الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مطلقة وزوجي يرفض توثيق الطلاق لإبقائي معلقة!!

السؤال

سيدي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأنا امرأة عربية مسلمة، أؤمن بالله سبحانه وتعالى وبالقضاء والقدر، مطلقة ولي ولد، وأنا في مقتبل العمر ومن بلد إسلامي يعمل بالشريعة الإسلامية، أعيش حالياً مع ابني الوحيد الذي يبلغ من العمر أربعاً وعشرين سنة في بلد عربي غير بلدي الأساسي؛ حيث يتابع دراسته الجامعية.

مشكلتي تتلخص بأنني مطلقة منذ ما يقارب العشر سنوات، ولكن بدون إثبات للطلاق لدى الدوائر الشرعية المختصة، ومطلقي يرفض الاستجابة لطلبي وعمل ما يلزم؛ خوفاً من أن أتزوج برجل آخر! وهو يريد أن يبقيني كالوقف بدون حل وبدون زواج؛ انتقاماً مني لأني أنا التي طلبت الطلاق ولإرغامي على البقاء مع ابني؛ لأنه متزوج من امرأة أخرى وله منها أولاد ولا يريد ولدي مع أولاده.

لقد حاولت كثيراً وما زلت أحاول أن أحصل على وثيقة الطلاق، ولكنه مصر على رأيه وماض بتعنته، وقد حاولت مع إخوتي - وهم ليسوا قليلي العدد - لينصفوني منه، ولكن بدون أدنى فائدة؛ لأنهم يريدوني أن أظل بعيدة عنهم، خاصة أن والدي - رحمه الله - متوفى منذ سنوات، وأمي كلما فاتحتها بالموضوع يصيبها الإعياء والمرض ولا تستقر حالتها إلا عندما أعود عن كلامي، وإخوتي كل واحد منهم مشغول بنفسه ولا أحد يكترث لأمري، وولدي هو الآخر لا يهمه أمري؛ لأنه متعلق بوالده والمهم عنده أن يصل إلى مبتغاه.

إن عاداتي وتقاليدي تمنعني من اللجوء إلى المحاكم، وأنا أريد حقي الشرعي بالحسنى، والأيام تمضي والسنون كذلك وأنا على هذه الحال، مع العلم بأني لست مسؤولة عنه بشيء، وهو لا يقدم لي شيئاً إلا ما يقدمه لولده، وكلما احتجت لشيء أطلبه من أهلي وهم يتجاوبون معي على قدر المستطاع، ولكن بدون حل.

أفيدوني بالحل، كيف أتصرف إن كان لديكم حل؟ وما هو حكم هذا الرجل أمام الله والشرع، خاصة وأن الموضوع بات كالهجر وهذا محرم في الإسلام؟ وما هي حدود مسؤوليتي تجاه رب العالمين في التغاضي والسكوت، مع العلم أنه من غير الممكن أن أعود إليه؟

جزاكم الله خيراً، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Meriam حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فويل للظالمين من رب العالمين، والله تبارك وتعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، إن أخذه أليمٌ شديد، وهو سبحانه يمهل ولا يهمل.

ونحن إذ نشكر لك اهتمامك بولدك الوحيد نسأل الله أن يكتب لك الأجر والثواب، إنه حميد مجيد، ونرحب بك في موقعك بين آبائك وإخوانك الذين يتألمون مع إخوانهم وأخواتهم، ولا عجب فنحن أمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يغفر لك ذنبك.

وكم هو عجيب أن يكون في المسلمين من يريد أن يعود إلى ظلم الجاهلية وظلماتها، وأعجب منه أن يسكت الأهل على هذا الظلم، أليس فيهم رجل رشيد يردع هذا الذي يصر على أن يجعلك كالمعلقة؟! وقد كان الرجل في الجاهلية إذا أراد أن يلحق الأذى بالمرأة طلقها، فإذا تمت عدتها أرجعها ثم طلقها، وهكذا بلا عدد ولا حساب، فجاءت شريعة الله وقطعت الطريق على العابثين الظالمين فقال تعالى: (( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ))[البقرة:229] مرة بعد مرة، فإذا جاءت الثالثة فلا سبيل له إليها حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً يقصد فيه الرجل الجديد التأبيد والاستمرار، وإلا كان تيساً مستعاراً، وكان فيهم من يحلف على هجر زوجته فجعلت الشريعة لذلك حداً، ونزل قول الله: (( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))[البقرة:226-227].

وقد أسعدني حرصك على الستر وعدم رغبتك في الذهاب إلى المحاكم، وهذا دليل على ما عندك من أدب وحياء، وأرجو أن يتفهم العقلاء من أهلك هذه المشاعر النبيلة، ويجتهدوا في تخليصك بالتي هي أحسن، كما أرجو أن تذكّري ذلك الظالم بأن دعوة المظلوم مستجابة، وأنك سوف ترفعين أمرك لمن لا يغفل ولا ينام، وسبحان من يرفع دعوة المظلوم فوق الغمام، وليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، وحرضي أهلك على نصرتك، ولا تيأسي فإن الإنسان لا يدري متى تكون الكلمة المؤثرة، وأكثري من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وكرري التوجه إلى الله بإلحاح.

ونحن بدورنا نسأل الله أن يفرج كربتك، وأن يسهل أمرك، ولا أظن أن لابنك مشكلة، فقد بلغ مبلغ الرجال، ولن يحتاج للذهاب إلى زوجة أبيه.

وعليه فإن هذا الوقت مناسب لتوثيق الطلاق وتخليصك من الظلم والأذى، ومن الضروري أن يشعر أهلك أن لصبرك حدوداً، وأرجو أن تجدي من العمات والخالات والصالحات من تحرك الموضوع، كما ينبغي أن يكون لمحارمك الآخرين دور في هذا الموضوع كالأعمام والأخوال.

وإذا لم يحصل تقدم في الأمر فلا مانع من رفع الأمر إلى السلطات الشرعية، والله تبارك وتعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والمؤمن يخوف بالله ويرتدع، والمنافق الظالم لا علاج له إلا بقوة السلطان وبفضحه بين الأنام، ويمكن أن تجدي من يعينك على هذا الأمر من محارمك ويغنيك عن الوقوف أمام القضاة، وذلك بعمل توكيل شرعي حتى يتولى رفع قضيتك، ونسأل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً.

ونحن نوصيك بتقوى الله عز وجل: (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ))[النحل:128]، وقد وعد سبحانه أهلها بأن ييسر أمورهم ويخرجهم من الأزمات، فقال سبحانه: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ))[الطلاق:4]، وقال سبحانه: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ))[الطلاق:2].

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً