الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاقتها السلبية مع والدتها جعلتها تهرب لأحلام اليقظة

السؤال

السلام عليكم

أهوى كتابة القصص الخيالية، وبعضها تميل للواقع، لكن مشكلتي في ذلك أن الكتابة أخذت من وقتي الشيء الكثير، وأصبحت غير متفرغة للأشياء الأخرى سوى أن أؤدي واجباتي اليومية بالمنزل والمتطلبات الأخرى وبعدها أعود للكتابة.

وترجع هوايتي إلى حبي للهروب من المشاكل في المنزل (خاصة مع والدتي)، وأصبحت أعيش مع الخيال في حياتي، حتى إذا جلست مع أهلي أجلس معهم وأضحك مجاملة لهم؛ لأن أهلي يتذمرون من قلة جلوسي معهم، وأصبحت أمي تسميني بـ(المنطوية/ المنعزلة)، وأظن أن من أسباب ذلك أن أمي لم تفهمني ولم تشبعني بالحنان، وأعطتني مسئولية أكبر مني لأني ابنتها الكبرى.

وتريد دائماً أن تحكي عن نفسها وعن الناس الذي ظلموها وعن الأقارب وعن أخواتها وعن شراء أثاث البيت، ولم تعطني فرصة أن أبوح بحبي لها أو أتكلم عن مواهبي أو عن ماذا أحب في الحياة، ولو افترضنا أنني حدثتها بشيء في نفسي مما ذكرت أجدها تفشي سري عند والدي أو أختي، فصرت لا أثق في صداقتها كأم مع ابنتها، وصرت أتحاشى الحديث معها، وأصبحت أهرب من الجلوس معها، فاتهمتني بأني بخيلة لا أقدم لها المساعدة بالرأي وأني أمتن بنفسي عليها، لكن كل كلامها عكس ما في نفسي.

ودائماً تشتكيني إلى والدي، وأغلب كلامها معه تفهمه خطأً، فأصبحت أعمل ما يطلبونه مني كترتيب المنزل أو مساعدة والدتي أو الجلوس مع العائلة وأنا مجبورة، لأني إذا لم أفعل ما يريده والداي فسيكون مصيري العتاب، وصارت تأتيني حالة أثناء قيامي بالأعمال المنزلية أو أثناء جلوسي مع العائلة فأتخيل قصصا فكاهية وبعدها أضحك، وقد لاحظت أختي ذلك، وأخاف أن يعلموا بذلك فأنا لم أخبرهم بذلك، فقدموا لي النصيحة المناسبة.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حياة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن محتوى رسالتك يدل أنه لديك شيئاً من أحلام اليقظة تعبري عنها عن طريق الكتابة، وهذه الكتابة أخذت أيضاً الطابع الوسواسي؛ لأنها أخذت من وقتك الكثير، وهذا نوع من الوساوس القهرية البسيطة القائمة على الإفراط في الخيال والتفكير والميول للانعزال والهروب.

وهذا أمر يمكن علاجه وليس هناك مستحيل أبداً في التحكم بالتفكير الخيالي، فالتفكير الخيالي يجب أن يناقش الإنسان نفسه بأنه مضيعة للوقت وبأنه غير مفيد، وفي ذات الوقت تقومي بوضع برامج يومية تحددي فيها الأوقات والواجبات التي يجب أن تقومي بها وتلزمي نفسك إلزاماً قاطعاً باتباع هذا البرنامج.

وهذه طريقة بسيطة ولكنها مجدية جدّاً؛ لأنها من الوسائل الممتازة لأن يفرض الإنسان نوعاً من القيود على ذاته، وهنا يكون الضابط أو المراقب هو الضمير الذاتي، وهذا أفضل رقيب على الإنسان في مثل هذه الحالات.

ويأتي بعد ذلك علاقتك بوالدتك، فالخلافات توجد بين الناس وبين أفراد الأسرة الواحدة، ونعرف أن ما ذكر في المدرسة التحليلية أن البنت الكبرى قد تكون لها وجهة نظر مختلفة أو عدم توافق مع والدتها وربما تكون أقرب إلى والدها، ومع هذا فإننا لا نستطيع أخذ هذا الكلام على إطلاقه ولكننا نشاهد بعض الحالات التي تنطبق عليها هذه النظرية من وقت لآخر، وأنت ربما يكون لديك شيء من هذا النوع من العلاقة التي ذكرتها المدرسة النفسية التحليلية.

وعموماً أرجو أن لا تنظري إلى علاقتك مع والدتك بسلبية وظلامية، فأنا على ثقة كاملة أنك تعرفين قدر والدتك وأنت مطالبة ببرها ومطالبة بمساعدتها ومطالبة بتعزيز وتوطيد نقاط الاتفاق فيما بينكما وأن تجدي لها العذر في نطاق الخلاف فيما بينكما.

وأؤكد لك أن حب الوالدين (خاصة الأم) لأبنائهم وبناتهم هو حب غريزي وفطري، وهذا أمر لا مناص منه مطلقاً، فوالدتك تحبك وتريدك أن تكوني أفضل منها، ولكن ربما يكون لديها صعوبات في المنهج ولكل إنسان منهجه في التربية وفي التواصل، فافتحي حواراً إيجابياً مع والدتك، وأظهري لها الحب والاحترام والطاعة، وأنا على ثقة تامة أنها سوف تبادلك هذا الحب وسوف تعتز بك.

وأرجو أن لا تكون هناك أي نوع من الحواجز بينك وبين والدتك، كما أرجو أن لا تكوني متحفزة وتعتقدي أن كل تصرف يأتي من جانب والدتك سوف يكون سلبياً، فهذه الأحكام المسبقة تضر كثيراً بالعلاقات، وكثيراً ما تكون لنا أحكام أو قرارات مسبقة حول بعض الأشخاص، ومهما قدموا وأحسنوا وكان أداؤهم متميزاً نحكم عليهم بتصرفاتهم السابقة أو تجاربنا السلبية معهم في الماضي، فأرجو أن تزيلي ذلك تماماً وأرجو أن تنظري في النقاط الإيجابية تجاه والدتك.

ومن الجميل أنك تحاولين الآن المساعدة في عمل المنزل وفي مساعدة والدتك والجلوس مع العائلة فهذا من المهم جدّاً، ويمكنك أيضاً أن تقترحي للأسرة أن تكون هنالك جلسات أسبوعية (نسميه بالمؤتمر الأسري) هذا المؤتمر الأسري فعال جدّاً في مناقشة ما يهم الأسرة وكل القضايا التي تشغل أفراد الأسرة يمكن مناقشتها ويمكن طرحها.

ويمكنك أيضاً أن تدعمي هذا الاقتراح بأن تكون هناك تلاوة للقرآن على سبيل المثال في النصف ساعة الأولى، فندعو الأسرة أن تبدأ بتلاوة القرآن الكريم لمدة نصف ساعة، ثم تكون نصف ساعة أخرى للحوار والنقاش فيما يخص الأسرة، ومن خلال هذا الحوار سوف تخرج الكثير من العواطف والطاقات النفسية السلبية المكتومة، وهذا يسمى (العلاج عن طريق التفريغ النفسي) وهو علاج فعال وجيد، ومن خلال هذه الاجتماعات الأسرية سوف يصل أعضاء الأسرة إلى أن الأمور يجب أن لا تؤخذ بصورة شخصية ولكن يجب العمل على مساعدة الأسرة كلها وجعلها أكثر فعالية، فهذا واحد من الأساليب التي وجد أنها طيبة إذا نفذت بالصورة الصحيحة.

والجانب الآخر وهو أن والدتك تحاول دائماً أن تعكس الجوانب السلبية لوالدك، فأرجو أن تثبتي لوالدك أنك إيجابية وأنك مطيعة وأنك فعالة وأنك عضو مفيد في الأسرة، وهذا سوف يجعله يصدر أحكامه الخاصة عليك والتي أتصور أنها سوف تكون أحكاما مشجعة وأحكاما إيجابية، ولن يبني آراءه حيالك على ما تقوله والدتك.

وما ذكرته من أنه يأتيك نوبات من الضحك وحدك، فهذا مرتبط بأحلام اليقظة والاسترسال في القصص الخيالية ذات الطابع الفكاهي، فانتقلي بجسدك وعواطفك وتفكيرك نحو الأسرة كلها ولا تعزلي نفسك عنهم أبداً.

وفي بعض هذه الحالات – نسبة لوجود الجانب الوسواسي – ننصح أيضاً بتناول أحد الأدوية البسيطة والتي تساعد في علاج هذه الأفكار المسترسلة ذات الطابع الوساوسي ويمكنك محاولة هذه الأدوية، والدواء الذي أنصحك به يعرف باسم (بروزاك) فيمكنك أن تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل لمدة ثلاثة أشهر وسوف يساعدك كثيراً إن شاء الله تعالى.

أرجو اتباع الإرشادات السابقة وأرجو أن تنظري في علاقتك مع والدتك بحميمية أكثر وبإيجابية أكثر، وأرجو أن أؤكد لك أن والدتك تحبك حباً مطلقاً وهي مثل كل أم تريدك أن تكوني في أحسن الأحوال وأن تكوني فعالة، ويجب أن تساعدي والدتك حتى تصلي -إن شاء الله تعالى- لهذا المقام.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً