاة تقول: إن أخاها يخاف عليها، ولكن يتركها في الليل وحدها كثيراً ولا يحضر إلا بعد منتصف الليل، أو يكون سهراناً في البيت مع أصحاب السوء، وبدأت معاناة تلك الفتاة التي أحرقت قلبي بقصتها، ولست أنا فقط، بل كل أسرتي، فهي صديقة لأخواتي ولي، ولكن أنا من بلدٍ بعيد جداً عنها، ولا أملك لها أي حلٍ سوى الدعاء.

الفتاة لا تريد إخبار أهلها بسلوك أخيها غير السوي، وتكتم في نفسها وتصبر نفسها، ولكن إلى متى؟

بدأت دراستها تسوء تدريجياً وعلاماتها تهبط كل فصل عن الفصل السابق له، وحياتها أصبحت غير مستقرة، دائمة الكآبة والحزن، فكان منها أن أخبرت والداها بجزء صغيرٍ عن تقصير ذلك الأخ في رعايتها وحمايتها، ولم يستجب الابن لكلام أهله إلا القليل، ولم يعد إلى رشده، فكان تفكير الأهل سليماً في إبعادها عن جو أخيها حتى لا تحدث كارثة لها، ولكن كان اختيار الأب للعلاج مأساوياً أكثر، فقد تحدث إلى أسرة تربطه بهم صداقة قديمة ليساعدوه، وكان طلبه أن تنتقل ابنته للعيش مع تلك الأسرة وتكون في كنفهم وتحت أعينهم، هذا الأمر لقي الموافقة من تلك الأسرة الصديقة، ولكن أثار حفيظتي وأثار جنون تلك البنت.

فالأسرة الراعية لها ستكون مكونة من الزوجة والزوج وثلاثة أبناء ذكور، أصغرهم يبلغ العشرين من العمر، أي أن الحياة ستكون في بيت فيه شباب، وهنا المصيبة بل الكارثة، فكيف يقبل الأب أو الأم لابنتهم العيش في مثل ذلك البيت؟ وتقول الفتاة: إنهم أخبروها بأن لها غرفة خاصة بعيدة نسبياً عن غرف الأولاد، ولم تستطع الاستمرار في الكلام حيث البكاء المستمر، فلا تدري ما الذي ستفعله، أتبقى عند أخيها الذي يتركها بدون اهتمام، بل ويحضر إلى بيتهم قرناء سوء، وهذا مخيفٌ لها، أم تنتقل لتعيش في بيت فيه ثلاثة شباب؟

إخواني! والله العظيم عجزت أنا عن المساعدة، ولا أملك إلا أن أطلب منكم مساعدتي في إخراج تلك المسكينة من هذه الظلمة.
أغيثوها بالله عليكم، ما هو الحل لمثل تلك المشكلة؟

ملاحظة: تم طرح حل وهو الانتقال للسكن الداخلي للطالبات، ولكن للأسف هناك سمعة سيئة لمثل تلك السكنات.

أحبتي! أرجو منكم إفادتي وتقديم يد العون لهذه الأخت الصغيرة التي تريد الاحتفاظ بدينها وشرفها، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل الأستاذ/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونشكرك على اهتمامك بمشكلة هذه الأخت التي هي صديقة أخواتك، ونسأله جل وعلا أن يبارك فيك وأن يعينك على فعل الخير، وأن يجزيك خير الجزاء، وأن يجزل لك المثوبة والعطاء.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فهذه صورة مأساوية أصبحت تعيشها العشرات من الأسر التي ابتليت بآفة السفر خارج بلادهم، وللأسف الشديد أصيبت بعض الأسر بنوع من تبلد المشاعر وفقدان المروءة، حتى أصبحت الدنيا أهم وأعظم عندهم من العرض والغيرة عليه والذي هو أهم شيء بعد الدين.

ومع الأسف الشديد هذا داءٌ أصاب الكثير من هؤلاء المسافرين، ولا نملك حيال هذا المسخ وذلك التردي الأخلاقي إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويا حسرة على العباد! فهذه الظاهرة فعلاً من الظواهر المؤلمة والقاتلة.

وأما عن الأخت المسكينة فأرى أن الحل يمكن أن يأخذ صورة من الصور التالية:

1- أن تأتي أمها للإقامة معها ومع أخيها في نفس الشقة حمايةً لهما معاً، أو حتى على الأقل حمايةً لها وصيانة من الضياع والانحراف، وهذا ما يفعله كثير من المسافرين العقلاء الذين يضحون براحتهم من أجل الحفاظ على أولادهم، خاصة مثل هذه الفتاة التي لا خبرة لها ولا دراية لديها بهذه الحياة الجديدة.

2- أن تأتي جدتها أو خالة من خالاتها لتعيش معها ولو نظير أجر معين شهرياً.

3- أن تنزل الأسرة كلها لتعيش معها؛ لأن العرض أهم من المال، أو حتى الأسرة بدون الأب، على أن يتردد عليهم بمعدل كل ستة أشهر مرة كما يفعل الكثير.

4- أن تترك الجامعة وتعود إلى أسرتها، فهذا خيرٌ لها من ضياع دينها وأخلاقها.

5- أن تضحي بهذا العام وتعود لأسرتها، على أن تغير تخصصها إلى كلية نظرية لا تقتضي الحضور إلا أيام الامتحانات أو قبلها بقليل.

أما الإقامة مع أخيها بالوضع المذكور فهي لا تصلح مطلقاً وغير مأمونة، وكذا الوضع الأخير فهو أفيد مليون مرة من إقامتها مع أخيها، وعلى أبيها وأمها أن يتقوا الله في مسئوليتهم التي سيسألهم الله عنها يوم القيامة.

ولذلك ورد في الحديث: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) ألا فليتق الله والدها، وليبحث لها عن حل مناسب وإلا فلا يلومن إلا نفسه .
مع تمنياتنا لها بالتوفيق والستر في الدنيا والآخرة، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً