الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التخلص من وساوس الحسد

السؤال

أنا شاب حديث الالتزام ولله الحمد، مشكلتي أنني كنت أحمل الضغينة والحسد في قلبي قبل 3 سنوات تقريباً، وهذا المرض القبيح كان معي لكن ولله الحمد والمنة قبل 4 أو3 أشهر تبت إلى الله، وبدأت كلما رأيت شيئاً لأحد من الناس أدعو له بالبركة، مع العلم أني في تلك الفترة لم أكن أصيب بعيني شيئاً، وكانت نفسيتي مرتاحة جداً!

إلى أن سمعت بمرض أحد جيراني مرضاً أظنه نفسياً؛ فبدأت أتهم نفسي بأنني أنا الذي أصبته بعيني، وأصبح هذا الأمر يشكل لي وسواساً؛ لدرجة أن أي أحد يجلس بجانبي يسمعني أقول: ما شاء الله تبارك الله؛ من شدة خوفي أني أصيبه بعيني! فصار الناس يسمعونني أكررها على كل من يجيء بجانبي أو أمامي؛ حتى خافوا أن أصيبهم بالعين فعلاً! فبدؤوا بالتذمر والهرب والاشمئزاز من رؤيتي وأنا أصابتني الوسوسة!

أحاول ألا أترك ما شاء الله تبارك الله؛ لكن أحاول أن أخفيها! يا إخواني أنا مثل (الحرامي الذي على رأسه ريشة)، وما يدعوني لهذا الشيء هو خوفي الشديد من أن أصيب أحداً من الناس بعيني؛ حتى أصابني القلق وصرت حتى مع إخوتي حينما أراهم أدعو لهم بالبركة بصوت يسمعونه!

إخواني، إنني إذا مشيت في الطريق أو صلى بجانبي أحد أقوم بإغماض عيني عنه؛ لكي لا أحسده، إخواني، أتمنى أن تعطوني أدعية أدعو بها خالقي عز وجل وأساله أن يعافيني من هذا الداء الخطير، وهو الحسد والوسوسة،
أرجوكم، أنا بين نارين، نار الخوف من أن أحسد أحداً، ونار الوسوسة.

أتمنى أن تردوا علي بأسرع وقت، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ م م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فنسأل الله أن يحفظك وأن يهديك إلى أحسن الأخلاق والأعمال.

وقد أسعدتني مجاهدتك لنفسك، وحرصك على علاجها، وبشرى لمن يخالف نفسه ويطارد أهوائها، ومرحباً بك في موقعك وبين آبائك وإخوانك، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يخلو جسد من حسد، ولكن المؤمن يخفيه والمنافق يبديه) والمسلم إذا حسد لا يبغي لأنه لا يحول حسده إلى غيبة أو نميمة أو إلحاق للضرر بالمحسود، وإنما يتعوذ بالله ويدعو للمحسود ويتمنى له التوفيق، ويتوجه بحاجته إلى من يجيب من دعاه، ولا مانع من تمني مثيل النعمة، وتلك هي الغبطة، أما الحسد فهو تمني زوال النعمة من صاحبها.

ولا يخفى عليك أن نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما شاهد إكرام الله لمريم رفع أكف الضراعة، وقال: ((رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ))[آل عمران:38]، وكأنه قال يا من أعطيت مريم وأكرمتها هب لي، وهكذا المؤمن يفرح بنعمة الله إذا نزلت على إخوانه، ويشكر الله ويردد بلسان أهل الإيمان: ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر) ويكرر الدعاء في المساء.

وقد أسعدني تخلصك من مرض الحسد الذي هو أول ذنب عصي الله به في السماء كما قال الماوردي، وهو كذلك ذنب عصي الله به في الأرض، فقد حسد إبليس أبانا آدم على إكرام الله له، وأعماه الحسد فامتنع عن السجود، فحلت عليه اللعنات، وحسد أحد ابني آدم أخاه، وترجم حسده فمد يده وقتل أخاه فكان من النادمين، والحسد يعمي ويصم، وهو صنعة اليهود وسبب كفر أبي جهل.

فاحمد الله الذي نجاك، ولا تحمّل نفسك فوق طاقتها، ولست وحدك من يُحسد، ولن يضر الحاسد أحداً إلا بتقدير الله، وما ينبغي أن تتهم نفسك بأن ضرر الناس بسببك، فتجلب لنفسك الوساوس، ولا ينبغي أن نتهم الآخرين بأنهم من الحاسدين، فهذا داء دفين لا يطلع عليه إلا رب العالمين، وقد تظهر بعد علاماته من فلتات اللسان، وتعمد الأذية للإخوان، ولن يضر الحاسد إلا نفسه، وقد أحسن من قال:

اصبر على مضض الحسود فـــإن صـــــبـرك قـاتلـــــــه
فـالـنـــــــار تـأكــــــل بــعــضــهــا إن لم تجد ما تأكله
وأرجو أن تعلم أنه ليس من الصواب ولا من السنة أن يقف الإنسان في طريق الناس، فإذا مر عليه إنسان ردد عليه ما شاء الله تبارك الله، وإنما يقول ذلك إذا أعجبه شيء في نفسه أو أهله أو ماله، أو عند الناس، أما في بقية الأحوال فالمطلوب المحافظة على الأذكار الأخرى كالتهليل والتكبير والتسبيح والاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا المختار، وإذا واظب الإنسان على الأذكار الواردة في السنة فإنه يحمي نفسه بإذن الله من السحر والعين والشرور، ويكف شره وأذاه عن الآخرين.

ونحن في الحقيقة رغم إيماننا بأن العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقت العين، إلا أننا لا نؤيد خوف الناس من العين أكثر من خوفهم من الله، الذي بيده الأمر، فنجدهم يتهامسون ويتراكضون إذا جاء فلان أو علان، مع أن الإنسان قد يصيب نفسه وولده بالعين، (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

فهون على نفسك، واشغل نفسك بطاعة الله، واترك الناس وما عندهم، واذكر ربك في نفسك كثيراً، ولا تضع نفسك في مواضع التهم، وتعوذ بالله عندما تشعر بوساوس الشيطان، وراقب ربك الرحمن، وصلي وسلم على المبعوث من عدنان، وتذكر أنك أمرت بمخالفة عدونا الشيطان، الذي يريد أن يحزن أهل الإيمان، وليس بضارهم إلا بتقدير المنان.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية ابو صالح

    جزاكم الله عنا خيرا وبارك فيكم وفرج كرباتكم يا اهل الخير .

  • المؤمنة بالله

    شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً