الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ولدي لا يعدل في معاملة أولاده، فهل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابني لديه ولد عمره 13 سنة، ويعاني من ضعف التركيز بسبب طلاق والديه، وقد تزوج من فتاة وأنجبت له ولدًا عمره ست سنوات، أصبحنا نلاحظ بأنه لا يتعامل مع الولد الأول كما يعامل ولده الجديد، وخاصة أن الزوجة الثانية شابة وجميلة، ولا يريد أن ينغص عليها حياتها بسبب ابنه الكبير.

نرجو أن تنصحوه حتى يتعامل مع الكبير على الأقل بنصف ما يتعامل مع الصغير، فالملابس التي يحضرها للصغير من أجمل الأماكن، وكذلك الألعاب والسرير والمدارس، كلها من الدرجة الأولى، أما الولد الكبير فكل الأشياء رخيصة.

جزاكم الله خيراً، ووفقكم لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أستاذنا- في الموقع، ونشكر لك الحرص على الخير، وأرجو أن نتعاون جميعًا على النُّصح لهذا المُقصّر، فالْمُؤْمِنُونَ نَصَحَةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ يُوَادُّونَ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ دِيَارُهُمْ، وَالْمُنَافِقُونَ غَشَشَةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَإِنِ اجْتَمَعَتْ دِيَارُهُمْ.

ونحب أن ننبّه والد الطفلين -الكبير والصغير- أن العدل شريعة الله، وفي الحديث الشريف: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) فالقائل هو رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، وهذا جَوْرٌ وظلمٌ وعدوان، ومخالفةٌ لهذه الشريعة التي لا ترضى إلَّا بالعدل، وعليه أرجو أن يُدرك أنه على خطر عظيم، وهذا الذي يحدث من التفريق في المعاملة لا يُرضي الله، وسيكون سببًا للكره بين الأخ الكبير وشقيقه الصغير، وستكون له انعكاسات سالبة وتقصير في بِرِّه كأبٍ عندما يكبر.

ولذلك أرجو أن نُدرك خطورة ما يحصل، ونتمنّى أن تُشجّعوه ليتواصل مع الموقع حتى يسمع الإجابة بنفسه، وحتى يقف على بعض النقاط المهمّة قبل أن يتمادى في السير في هذا الطريق.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- لمَّا جاءه بَشِير فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟) فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَأرْجِعْهُ).

وفي رواية قال النعمان بن بشير وهو على المنبر: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟)، قَالَ: لاَ، قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ)، قَالَ النعمان: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.

وفي رواية: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: (أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي)، ثُمَّ قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟) قَالَ: بَلَى، قَالَ: (فَلَا إِذًا).

وفي رواية: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلاَمٌ، فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ المَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: (أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟)، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ، قَالَ: (لاَ تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ) أو قَالَ: (لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ).

ولذلك كل هذا يجعلنا نُدرك أن الأبناء يستحقون العدل لكونهم أبناء، بصرف النظر عن كون هذا أُمّه فلانة، أو هذا مُطيع، وهذا جميل، أو كذا وكذا، هذه أمور لا علاقة لها بهذا الأمر، ولهذا قال عمر لولده: (إنك لأحب أولادي إليَّ، ولكن لا أستطيع أن أُقدّمك عليهم أو أفضلك عليهم بتمرة)، وحتى إعلان المشاعر الإيجابية يجب أن يكون بعيدًا عن الآخرين، وإلَّا فهذا أيضًا يُمنع، أن يقول أمام الأطفال (أنا أحب فلانًا أكثر منكم)، هذا لا يجوز من الناحية الشرعية.

نتمنّى أن نتعاون في نُصحه، واستمروا في النصح لهذا المُقصر، وأفضل من ذلك أن يتواصل مع الموقع ليسأل بنفسه حتى يعرف خطورة ما يحصل، وحتى يسمع الإجابة من طرف متخصص، ومن موقع شرعي، ونسأل الله أن يُعيننا جميعًا على العدل، فإن الذي يُقصّر في العدل مع رعيته على خطر عظيم، أولى الرعية بالعدل هؤلاء الأبناء الذين نُسأل عنهم بين يدي الله تبارك وتعالى، وإذا عدل بينهم فإنه سيربح حب الكبير لأخيه الصغير، وهو بحاجة لأخيه الأكبر، ونسأل الله أن يُؤلّف القلوب وأن يغفر الزلّات والذنوب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً