الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأم أهانتني ورفضت مسألة الخطبة لولدها، ماذا أفعل؟

السؤال

وافقت على زواج الصالونات بالرغم من اعتراضي الشديد على فكرته، ووافق العريس علي، وذهب ليأتي بوالدته كي تراني، ورفضتني والدته بالرغم من أنني متدينة وهادئة وطيبة، وعلى قدر معقول من الجمال، ولكني نحيفة بعض الشيء.

قالت: أن ابني لن أعطيه لأي أحد، أنا ابني مركزه كذا وكذا، وسأزوجه من هي أحسن، مع أنني -والحمد لله- طبيبة، ومركزي جيد.

لا أعرف لماذا الإهانة، فالرفض يتم، لكن لا داعي لأن تعيب في جسدي، وتقول إنني نحيفة، ولا أصلح أن أكون زوجة لهدوئي، ولن أشبع رغبات أي زوج.

أنا قلبي مكسور ومجروح؛ لأنني إنسانة حساسة جداً، ولم أتعرض في حياتي لإهانة مثل تلك.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة -حفظها الله-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق وأن يرزقك خيراً مما أُخذ منك، وأن يرزقك زوجاً صالحاً يكون عوناً لك على طاعته، وحجاباً لك من النار، وأن يجبر كسرك، وأن يتولى أمرك، وأن يجعل لك من لدنه ولياً ونصيراً، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك فأعتقد أنك بما أكرمك الله -تبارك وتعالى- به من العلم والثقافة والمعرفة والتخصص في الطب أصبحت على قدر كبير من المعرفة بأن الناس يختلفون في طباعهم، ومشاربهم وأخلاقهم وأفعالهم وتصوراتهم، والواحد منا -كما لا يخفى عليك- ابن بيئته ووليد نشأته، فمن نشأ منا على طاعة وفي بيئة طيبة فإنه عادة ما يكون كذلك، والناس قد يكونون في أسرة واحدة أفرادها بينهم من الاختلاف ما الله به عليم، فأنت قطعاً لست كأخواتك أو إخوانك، وكذلك إخوانك أيضاً، وهكذا الناس جميعاً، وكما قال الله تبارك وتعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، [هود:118-119]، فاختلاف العادات واختلاف الأخلاق أمر طبيعي؛ لأن كل واحد منا يحمل موروثات البيئة التي ينحدر منها، وهذا الذي صدر من أم الأخ الذي تقدم لك إنما ينمُّ عن أخلاقها وعن البيئة التي انحدرت منها، وأنت أيضاً أخلاقك وما أكرمك الله به إنما ينمُّ عن البيئة التي انحدرت منها وعن الأخلاق التي أكرمك الله تبارك وتعالى بها.

ومن المعلوم أن رضا الناس غاية لا تدرك وأننا مهما حاولنا أن نرضي الناس جميعاً فلن نستطيع أن نصل إلى حل في ذلك؛ لأن لكل واحد منا مزاجه، ولكل واحد منا رغباته، ولكل واحد منا أهواؤه، المهم أن يحرص العبد على أن يرضي الله -تبارك وتعالى جل جلاله- وحده، وبرضا الله -تبارك وتعالى- عنه سيرضى عنه الخلق، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس).

فهذا الذي حدث أتمنى ألا يكون على قدر كبير من الألم بالنسبة لك؛ لأن اختلاف وجهات النظر شيء طبيعي، وكما قالوا: (ولولا اختلاف الأنظار لبارت السلع) فأنت -بارك الله فيك- لك من فضل الله تعالى صفات طيبة تعتزين بها، وتعلمين أن الله أكرمك بها، ولكن هذه صفات قد لا تعجب غيرك، مواصفاتك قد لا تروق لغيرك، وكذلك أيضاً الناس معك فليس كل الناس أمامك سواء؛ ولذلك أقول لأختي الكريمة: إن ما حدث من هذه الأم إنما هو نوع من الجهالة، ونوع من قلة مراعاة مشاعر الآخرين، ولعلها رُبيت على هذه الصفة، ونشأت بهذه الطريقة، وترى أن ابنها الآن أصبح ذا شخصية كبيرة، وأن من حقها أن تتطاول على من شاءت، بل ومن حقها أيضاً أن تعيب من شاءت وما أرادت دون مراعاة لمشاعر الناس، هذا بلا شك تصرف غير شرعي، وتصرف غير أخلاقي وغير حضاري، وأنا معك في ذلك كله، ولكن ماذا نستطيع أن نفعل؟ ليس لنا إلا أن نصبر حقيقة على أذى الناس؛ لأن من يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل ممن لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.

أما فيما يتعلق بظروفك أنت النفسية أو الشخصية، فكم أتمنى أن تكرمي نفسك أيضاً وأن تبحثي عن حل لهذه النحافة؛ لأن هذه النحافة التي ذكرتها حتى وإن كانت بعض الشيء إلا أنها قد لا تكون مرغوبة، كما أن السمنة الزائدة ليست بمرغوبة، فكذلك النحافة الزائدة ليست بمرغوبة، وأنت -ولله الحمد- طبيبة مدركة واعية، وتعلمين أيضاً نتيجة احتكاكك بالناس، ورغبات الناس، وكيف تكون، خاصة في المجتمع المصري.

فأتمنى إذا كان هنالك من سبيل لعلاج هذه النحافة الزائدة أن تأخذي به، أو طريقة للعلاج أو طريقة للطعام أو غير ذلك حتى تكوني في وضع طيب؛ لأن الناس يرغبون عادة في الزوجة أن تكون موفورة الصحة وأن تكون على قدر كبير من الحيوية.

نعم أنا أقول إن النحافة قد تكون مسألة شخصية بالنسبة لك، وهناك أيضاً من يرغب في هذه النحافة ومن يفضلها، بل هناك من يحبذها وهناك من يبحث عنها، ولكن الوسط دائماً طيب، وخير الأمور أوسطها كما نعلم، والله -تبارك وتعالى- قال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، [البقرة:143]، فأتمنى إن كانت هذه النحافة فعلاً بادية واضحة أن تجتهدي في معالجتها بأي صفة كانت، سواء كانت بنوع من الأطعمة أو الأغذية المعينة أو غير ذلك مما لا يخفى عليك، فأنت طبيبة والعارف لا يعرف.

وأما -كما ذكرت- ما حدث بالنسبة لهذه الوالدة فأرجو أن تغفري لها خطأها؛ لأن هذا يدل على قلة رصيدها من الأخلاق وعلى قلة تقديرها لمشاعر الآخرين، خاصة وأنها قد تظن أن ولدها بما أنه أصبح شخصية كبيرة فإن من حقها أن تعيب من شاءت -كما ذكرت-.

نعم أنا معك بأن هذا خطأ وأن هذا لا ينبغي ولا يليق، ولكن ماذا نفعل وقد حدث، الأمر قد حدث وهذه أخلاقها، وهذا قدرك الذي قدره الله قبل خلق السموات والأرض، ونحن -كما ذكرتَ- لا نستطيع أن نغير الكون كله، ولا نستطيع أن نحكم على أخلاق الناس جميعاً؛ لأن كل واحد يعرف ما فعل، فهي تعرف ما فعلت وتظن أنها ما فعلت إلا الصواب، وأنها ما قالت إلا الحق، وهذه وجهة نظرها، وذلك نتيجة القدر الذي تعلمته من الأخلاق والقيم والمبادئ في بيئتها أو التي عاشته مع زوجها ومع أولادها، فالحمد لله أن الله -تبارك وتعالى- قدر هذا الرفض، ولعل الله -تبارك وتعالى- أراد بك خيراً من أن تعيشي مع امرأة بهذا السوء قد تؤذيك صباحاً مساء، ولا تراعي شعورك، ولا تقدر مشاعرك ولا ظروفك.

والذي أوصيك به أن تتوجهي إلى الله -تبارك وتعالى- بالدعاء، أن يرزقك الله -تبارك وتعالى- زوجاً صالحاً، وأن يكون عوناً لك على طاعته؛ لأنك تعلمين أن أعظم نعمة بعد نعمة الإيمان بالنسبة للمرأة أن يمنَّ الله عليها بزوج صالح، كما أن أعظم نعمة بعد نعمة الإيمان بالنسبة للرجل أن يكرمه الله -تبارك وتعالى- بزوجة صالحة، وهذه قضية مصيرية وحيوية حقيقة، ولا غنى للإنسان عنها، يعني حتى ولو أنك أصبحت نقيبة الأطباء أو وزيرة من الوزراء فأنت في حاجة إلى زوج قطعاً، والرجل في حاجة للزوجة ولا بد؛ ولذلك دعاؤنا أن يرزقنا الله -تبارك وتعالى- الزوج الصالح والذرية الطيبة، هذه سنة الأنبياء والمرسلين، وهذا ما أنصحك به.

أرجو أن تخففي من وطأة هذا الحدث على نفسك؛ لأنني أعلم بأنه نظراً لحساسيتك الشديدة، ولعدم تعرضك لمثل هذا الموقف من قبل فإنه قد آذاك إيذاءً بليغاً، ولكن هذا قدر وهذه أخلاق المسلمين من حولنا، فاحمدي الله تعالى أن أعطاك أخلاقاً طيبة، واحمدي الله تعالى أن عافاك من الاقتران بولد هذه المرأة لاحتمال أن تكون هذه الأخطاء وتلك التصرفات ستصبح طبيعة ملازمة لها، فتكونين في نكد وهم لا يعلمه إلا الله تعالى.

اسألي الله -تبارك وتعالى- أن يغفر لها، وسلي الله أن يرزقك زوجاً صالحاً طيباً مباركاً، ورجاءً -وهذا رجاء شخصي من أخ لأخته- أن تهتمي بمسألة النحافة وأن تبحثي لها عن حل، خاصة إذا كانت ملفتة للنظر، وتبدو غير طبيعية في نظر الناظرين إليك؛ لأنك فتاة وفي حاجة إلى زوج وهذا أمر فطري وطبيعي، والأزواج عادة يرغبون في الأمور الوسط وخير الأمور أوساطها.

أتمنى لك التوفيق والسداد وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقك زوجاً صالحاً وأن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يثبتك على الإيمان، وأن يجبر كسرك، وأن يجعل قلبك قلباً سعيداً مسروراً بطاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

هذا وصلَّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً