الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الشعور بالنقص وفقدان الثقة بالنفس نتيجة سوء التربية الأسرية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنا فتاة جامعية متفوقة دراسياً، من أسرة متدينة متفتحة جداً ومحافظة، وأعاني منذ طفولتي من عدم الثقة بالنفس، وشعور دائم بالنقص، وأن كل من حولي هم أفضل مني، وأني لا أستحق الحب أو الإعجاب أو السعادة، ولا أعلم سبباً لذلك، ولا أتذكر أن هناك أي شيء قد حدث لي في صغري، ولكني عندما كنت صغيرة لم تكن أمي - التي أحبها كثيراً - تزرع في داخلي الثقة بنفسي، بل كانت عن طريق الخطأ تشعرني بأني أقل ممن حولي، أو تحاول أن تجاملهم على حسابي، فلم أشعر أبداً بأن هناك ما يميزني، بينما كانت أمي تمدح أصحابي كثيراً وتنبهر بهم.

كما أن والدي كان يخاف علينا كثيراً، ويرفض خروجنا من البيت، وزيارة الناس، فنشأت مع إخوتي ولدينا ضعف شديد في القدرة على مواجهة الناس، ونشأنا على الخوف منهم، والرهبة من أي موقف اجتماعي، وهو ما أثر كثيراً على شخصيتي، وحاولت أن أواجه كل هذا عندما التحقت بالجامعة، وقررت أن أغير من نفسي، وتعبت كثيراً، وأقحمت نفسي في مواقف كثيرة حتى اكتسبت بعض الثقة على الأقل أمام الناس، وصرت أستطيع التأقلم معهم، ولكن رغماً عني لأني لم أستطع أن أعيش مسلوبة الإرادة وخائفة، واستطعت تكوين العديد من الصداقات، واختلقت لنفسي شخصية غير حقيقتي، شخصية مرحة متكلمة فيها كل الصفات التي يحبها الناس، وكأني أرتدي قناعاً ليس لي.

ومشكلتي هي أنني نجحت في إرضاء من حولي، ولكني خسرت نفسي، ولم أعد أشعر أن لي هوية، وإنما فقط أجيد التمثيل، وصارت الحياة بالنسبة لي تساوي رأي الناس في، حيث لو واجهت انتقاداً من أحد، أو شعور بأني لست مرغوبة، فإن معنى ذلك نهاية العالم بالنسبة لي، وأن هذا الشخص يكرهني وكل الناس يكرهونني، فأصاب باكتئاب حاد، وشعور بالإحباط، وأكره نفسي كثيراً.

وأعيش دائماً في دوامة من التفكير في الكلمات والتصرفات والانتقادات التي تحدث في المواقف الاجتماعية التي أحاول تجنبها قدر الإمكان، ولكن المشكلة الكبرى التي تؤرقني الآن أنني خطبت لشخص رائع أحبه حباً شديداً، ورغم أنه يحاول بكل الطرق أن يظهر لي حبه واهتمامه في إطار الشرع إلا أنني لا أستطيع تصديق أنه يحبني، ودائماً أبكي لأن هناك شيئاً بداخلي يقول لي أنني لا أستحق هذا الإنسان، وأنه سيأتي اليوم الذي يمل مني ويتركني، وأفسر كل تقصير منه على أنه قد كرهني، وكل تصرف منه أحاول تفسيره على أنه قد ندم ويتمنى لو يتركني ولكنه محرج، وفي النهاية أكتشف أنه لم يكن يقصد أي شيء، فماذا يمكنني أن أفعل؟!

علماً بأني لا ينقصني شيء على الإطلاق ولله الحمد، ولكنه شعور بالنقص مترسخ في ذهني، وأتمنى لو أقضي لحظة واحدة في سعادة وراحة بال، ولا أفكر في أي شيء، ولكني أعيش في عالم من أحلام اليقظة لا أكاد أفيق منه، وأشعر فيه بمتعة كبيرة، وأتعجب من تخيلاتي في أحلام اليقظة، حيث أعيش دور الضحية المظلومة أو المريضة، وأن هناك من يعذبني، وأحياناً من يشفق علي أو يخاف علي، وفي الواقع أكره وأرفض تماماً كل ما أتخيله في أحلام اليقظة، فما تفسير ذلك؟!

أفيدوني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مرام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد بدأتِ رسالتك بذكر الصعوبات التي عانيت منها في طفولتك والتي ربما لم تكن طريقة التنشئة فيها ومعاملة الوالدين بالصورة التي ترضي طموحك، وأثر التنشئة في البناء النفسي للإنسان قد يؤثر عليه من ناحية بنائه النفسي المستقبلي، ولكن في نفس الوقت يمكن أن يستفيد الإنسان من السلبيات التي اعترضته في حياته المبكرة من أجل تطوير تجاربه الحاضرة والمستقبلية، وأن يكون ذلك إضافة إيجابية للتطور النفسي.
ومفهوم الثقة بالنفس فيه الكثير من الهلامية وفيه الكثير من عدم المحدودية، فهو أمر يتفاوت بين الناس من ناحية الفهم ومن ناحية ما يقصد به، وكثير من الناس تجد أن تصرفاتهم وتواصلهم الاجتماعي ودورهم الذي يقومون به وكذلك أداؤهم الانضباطي وأداؤهم الاجتماعي يدل أنهم شخصيات متوازنة وقوية، وهذا يجب أن ينعكس عليهم بمزيد من الثقة في أنفسهم، ولكن تجدهم دائماً يتهمون أنفسهم بالتقصير ويحقرون ذواتهم ويقللون من قيمتهم.
فهذه واحدة من أكبر المشاكل التي نراها في الطب النفسي فيما يخص الثقة بالنفس، إذن مفهوم الثقة بالنفس يجب أن يؤصل على ما يقوم به الإنسان وليس على مشاعره فقط، فهذا أمر ضروري جدّاً، كما أنه لا يمكن لأحد أن يكون لديه الثقة الكاملة في نفسه؛ لأن الثقة الكاملة في النفس تعني الكبرياء والتكبر، فالإنسان الذي يحس أنه لا زال لديه بعض النواقص فيما يخص ثقته بنفسه فذلك أمر إيجابي؛ لأن ذلك سوف يدفعه لأن يجتهد وأن يطور نفسه وأن يبتعد عن الكبرياء والتكبر، فهذا هو الأمر الذي يجب أن نركز عليه دائماً، ويجب أن نصحح هذه المفاهيم حيال الثقة بالنفس.
وأنت لديك الكثير من المميزات الإيجابية العظيمة في حياتك – وهذا حسب ما ورد في رسالتك –، وأعتقد أن ذلك كافياً بأن يعطيك مفهوم الثقة في نفسك، وذلك بمعنى أنك إيجابية وبمعنى أنك تقومين بدور معقول في الحياة، وبمعنى أنك تقدم لك رجل ممتاز من أجل الزواج، وهذا يدل أنه لا يوجد فيك النواقص الظاهرة أو الباطنة؛ لأن الذي يتقدم لأي فتاة يدرسها جيداً، وأعتقد أنك تقللين من قيمة نفسك وجعلت المشاعر السلبية تسيطر على ذاتك، ومع ذلك أجد لك العذر في ذلك لأنك تعيشين في قلق داخلي وفي نزاع وصراع وفي وساوس متكررة في داخل نفسك، فما وصفته من أحلام اليقظة المتناقضة هي في الحقيقة وساوس قهرية، فواضح أن هذه الوساوس هي التي سيطرت على كيانك وأصبح هناك تصادم ما بين الواقع وما بين المفترض وما بين الحقيقة، وهذا جعلك تكونين قلقة.
فخذي الأمور ببساطة أكثر وابحثي عن الوسطية في حياتك، فليس من الضروري أن تكوني أفضل الناس، ولست بأسوأ الناس، فحاولي أن تنتهجي منهج الوسطية، وليس هناك ما يدعوك لكراهية نفسك وعقوبتها، فأنت لك الكثير من المميزات ولديك الكثير من الخصال الطيبة، فأرجو أن تسعي لتغيير نفسك فكرياً.
وعليك أن تنخرطي في العمل التطوعي فهو ليس أمراً فوضوياً - كما يفهمه البعض -، بل هو أمر له ضوابطه وينمي الذات وينمي الشخصية، ويعيد الثقة بالنفس للذين يقللون من قيمهم الذاتية أو شعورهم نحو أنفسهم، ودائماً يبني الضوابط الذاتية الداخلية التي توجه العواطف والوجدان بصورة إيجابية.
ورغم علمي أن التغيير في مثل هذه الحالات ليس بالسهل ولكنه ليس بالمستحيل أيضاً، فشخصيتك بها بعض السمات القلقية والتوتر والتناقض الداخلي والوساوس، وربما يكون لديك أيضاً شيء بسيط من سمات ما يعرف بالشخصية الحدية، وهذه الشخصية تكون أيضاً متقلبة المزاج وكثيراً ما تفتقد الهوية، وكثيراً ما يكون هناك تنازع داخلي، ولكن يعرف أن هذه الشخصية تتحسن كثيراً مع الأيام والعمر بإذن الله تعالى.
وأرجو أيضاً أن تركزي في دراستك وأن توجهي طاقاتك النفسية لما هو مفيد لك ولما هو أفضل، فحاولي أن تمارسي الرياضة وأن تنظري للزواج بمفهومه الطيب وهو السكينة والمودة والرحمة، فيجب على الإنسان أن لا تكون له أفكار استباقية سلبية، فأنت تحكمين على نفسك استباقياً، وهذا لا يجوز وليس من المنصوح به مطلقاً، فأنت تقدم لك رجل وهو على قناعة أنك سوف تكونين الزوجة التي تسعده، فلماذا لا تفكرين أنت بنفس المستوى وتقولي أن هذا هو الزوج الذي سوف يسعدني، فتخلصي من الأفكار الاستباقية وحقريها وابني ثقتك في نفسك، وهذا يتطلب منك إعادة خارطة التفكير حسب الأسس التي ذكرتها لك.
ولا أقول أنك مريضة نفسية ولكن لديك ظواهر نفسية لا يمكن أن نتجاهلها، والعلاج الدوائي ربما يكون له دور في مثل هذه الحالات أيضاً، فسوف يخفف من الوساوس وسوف يخفف من القلق ومن المشاعر المتناقضة بإذن الله تعالى، لذلك أنصحك بتناول عقار بسيط وممتاز وسليم يعرف باسم (فافرين)، فأرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة خمسين مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى خمسين مليجرام ليلاً لمدة شهر واحد، ثم توقفي عن تناوله.
وأما فيما يخص حرصك واجتهادك في الجانب الديني فهذا أمر مشجع جدّاً، والإنسان الذي يتقرب إلى الله تعالى ويكثر من فعل الطاعات ويلتزم بعباداته وأذكاره فإن ذلك أحد مفاتيح الخير التي يجب أن تكوني حريصة عليها، وأنا على ثقة كاملة أنك سوف تعيشين حياة زوجية سعيدة إن شاء الله تعالى.
فخذي الأمور ببساطة ووسطية ولا تجعلي هذه الأفكار الاستباقية الوسواسية السلبية تسيطر عليك، فحاولي أن تحقريها وحاولي أن تبسطي مفهوم الثقة بالنفس؛ لأن الثقة بالنفس هي أفعال وليست مشاعر فقط، وأنت كل أفعالك تدل أنك يجب أن تثقي في نفسك وفي مقدراتك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً