الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوصف بالتشدد في الدين .. الزواج من متشدد في الدين

السؤال

تقدم لخطبتي شاب يكبرني بسنة، متدين ومتشدد بالدين ومن حفظة القرآن ذو تعليم متوسط يختلف عني بالجنسية، يعني فرق التعليم وفرق الجنسية مع العلم بأني لست متشددة بالدين، فهل هذا يعتبر زواجاً متكافئا؟ مع العلم بأنه مثقف من الناحية الدينية، وهل هذا ينطبق على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يكثر من أمثالك وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه ويعاشرك بالمعروف وترزقين منه بذرية صالحة.

بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الدكتورة هند – فإنه كما لا يخفى عليك أن السنة في فارق السن ليست كبيرة بل ولا السنة والسنتين ولا الثلاث ولا الأربع ولا حتى العشر، فإن هذه أمور الآن أصبح يتجاوز عنها، وأنتما لازلتما في سن واحد تقريباً، ولعل ذلك أنسب لك أن يكون دائماً الرجل أكبر من المرأة، فقد جرت عادة الناس بأنهم يحبون ذلك، وأنهم لا يحبذون أن تكون الفتاة أو الزوجة أكبر من زوجها، ولعل ذلك قد يكون قد وفر عنده نوع من الرزانة والحكمة والتعقل فيكون ذلك أفضل - بإذن الله تعالى – .

وأما كونه متشدداً في الدين أو متديناً، فأنا لا أفهم ما معنى (متشدد في الدين) هل كل من يلتزم بالسنة ويحفظ القرآن الكريم يكون متشدداً؟! نحن كلنا مطالبون بأن نكون ملتزمين بشرع الله تعالى وأن نطبق الإسلام في حياتنا تطبيقاً عملياً حرفياً، أما كوننا نقصر في ذلك فليس معنى أن المقصر ملتزم بالدين، الذي يترك سنة مخالفٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم والذي يقع في معصية عاصٍ لله ورسوله، سواء أكانت هذه من الكبائر أو من الصغائر، أما إنسان يحفظ القرآن قطعاً أفضل مليون مرة من الذي لا يحفظ القرآن، الذي يلتزم بالإسلام في حياته – في معاملاته وفي أخلاقه وفي سلوكه – أفضل مليارات المرات من الذي لا يلتزم.

إذن - أختي الكريمة - لا يوجد هناك أبداً وجه شبه بين إنسان ملتزم وإنسان غير ملتزم، وكثير من المسلمين لا يصلون، هل هذا مسلم ملتزم؟ حتى وإن كانت أخلاقه عالية فهو مسلم مقصر قطعاً وعلى خطر عظيم. كثير من المسلمين يتعاملون بالربا هل هذا المسلم الذي يتعامل بالربا ملتزم بالإسلام؟! فقطعاً الذي لا يتعامل بالربا هو الملتزم، والذي يحافظ على الصلاة هو الملتزم، والذي يحافظ على أخلاق الإسلام في معاملاته هو الملتزم، والذي يلتزم الحلال ويتقي الحرام كما أراد الله هو الملتزم.

أما ما سوى ذلك - أختي الدكتورة هند – هذا مفرط ومقصر وهو على خطر عظيم، وقد يدخل النار إذا لم يتب إلى الله من هذه المخالفات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)، فمن أطاع النبي صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ومن عصى النبي - عليه الصلاة والسلام - فليس من أهل الجنة. فهذا هو المعيار، أما ملتزم ومتشدد بالدين، يعني هل كونه أنه ملتزم يعني له لحية ويحافظ على الصلاة في جماعة هل هذا تشدد؟! كونه يقول بأن الاختلاط الفاسد هذا لا يجوز شرعاً هل هذا تشدد؟! كونه يقول بأن المرأة لا يجوز لها أن تخاطب الرجل هل هذا تشدد؟! كونه لا يرقص في المراقص ولا يسمع الأغاني ولا يسمع الموسيقى هل هذا تشدد؟!

هذه تصرفات من لا خلاق لهم ولا دين، أما هذا الالتزام - أختي الكريمة - الذي ذكرته هو الدين، هذا دين الله تعالى، ولكن كون الناس مقصرين – نسأل الله أن يغفر لهم وأن يتوب عليهم وأن يهديهم – ولذلك أنا أعتبر هذا الأخ بالنسبة لك نعمة عظيمة؛ لأنه قطعاً سيعينك على دينك، ويعينك على دنياك، ويأخذ بيدك إلى الجنة، على أقل قد لا تكوني أنت مهتمة بحفظ القرآن فتبدئين معه حفظ القرآن وتعينينه بفضل الله تعالى على أعمال الدين، تلتزمين بالحجاب الشرعي الكامل، تتعلمين ضوابط الاختلاط إذا كان الاختلاط ضرورة ولابد منه، إلى غير ذلك، فأنا أقول: والله إنه خير من ملء الأرض من الشباب الذين لا يلتزمون بهذا الدين، فأنا أعتبر هذا الأخ نعمة - بارك الله فيك -.

أما عن كون تعليمه متوسطاً، المهم أنه رجل يمكن التفاهم معه وأن تعليمه المتوسط لا يؤدي إلى تخلفه، وفي نفس الوقت رجلٌ واعٍ يعيش الحياة كما يعيشها غيره وإذا ما عرض عليه الكلام استطاع أن يرد عليه بحكمة وتعقل ولديه من الدخل ما يستطيع أن يدير به أسرته وأن ينفق عليها بالمعروف، وأن ينفق عليها الإنفاق المعهود المعتبر المتوسط، فهذه كلها - بارك الله فيك - أمور طيبة ولا أرى ذلك أبداً – إن شاء الله تعالى – فيه أدنى خلل لا بالكفاءة ولا أيضاً بالعلم.

وأما من الناحية الدينية - كما ذكرت – فأرى أن في ذلك نفع لك عظيم، لأنك مسلمة تحبين الله ورسوله، وهذا الرجل سيعينك على تطبيق شرع الله وستزدادين محبة في الله ورسوله، فأرى - بارك الله فيك - أن تتوكلي على الله وأن تصلي صلاة الاستخارة، وأن تدرسي أحوال الرجل من جميع الجهات، وأن تتأكدي من أن هذا الرجل يفهم الدين فهما صحيحا لا يفهمه فهماً مغلوطاً أو فهماً خاطئاً، وإنما يفهم الدين الذي كان عليه سلف الأمة أهل السنة والجماعة، فإذا كان كذلك فتوكلي على الله، وأسأل الله أن يبارك لك وأن يرزقك منه ذرية صالحة، وأن يجمع بينكما على خير، إنه جواد كريم.

وأذكرك بالحديث الذي ذكرته: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، هذا حق لأنه أولى بك وأنت أولى به لأنه أخوك في الإسلام وأنت أخته.

أما فرق الجنسية إذا كان القانون لا يمنع فأقول: توكلي على الله، وإذا كان هناك فرصة لمسألة توفيق الأوضاع فيما بينك وبينه بلا مشاكل مع الدولة أو مع غيرها فاستعيني بالله عز وجل؛ لأن الجنسية لا تقدم ولا تؤخر في العلاقات الأسرية والحياة الزوجية متى ما كان هناك التفاهم وهناك المحبة والمودة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً