الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لشاب في شعوره بعدم فهم والديه له وإساءتهما إليه

السؤال

بسم الله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فإني قد تعبت وكللت ومللت وسئمت فيما أفعل، مشكلتي يا إخواني هي أمي وأبي، وذلك في منبع الحنان والعطاء، هما اللذان أحبهما ويحبانني، ولكن لا يفهمانني، وخصوصاً لأن لكل منهما طبعه الخاص وغروره الأبوي وتيه السلطة، وكما أني أنا الولد البكر لهما، وهي أول تجربة سلطة وتربية لهما.

أمي أحب طاعتها وأحبها، ولكنها -وللأسف- ليست كريمة، وكأنها ليست عربية، ليس فيها كرم العرب، كريمة فقط أمام الضيوف! أما في البيت فحدث ولا حرج، كم مرة تعدني مراراً بإعطائي نقوداً وتخلف، وأيضاً تأخذ مني نقوداً على سبيل الاقتراض، ومن ثم تحت أبسط سبب تحرمني إياها، وأنا متأكد أنها ولو من دون سبب لن تعطيني إياها، ولذلك فقدت ثقتي المادية بها، وكثيراً ما تلح علي بالمذاكرة في وقت لا رغبة لي بها، وتكرر وتكرر حتى أفقد الشهية للمذاكرة، فالدراسة والعلم لا يأتي -كما تعلمون- إلا عن قناعة تامة من المتعلم، وحتى إنه لا يمكن التعلم عن قناعة نسبية فقط، فالذهن لا يستقبل المعلومات إلا إذا كان راغباً بتلقيها.

وما علي حين تأمرني أمي بالمذاكرة إلا أن أذهب لغرفتي وأجلس فيها، أحاول أن أذاكر ولكن دون فائدة، فأجلس بلا عمل لكي ترضى أمي الحبيبة، على العلم بأن عمري 17 سنة، وفي الصف الثاني الثانوي، ومن الثلاثة الأوائل في صفي.

وبعد أشهر أمامي سنة صعبة، هي سنة الشهادة الثانوية، والعادة للطلاب على اختلافهم أن يرتاحوا قليلاً في الشهرين الأخيرين من السنة.

وأما أبي -وما أدراك ما أبي- فهو بطبعه عصبي المزاج، ويملك الكثير من كبر السلطة والأبوة، ولا يقبل المناقشة، ولا أتذكر أني في حياتي عملت عملاً وأعجبه، وكما أنه لا يناقش بالنقود، ولا يحب إعطائي إياها، مع أن وضعنا المادي فوق الجيد.

وهو مع هذا كثير الأوامر والتذمر، حتى إن أعمامي يألفون التنكيت على أوامري من كثرتها، وأنا جاهز للطاعة، ولكن أرجو منه بعض المراعاة.

وأخيراً أتمنى منكم أن تجيبوني وتنقذوني مما أنا فيه، أرجو المساعدة، فإذا بقي الحال على ما هو عليه فإني ربما يضعف إيماني عندما أستقل مادياً واقتصادياً، وأقاطعهما والعياذ بالله!

أرجو -لو سمحتم- أن تكتبوا لي رسالة لوالدي الكريمين ولي حول ما يجب فعله، فإنهما وأنا على ثقة بشيوخ وعلماء المسلمين.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فشكراً لك على هذا الوضوح، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يرزقك البر بوالديك والإحسان للعباد.

ولا يخفى على أمثالك أن حب الأبناء يملأ قلوب الوالدين، وذلك أمر فطري، ومن هنا لم تركز الشريعة على أمر الوالدين بالإحسان إلى الأبناء، وإنما كان التركيز على أمر الأبناء ببرهم والإحسان إليهم، وجعل رب العزة والجلال رضاه في رضاهما وسخطه في سخطهما، بل ربط هذا الأمر بعبادته حتى قال ابن عباس: (لا يقبل الله عبادة من لا يطيع والديه).

أما بالنسبة لمشكلتك فيؤسفنا أن نقول: إن كثيراً من الآباء والأمهات لا يحسنون التعبير عن الحب لأبنائه، وفيهم من لا يعيش زمانه، فتراه يعامل أبناءه كما كان يفعل الآباء والأجداد دون مراعاة لتقلبات الأحوال والأزمان، ودون اعتبار لعمر الأولاد، والصواب أن نربي أبناءنا لزمان غير زماننا وأن نعينهم على برنا، ونحن نرجو أن تلتمس لوالديك الأعذار وتحمل تصرفاتهم تجاهك على أحسن المحامل.

وإذا بلغ الابن سبعة عشر عاماً فينبغي أن يعامله والده معاملة الصديق ويشاوره ويحاوره ويكلفه ببعض المهام، ويغرس في نفسه الثقة والأمل، ويعده للقيام بدوره قبل حصول الأجل، وأرجو أن تثبت لوالديك أنك أهل لكل ثقة ورجل للمهام العظام.

واحرص على احترام والدك وافعل كل أمر يرضيه إذا لم تكن فيه مخالفة للشرع، واشكر والدتك على حرصها على دراستك ورغبتها في أن تراك ناجحاً متفوقاً، ولا تجامل في أمر دراستك ولا تتركها بدافع العناد، فإنك أول من يسعد بالنجاح ويتألم بالرسوب والكساد، واحمد الله الذي هيأ لك من يطلب منك الاجتهاد في دراستك.

وأرجو أن تعلم أن الوالدين قد يحرمان الولد من بعض الأموال وليس في ذلك ما يدل على عدم حبهم لأبنائهم، وقد يدل ذلك على مصلحتهم، فالمال مع الشباب قد يتحول إلى مشكلة، وإذا وجدت أموالاً فاعلم أن أولى الناس بها هم والداك فأنت ومالك لأبيك.

أما رسالتنا لوالديك فهي كما يلي:

إلى من سعدا وفرحا بابنهما أحمد، الذي نسأل الله أن يصلحه وأن ينفع به البلاد والعباد، نقول: شكراً لكما على تعبكما وسهركما في تربيته والسهر من أجل راحته، وحق لكما أن تسعدا بتقديره لكما، ولكننا نتمنى أن يجد منكم الاهتمام والتقدير في هذه السن التي يريد فيها أن يثبت وجوده، كما أرجو أن تحاوروه وتشاوروه في أمور المنزل، وخاصة الأمور الخاصة به، كما نتمنى أن يفوز بصالح دعواتكم وعظيم توجيهاتكم، ونسأل الله أن يجمعنا بكم وبه في جنات النعيم.

أما وصيتنا لك فهي قول الله تعالى: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ))[الإسراء:23-24].

ونسأل الله لك التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً