الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالة الاكتئاب وتأثيرها على فاعلية المرء وإنتاجه

السؤال

منذ أكثر من من عشر سنوات أصبت بالوسواس القهري الفكري وأنا في الخامسة عشرة من العمر، وعانيت لأكثر من ثلاث سنوات، تحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق، حيث كنت أظن سابقاً أني أشك في وجود الله، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، وتركت على إثره الصلاة، وفروض ديني، وتيقنت أن مآلي إلى النار، ولم أكن أعلم سابقاً بأن هناك أمراضا نفسية إلى أن تخلصت منه بفضل الله وتدريجيا.

لا أريد أن أخوض في تفاصيل هذا المرض لأنه ليس موضوع استشارتي، بعد أن شفيت من هذه المشكلة أشعر أنني أصبحت لا مبالياً، ضعيف الهمة، وقل إنتاجي، وضعف نشاطي، دائم الفشل في الحياة، والتأخر الدراسي، وضعيف التركيز، وقليل الانتباه، كثير السرحان، أجد صعوبة في اتخاذ القرارات، ولا أرى أني جدير بتحمل المسئولية والزواج (علماً بأني أمارس العادة السرية لأكثر من 17سنة) مستقبلاً، عديم الثقة في نفسي، وكنت قبل سنتين أرى أن وجهي مشدود، لا أستطيع الابتسامة، فأخجل من فعل ذلك أمام المجتمع، وأكثر ما يقلقني هو عدم قدرتي على الانضباط والالتزام في الحضور إلى الكلية، دائم التأخر والغياب، لا أستطيع التحكم في نفسي، أحسد من يتمتعون بهذه الصفة.

أنا الآن في السنة الثالثة من الدراسة الجامعية، وزملائي تخرجوا وأنا من فشل إلى فشل، أجد حيرة في نفسي بين ترك الدراسة والانخراط في العمل؛ لأني لا أرى حاجة لسوق العمل لهذا التخصص، أقصد اللغة العربية، ومع ذلك لا أشعر أنني قادر على الدراسة فضلاً على العمل، أستطيع التوافق مهنياً وعلمياً، وحتى اجتماعياً، أحياناً أشعر بالحيرة والتخبط، دائماً تراودني مخاوف حول الموت، لا أشعر ببهجة الحياة كما كنت أشعر بها من قبل.

ذهبت إلى دكتور نفسي، وقال أنت طبيعي، ولا تعاني من مشكلة، فهل صحيح أني لا أعاني من مشكلة؟ وهل إسقاطي الأعذار على المرض النفسي تبرير لأفعالي؟ وهل هناك علاج لحالتي أفيدوني؟

أنا أقرأ كتباً كثيرة في البرمجة اللغوية حول نقل الصفات المرغوبة، والتخلص من الاكتئاب، وتغير الحياة من الفشل إلى النجاح، فكيف يمكنني استخدامه في تغيير حياتي؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكما ذكرت أنك قد عشت رحلة الوساوس، وبعد ذلك أتتك هذه الأفكار السلبية وعدم الفاعلية، وفي نظرنا هي حالة اكتئابية مع احترامنا الشديد لما ذكره لك الطبيب بأن وضعك طبيعي.

يعرف تماماً أن واحداً من نتائج وسمات الاكتئاب الأساسية هو فقدان الفاعلية والدافعية والشعور بالإحباط، ولا زال هنالك بعض الأفكار الوسواسية البسيطة تراودك من وقت لآخر، وهذا التفكير السلبي الذي يسيطر عليك -في نظرنا- هو من صميم الاكتئاب.

الحالة بصفة عامة تعالج بتغيير الأفكار، وهو أن تجري حواراً ذاتياً إيجابياً مع نفسك، وأن تستبدل هذه الأفكار السلبية بما يقابلها من أفكار إيجابية، فأنت الآن -بحمد الله – في ريعان الشباب، وبالتأكيد أمامك – إن شاء الله – مستقبل طيب، فقط الأمر يتطلب منك أن تضع أهدافاً واضحة في الحياة، أهدافاً يمكن الوصول إليها، وبالطبع هي في حالتك أن تتحصل الشهادة الجامعية المرموقة.

لا تعتبر أن ما حصل لك هو فشل، بل هي تجارب بالطبع حاول أن تستفيد منها من أجل تطوير المستقبل.

كل فكرة سلبية لديك حاول أن تستبدلها بفكرة إيجابية، ومن رحمة الله تعالى أن هنالك ثنائية عجيبة في هذا العالم، فكل فكر أو فعل سلبي لديه ما يقابله مما هو إيجابي، إذن حاول أن تزرع هذه الإيجابية في نفسك، وهذه ليست نوعا من خديعة الذات، فأنت لا تخادع نفسك؛ لأن فرص أن تبني فكراً إيجابياً أكثر من أن تبني فكراً سلبيّاً، والحياة تقوم على ذلك، فالحياة لا تقوم على الفشل بل هي تقوم على النجاح، والبرمجة العصبية هي تقوم على ما ذكرته، فهي ليست أكثر من أن يحاول الإنسان أن يعيش حياة إيجابية فكريّاً وعمليّاً وتطبيقيّاً وأن الفكر السلبي هو الذي يؤدي إلى الاكتئاب، فحاول أن تبني خارطة إيجابية في داخل نفسك، حاول أن تدير وقتك بصورة صحيحة، فإدارة الوقت بصورة صحيحة هي واحد من مفاتيح النجاح الضرورية جدّاً.

خصص وقتاً للقراءة، ووقتا للراحة، ووقتا للعبادة، ووقتا للرياضة، ووقتا للتواصل الاجتماعي، وسوف تجد نفسك أنك قد أصبحت فعَّالاً، لا تساوم نفسك ولا تتبعها ولا تطاوعها فيما هو سلبي، ارفع من همتك، فهذا أمر ضروري جدّاً.

أيضاً يمكن أن تستفيد من القدوة الصالحة، ومن الإخوة الفاعلين والفعَّالين، ومن الإخوة الخيرين، اجعلهم أصدقاءك ورفقتك، وفكر في أن تكون مثلهم، هذا أمر متاح وموجود - وبحمدِ الله - نحن في بلاد إسلامية توجد فيها الأخوة، وتوجد فيها المحبة، ومهما كانت هنالك سلبيات ففي نظرنا الإيجابيات هي أكثر، والخير - إن شاء الله - سوف يغلب بالتأكيد.

نرى أنك محتاج للعلاج الدوائي، والأدوية سوف تساعدك كثيراً، فنرجو ألا يكون لك موقف سلبي نحو الدواء، فالدواء ضروري؛ لأن هنالك نظرية بيولوجية كيميائية لا يمكن أن نتجاهلها، وهذه النظرية تقول: إن الوساوس القهرية، وكذلك الاكتئاب والمخاوف والقلق كلها ناشئة من ضعف أو عدم انتظام بعض المواد والموصلات العصبية الموجودة في الدماغ منها مادة معروفة اسمها (السيراتونين)، فأرجو أن تأخذ بهذا السبب وتتناول بعض الأدوية، وسيكون الدواء الأفضل بالنسبة لك هو العقار الذي يعرف باسم (زولفت/ لسترال)، وهو دواء مناسب جدّاً، وهو – إن شاء الله - يبني لك طاقات ويساعدك لتتخلص من هذا الفكر الاكتئابي السلبي.

ابدأ في تناول الزولفت حبة واحدة (50 مليجرام) يومياً بعد الأكل، وبعد شهر ارفع الجرعة إلى حبتين في اليوم (100 مليجرام)، ثم استمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك خفض الجرعة إلى حبة واحدة يومياً لمدة ثلاثة أشهر، ويكون العلاج قد انتهى.

هذا الدواء من الأدوية السليمة وهو ليس إدمانياً وليس تعودياً، ولا يسبب أي آثار سلبية مضرة بإذنِ الله تعالى.

هنالك أدوية أخرى مثل الفافرين ومثل البروزاك والسبراليكس والزيروكسات والإيفكسر، ولكن ربما يكون اللسترال/ الزولفت هو الأنسب بالنسبة لك وهو متوفر - بفضل الله تعالى - في المملكة العربية السعودية.

إذن ما تحتاجه هو التفكير الإيجابي، وهو رفع الهمة، وتنظيم الوقت، والتأكد من أنك سوف تتحسن - بإذن الله تعالى – ولابد من تناول الدواء لأننا على ثقة ويقين - بإذن الله تعالى – أنه سوف يفيدك كثيراً.

أسأل الله لك الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً